صلاحيات رئيس الوزراء وجدلية شبكة الإعلام العراقية وهيئة الاعلام والاتصالات

هاف بوست عراقي ـ رصد المحرر- ز.ا.و: علي الأوسي: لم يستمر النقاش والجدال حول مؤسسة من المؤسسات الرسمية مثلما استمر حول شبكة الإعلام العراقية وهيئة الاعلام والاتصالات ، كثيرة هي المؤسسات التي تشكلت بعد احداث 9 نيسان 2003 وكثيرة ايضا هي المؤسسات المستقلة التي تأسست بعد هذا التاريخ لكن أيا منها لم يشهد جدلا مستمرا والذي اصبح مثل ( المستديم) كالذي حصل ولايزال يحصل حول شبكة الإعلام العراقية وهيئة الاعلام والاتصالات.

وفيما يتعلق بشبكة الاعلام العراقية لايزال الحديث والنقاش دوارا حول هوية الشبكة وعلاقتها بالحكومة وعما اذا كانت حكومية او انها تابعة للدولة او انها من نوع اخر يسمى البث العام ؟ ثم ما علاقة رئيس الوزراء بتعين او تكليف او ترشيح قيادات هذه الشبكة لاسيما لما يتعلق برئيس الشبكة او مديرها العام او اعضاء مجلس أمنائها وهل له صلاحيات في تعين تلك القيادات وانهاء خدمتها ام لا ؟

وفي سياق هوية الشبكة وعلاقتها بالدولة او الحكومة فان الشبكة ليست تابعة للحكومة ولا للدولة وانما هي هيئة او مؤسسة بث عام مستقلة واذا سلمنا بانها غير تابعة للحكومة فإنها ايضا ستكون غير تابعة للدولة لان الحكومة جزءا من الدولة والتبعية للدولة تعني بالنتيجة تبعية للحكومة، اما ان يتصور البعض انها تابعة للدولة فربما ذلك التصور يقترن بتمويل الدولة للشبكة فيعتقدون ان تمويل الدولة ماديا للشبكة يعني انها تابعة للدولة غير ان اصحاب نظرية البث العام يقولون ان اموال الدولة هذه هي اموال عامة وليست اموال خاصة لذلك فان من الطبيعي ان يكون تمويل شبكة البث العام من الاموال العامة دون ان تكون لها تبعية للحكومة والدولة وان تكون شبكة بث عام مستقلة عن الدولة والحكومة.

والسؤال الدقيق والجوهري هنا هو ما المقصور بالاستقلالية وما معنى الاستقلالية هل معنى هذا ان المؤسسة المستقلة هي مؤسسة مقطوعة الجذور عن الدولة والحكومة وانها معلقة بالسماء مثلا وان لا حبل اداري يربطها بالدولة والحكومة وان لا علاقة لمؤسسات الدولة وسلطتها التنفيذية ورئيس الوزراء بهذه المؤسسة المستقلة؟

الاستقلالية لا تعني القطيعة مع الحكومة والدولة وانما الاستقلالية ببساطة تعني الاستقلالية في القرار الداخلي وعدم الخضوع للتدخلات الداخلية والخارجية وان يكون اداء المؤسسة وعملها مثل شبكة الاعلام العراقي في المضمون والمحتوى والاداء مستقلا دون ضغوط وتدخلات وتوجيهات من الحكومة والدولة كما ان هذه الاستقلالية لا تعني مناكفة الحكومة وعدم الاهتمام بنشاطاتها ذلك ان من واجبات البث العام نشر نشاطات الحكومة واعمالها لان هذه النشاطات والاعمال جزءا من اهتمامات الجمهور ومادام الجمهور يهتم بنشاطات الحكومة فان الواجب على شبكة الاعلام نشر هذه النشاطات وتغطيتها والاهتمام بها.

هذا هو معنى الاستقلالية فيما هي اي شبكة الاعلام جزءا اصيلا من هيكلية الدولة والحكومة الادارية، والدولة سواء في الحكومة او مجلس النواب مسؤولة في المحافظة على الاستقلالية والتوازن من خلال التعينات او الترشيحات لمدير عام الشبكة واعضاء مجلس امنائها حيث ان رئيس الوزراء هو من يرشح او يعين فيما مجلس النواب هو من يصادق او يرفض التعينات والترشيح بغالبية ثلثي اعضاء المجلس في عملية توازن دقيقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية الى ان تكتمل عملية التعين والمصادقة لتبدأ بعد ذلك عملية المراقبة والمتابعة والمحاسبة من قبل مجلس النواب.

وتستمر عملية التوازن الدقيقة وحفظ الاستقلالية حتى في عملية انهاء خدمات المدير العام واعضاء مجلس الأمناء ، ذلك ان مجلس الأمناء هو صاحب السلطة الحصرية في انهاء خدمات مدير الشبكة حتى تجعل الية الاقالة هذه المدير العام مسؤولا امام مجلس الامناء فيما مجلس النواب صاحب السلطة الحصرية في انهاء خدمات عضو او اعضاء مجلس النواب وبموافقة ثلثي اعضاء المجلس.

