أين تذهب ضريبة الاتصالات البالغة 20% ؟!

باسل عباس خضير

الضرائب والرسوم هي من الأعراف التي تمارسها الدول والحكومات لأهداف عديدة بعضها اقتصادية وأخرى اجتماعية او سياسية او غيرها من الغايات ، وهناك شروطا عديدة لفرض الضرائب والرسوم وفي مقدمتها تحقيق العدالة الاجتماعية وإسهامها الفعلي في الهدف المنشود وإبعادها عن جميع محاولات والسرقة والفساد ، والحكومات التي تحترم شعوبها غالبا ما تتبع ابسط الطرق لفرض الضرائب بما يسهل على المواطن الصالح دفعها وتحقق غايات الفرض ، وأحيانا توضع لجبايتها مديات زمنية محددة لكي لا تسبب الضجر والتهرب من دفعها بوسائل غير مشروعة ، ولان الأمر مختلف نوعا في العراق فقد أضعنا الكثير من الفرص المعقولة لفرض الضرائب والرسوم كالكمارك وبيع الأملاك والموجودات والعقارات والتحويلات الخارجية وغيرها من أمور الحياة التي يمكن من خلالها جباية مليارات الدولارات لصالح الموازنة الاتحادية وتحويلها إلى مصادر للإيرادات بحيث انتشرت روائح فسادها التي تزكم الأنوف هذه الأيام بعد فوات الأوان ، وفي حينها اختاروا المكالمات الهاتفية كوعاء ضريبي ( غاية في قلب يعقوب والله اعلم بالنيات ) ، فمن الأمور التي أقحمت في قانون موازنة 2015 رقم (2) لسنة 2015 ما تضمنته المادة (33 / أ ) التي نصت على ( فرض ضريبة المبيعات على كارتات تعبئة الهاتف النقال وشبكات الانترنيت بنسبة (20%) من قيمة الكارتات ، والعجيب إن الجهة التي أدخلت هذا النص أوكلت مهمة استيفاء ضريبة المبيعات على كارتات تعبئة الهاتف النقال بشركات الاتصالات العاملة في العراق ، التي هي شركات غير حكومية وتستأجر الخدمة ويؤشرون عليها ( إعلاميا )الكثير من المؤشرات والملاحظات بخصوص تأخير دفع المستحقات عن جولات التراخيص وغيرها من الأمور الفنية التي سمع ويسمع الشعب الكثير منها منذ أعوام ، مما يجعل المواطن يتساءل هل أوفت تلك الشركات بدفع ما عليها من استحقاق والتزامات لكي تسند لها مهمة استيفاء ضريبة المبيعات ؟ ، وهل إن الجهات المعنية تعرف المبيعات الفعلية لتلك الشركات لكي تسدد الضريبة المستوفاة من المواطنين دون فساد ؟، والجواب معروف بالطبع لان غالبية الشعب يتداول هذا الموضوع بسخرية واستخفاف منذ فرض تلك الضرائب ووسائل جبايتها وحتى اليوم .

