تجربتي الشخصية الثانية مع سرطان الرئة

كاظم حبيب
تجربتي الشخصية الثانية مع سرطان الرئة
أتوجه قبل كل شيء بشكري وامتناني الجزيلين إلى الاصدقاء والصديقات والأخوة والأخوات ورفاق النضال الطويل والرفيقات كافة الذين اتصلوا بي او بزوجتي هاتفيا أو من أرسل رسالة الكترونية مستفسراً عني وتمني لي الشفاء العاجل. وكان لكل هذه الاتصالات البلسم المساعد لي حقا باعتباره التعبير عن لمودة والاحتضان الإنساني النبيل. وشكري موصول لكل الطبيبات والأطباء والممرضات والعاملين في المستشفى الانجيلية في مدينة بوخ- برلين، الذين كان لعنايتهم الانسانية الدور الاول في نجاح العملية والمعالجة الطبية وسرعة الخروج من المستشفى. الشكر الجزيل والخاص للطبيبة الجراحة السيدة الدكتورة مارايكه غراف التي أجرت هذه العملية والتي أجرت العملية السابقة في عام 2018، وكانت ممتازة في عملها.
هدفي من هذه المقالة، إضافة لما ذكر في أعلاه، التنبيه الى ثلاث مسائل مهمة مستمدة من تجربتي الشخصية علها تكون نافعة ولو لإنسان واحد، فهي تكون قد أدت دورها:
الأول. عند التعرض لخروج البلغم بكثرة نسبية، عندها يستوجب مراجعة الطبيب وعدم الانتظار، رغم احتمال وجود أسباب كثيرة أخرى.
الثاني: سرعة المعالجة، اذ كلما كان داء السرطان صغيرا وحديث العهد، امكن الخلاص منه بسرعة.
الثالث: الثقة بالنفس وبإمكانية التخلص والنجاة منه رغم خبثه، أي النظرة الإيجابية للحياة والموقف من المرض والقدرة على مواجهته والانتصار عليه.
ليس هناك أجمل للإنسان الفرد على المستوى الشخصي من الانتصار على داء السرطان، أياً كان موقع الإصابة به. الا أن السرطان مرض خبيث يمكن ان يعود مرة أخرى وفي كل لحظة، لاسيما وان الطب المتقدم كثيراً لم يتوصل حتى الآن إلى العوامل الفعلية الكامنة وراء إصابة الإنسان به، رغم وجود دراسات كثيرة وتكهنات أكثر بالعوالم المسببة له، بما فيها التدخين، أو المخدرات، أو البيئة الملوثة جداً والمتفاقمة تلوثاً التي تعيش البشرية تحت وطأتها حاليا، والتي لا تنفصل بأي حال عن الرغبة والجشع الرأسمالي في المزيد من استغلال الطبيعة ومواردها والإنسان، وليد ونتاج هذه الطبيعة، إضافة إلى الفقر والبؤس والفاقة، التي تشمل مئات الملايين من البشر، وكذلك الجهل الكبير بضرورة حماية البيئة من التلوث والعناية بالصحة، والتي تؤشر إلى ازدياد في حالات الإصابة به عالمياً. كما أن غير المتنورين من رجال الدين والمشعوذين والفاسدين الذين يبعدون الإنسان المريض من المعالجة الطبية الصحيحة والادعاء باكتفائهم بزيارة الأضرحة المقدسة والشيوخ الصالحين واستخدام الأدعية أو تناول (تربة الشفاء!)، كما في حال جنوب ووسط العراق، في مواجهة وباء كورونا مثلاً والتي يروج لها مزيفو الدين.
كنت سعيدا حين بلغت بالخلاص من الداء بعد العملية الأولى في 02/07/2018 وأخذ أربع حقن (زرقات) كيماوي في غضون شهرين. وكانت المراقبة الفصلية تشير الى عدم عودة الداء الى الرئة. واخر مرة كان عليّ ان انتظر ستة شهور للفحص الرقابي. أجري لي الفحص بالكومبيوتر تيموغرافي CT ومن ثم بالأشعة المغناطيسية MRT فظهر في الحالتين ظل صغير بحجم 2,3 سم في الجهة اليسرى من الرئة، في حين كان في المرة الأولى في الجهة اليمنى منها وبنفس الحجم تقريباً. أي في كلتا الحالتين كان السرطان لا يزال حديث العهد ويمكن التغلب عليه.