هذه هي الميكانيكية والآلية الدقيقة والمتوازنة لإدارة شبكة الاعلام العراقية والتي تحفظ استقلالية شبكة الاعلام وكما رسمها الامر رقم 66 لعام 2004 والذي كان ساري المفعول حتى صدور قانون الشبكة الجديد المشوه رقم 26 لعام 2015 والذي كان كارثة حقيقية على الشبكة وعلى قواعد ادارة البث العام.

ان القانون رقم 26 لعام 2015 انهى توازن تعين قيادات الشبكة وانهاء خدماتهم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية عندما قطع علاقة السلطة التنفيذية بعملية التعينات وحفظ التوازن وحصرها بين منظومة الشبكة والسلطة التشريعية فقط متوهما ان في ذلك ضمانا لاستقلالية الشبكة ناسيا او متناسيا ان في منظومة الشبكة الداخلية ضغوط من نوع آخر وكما ان السلطة التشريعية هي سلطة مثل السلطة التنفيذية لها رغباتها في التدخل في شؤون الاعلام وتوظيف الاعلام سياسيا وهي سلطة ليست محايدة كما السلطة التنفيذية، كذلك فان القانون رقم 26 شكل تحولا خطيرا في الادارة الداخلية للشبكة عندما اعطى صلاحيات تنفيذية لمجلس الامناء واعضاءه مما جعل الشبكة تدار برأسين احدهما رئيس الشبكة والرأس الاخر مجلس الامناء في عملية تراضي لتقاسم السلطة بين الطرفين وتسوية الصراع على السلطة والادارة والنفوذ داخل الشبكة.

وقد يقول قائل اذا كان الامر 66 لعام 2004 بهذا المستوى الجيد في ادارة شبكة الاعلام وتنظيم شؤونها فلماذا اذا اخفقت الشبكة في أن تكون بمستوى القانون وتشريعاته وتنظيمه؟

مما لاشك فيه ان هذا السؤال دقيق وجوهري وان الاخفاق في الارتقاء الى مستوى الامر 66 ليس في اصل الامر وتشريعاته وقواعده وتنظيماته وانما في الاسباب التالية:

1- عدم فهم واستيعاب الامر 66 لعام 2004.
2- وجود عدم رغبة في التنفيذ الدقيق لقواعد وضوابط الامر 66.
3- عدم اعمال مجلس النواب لصلاحياته في التصديق على ترشيحات وتعينات رؤساء الوزراء لما يتعلق برئيس الشبكة ومجلس الامناء الامر الذي ترك رئيس الشبكة ومجلس امنائها دون حماية من مجلس النواب. وتركهم فريسة لهيمنة السلطة التنفيذية وسمح لرؤساء الوزراء ومكاتبهم بالتصرف بحرية واعمال نفوذهم داخل الشبكة.
4- عدم استيعاب رؤساء الوزراء والسياسيين لمبادئ البث العام والاعلام الحر.
5- تغلب الجموح السياسي على شبكة الاعلام في سياق الصراع الازلي بين السياسي والاعلامي بسبب انكشاف واستسلام ادارات الشبكة امام السلطة التنفيذية.

وعلى الرغم من الغاء الامر رقم 66 لعام 2004 والعمل بقانون 26 لعام 2015 في شبكة الاعلام العراقي الا انه مازال في القوس من منزع كما يقولون ذلك ان كافة التعينات والترشيحات السابقة واللاحقة لما يتعلق بالقيادات العليا في شبكة الاعلام لم يصادق عليها مجلس النواب على الاطلاق لذلك فان هذه المواقع هي مناصب مؤقته وليست عناوين وظيفية وعلى هذا يكون من صلاحيات رئيس الوزراء التدخل والعمل على اعادة ترتيب بناء هذه القيادات من جديد حتى وان كان في سياق القانون 26 لعام 2015 ، اما ما يتعلق بهيئة الاعلام والاتصالات فان سياقات التنصيب لقيادات الهيئة على اساس الامر رقم 65 لعام 2004 هي ذات سياقات التنصيب وفق الامر رقم 66 لعام 2004 الملغى والخاص بشبكة الاعلام والذي فصلنا آلياته في اعلاه ، وبما ان الامر رقم 65 لعام 2004 والخاص بهيئة الاعلام والاتصالات مازال ساري المفعول لذلك فان لرئيس الوزراء صلاحية اعادة تشكيل قيادات الهيئة من مدير عام تنفيذي للهيئة واعضاء مجلس الامناء لاسيما وان التكليف الرسمي لهذه القيادات في هيئة الاعلام والاتصالات قد انتهى بعضها من سنوات فيما انتهى تكليف البعض الاخر من شهور.

مصادر: وكالات – تواصل اجتماعي – نشر محرري الموقع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here