نعم حتى اليوم ، لان المادة الخاصة بفرض ضريبة مبيعات الاتصالات والانترنيت باتت صفة ملازمة وتتكرر سنويا في كل قوانين الموازنات الاتحادية ، فقد وردت في نص المادة ( 23 ) لموازنة سنة 2016 كما وردت في نص المادة ( 23 / أولا ) لموازنة سنة 2017 وفي نص المادة ( 17/ أولا أ ) لموازنة سنة 2018 وفي نص المادة ( 18 أولا / أ ) في موازنة 2019 ، وفي بلدنا العزيز لا يعرف أحدا من عامة الناس عن حجم الإيرادات التي تحققت من تلك الضريبة وأوجه صرفها رغم إنها خرجت من جيوب الجميع وتمت جبايتها بالكامل من قبل شركات الاتصالات لأنها تصاحب أية تعبئة لخدمات الهاتف النقال والانترنيت بمعنى إن التهرب عن دفعها من ضروب مستحيل ، والشركات لديها طرق متعددة في طبع وبيع الكارتات ولا نعتقد إن الجهات الحكومية على علم بمبيعات الخدمة لأنها تجري بطرق متعددة ولم يتأكد لأحد او جهة إن تلك الشركات لديها آليات لعزل نسبة 20% من جميع مبيعاتها وتحويلها إلى الجهات الحكومية المعنية سواء وزارة المالية او الاتصالات او هيئة الاتصالات او غيرها من الجهات ، ولكن المؤكد إن إيراداتها عالية و مجزية ولهذا تم الاستمرار بالعمل بها في ظل صمت الجميع فقد صدرت بتشريعات واجبة التطبيق ، (ونظرا لعدم وجود مصدر يمكن اللجوء إليه لمعرفة قيمة هذه الضريبة فان السبيل الوحيد لتقدير ما تم استيفائه منذ بداية 2015 ولحد اليوم هو التخمين لأغراض هذه المقالة ) ، فحسب ما يشاع فان هناك 35 مليون مشترك في خطوط النقال كافة في العراق لكل الشركات وإذا تم الفرض إن كل خط يشتري كارت بقيمة 10000 دينار شهريا ( وهذا الرقم متواضع جدا ولكن وضع افتراضا لتجنب المبالغة ) فان المبيعات الشهرية لشركات الخلوي هي 350 مليار دينار أي 4,2 تريليون دينار سنويا و 21 تريليون خلال الخمس سنوات التي تم فيها السريان (2015 – 2019 )، وقيمة الضريبة من إيرادات الموبايل فقط على هذا الافتراض هي 20% بما يعادل 4,2 تريليون دينار أي 3,5 مليار دولار ، وهنا يحق السؤال هل تم تسديد هذا المبلغ للخزينة او اقل منه لحساب ضريبة الاتصالات بالفعل أم إن الموضوع معلق لحد الآن ؟ .

ورغم إن الكثير لا يشعر بعدالة فرض هذه الضريبة على عموم الشعب ، إلا إنهم يرددون ، لو كانت شركات الاتصالات وطنية وتذهب هذا المبالغ لحسابها لقال البعض ( بالعافية وألف عافية ) أما أن يدفع الشعب ضريبة عن الاتصالات لشركات أهلية معروفة الأصل دون معرفة مصير ما يتم استقطاعه وهي مبالغ تشكل إيراداتها رقما مهما لإعانة الموازنة وهي تمر بأزمة حقيقية اضطرت من خلالها الحكومة لتمويل الرواتب بالاقتراض فان هذا ما لا يجب السكوت عنه ، وان ابسط ما يقال هو كفى استقطاعات عن ضريبة الاتصالات لان الشعب يدفع أعلى الأجور السائدة في المنطقة عن الاتصالات كما إن الاتصالات في العراق ليست بأفضل حال من بقية الخدمات ، إذ لا نزال في الجيل الثالث وهناك من تقدم على اتصالاتنا بكثير من حيث الجودة والأسعار والخيارات ، ويتوجب على الحكومة الضغط على الشركات لجباية الاستقطاعات التي فرضت فعلا من المشتركين لأنها باتت من الأموال العامة التي يجب أن تدخل الموازنة الاتحادية من تاريخ المباشرة بجبايتها ، وفي حالة قناعة الدولة باستمرار فرض هذه الضريبة للضرورات المالية ودعم الأزمة الصحية مثلا ، فالمطلوب أن يعدل النص المتعلق بضريبة الاتصالات بشكل عاجل بما يضمن وصول إيراداتها بالكامل للموازنة الاتحادية ودون ترك أي مجال لتهرب شركات الاتصالات لتسديد ما عليها لحد الدينار ، وبموجب آليات تضمن الجباية السليمة وتحويل الجبايات وان يتم التسديد شهريا او فصليا كحد أقصى وليس تجميع المبالغ وطمس الحقائق فيما بعد ، ولان ما استقطع من ضرائب على الاتصالات باتت من أموال الشعب ومن حقوق الموازنات الاتحادية التي لم تقدم حساباتها الختامية بعد ، نجد إن من واجب اللجان المعنية في مجلس النواب ( البرلمان ) فتح الملفات بإيرادات هذه الضرائب خلال السنوات الماضية من حيث مقدارها وأوجه صرفها ، وإعلام الجمهور والجهات المعنية في الدولة فيما إذا كانت فيها شبهات بالفساد من قبل أفراد او جهات ، كما نرى إن من واجب ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة باعتبارهما من الجهات الرقابية للدولة ، إعطاء إيضاحات عن هذا الموضوع لطمأنة الجمهور عن مصير الأموال التي استقطعت منهم منذ أكثر من خمس سنوات دون انقطاع أي من بداية 2015 .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here