حين اصبت به في المرة الأولى لم اشعر بأي ألم في الرئة، لكن الشيء الوحيد الذي ظهر لي هو تكون مزيد من البلغم يوميا والذي كان يجبرني على افتعال السعال للتخلص منه. وكان السبب وراء إرسالي من قبل طبيب العائلة للفحص الإشعاعي للرئة وظهر السرطان بوضوح. وهذه المرة أيضاً لم اشعر بأي ألم في الرئة أو محيطها وما يرتبط بها، عدا عن بروز البلغم ثانية وبكثافة المرة الأولى وعبى مدى ثلاثة شهور. فتوقعت في حينها سلفا عودة السرطان إلى الرئة حتى قبل الفحص بالأشعة. ولم افاجأ حين أبلغني الطبيب المختص بوجود السرطان في الجانب الأيسر من الرئة. وللمزحة قلت للطبيب: يبدو أن الجهة اليسرى غارت من الجهة اليمنى، فجاءها الجواب سريعاً!
تقرر إجراء الفحص الإشعاعي لكل الجسم ليتيقنوا من عدم انتشاره في انحاء اخرى من الجسم بما يطلق علية TEP -CT. وتبين خلو الجسم من السرطان ما عدا الجهة اليسرى من الرئة. عندها تقرر اجراء العملية مباشرة ولم يمض على اكتشاف الداء وإجراء العملية سوى أسبوعين، كنت خلالهما مشغولاً بالفحوصات الروتينية المعروفة في مثل هذه الحالات.
في 22/06/2020 أجريت لي العملية واقتطعت الخرقة الكبيرة من الرئة اليسرى بالكامل مضافاً اليها القطعة الصغيرة المرتبطة بها بحيث لم يبق لي في الرئة سوى النصف (50%). بقيت في المستشفى ثمانية ايام للعلاج والمراقبة، وقد ظهرت اثناء التخدير والعملية مصاعب في التنفس، مما اجبر الطبيبة الأقدم التي تجري العملية ورئيس الأطباء المشرف على اتخاذ اجراء خاص لتجاوز المشكلة. ولهذا السبب تسلمت وثيقة تشير الى ذلك، إذ ينبغي ابرازها للطبيب المخدر قبل اجراء اي تخدير وعملية لاحقاً. اخرجت من المستشفى شريطة ان اعود لهم بعد ثلاثة ايام لفحص الرئة بالأشعة، للتيقن من خلو المنطقة المحيطة بالرئة من السوائل، بسبب قيامهم بغسل الرئة ومحيطها بعد العملية لتسريع عملية الخلاص من بقايا الدم. اثناء وجودي في المستشفى قمت بحركة غير اعتيادية غير مقصودة أدت الى خروج خرطوم (الصوندة) لسحب بقايا الدم بعد العملية الجراحية من موقعه. فتقرر عدم إعادته. تم بتاريخ 03/07/2020 إجراء فحص الرئة، فثبت وجود بعض السوائل في اعلى الكتف فوق الجهة اليسرى من الرئة، لكنه قليل وغير مؤثر ويعتقد الطبيب المختص بأن السائل سيصرف بفعل الجسم ذاته على ان يتم القيام بفحص جديد بتاريخ17/07/2020.
اكرر شكري وامتناني لكل الاحبة الذين وقفوا الى جانبي وساندوني معنويا لمواجهة هذا الداء والعملية وانا في هذا السن المتقدم، ففيوم ولادتي 16/04/21935 يكشف عن السنين التي أحملها على كتفيَّ. أرجو للجميع الصحة والعافية والسلامة من كل الأمراض ومنها الأمراض الاجتماعية التي تحيط بالعراق الطائفية والفساد والفقر والحرمان والتدخل الإيراني الفظ وبقية أشكال التدخل الأجنبي. الصحة والسلامة والتقدم للشعب العراقي الحبيب.
برلين في 03/07/2020


تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here