غياب موقف عراقي قوي من العملية العسكرية التركية داخل حدوده.. ضعف أم تنسيق !

ويؤكد مراقبون أن غياب الموقف الرسمي عن ما يجري يعكس حالة الضعف التي يعيشها العراق بعد العام 2003، في حين يرى البعض أن العملية التركية انطلقت بتنسيق مسبق مع حكومة بغداد.

ويقابل الموقف الرسمي العراقي الخجول تأكيد رسمي تركي على مواصلة العمليات العسكرية ضد عناصر حزب العمال الكوردستاني PKK داخل الأراضي العراقية.

وفي الساعات الأخيرة، أعلنت وزارة الدفاع التركية وخلال عملية “مخلب النمر” ضبط  كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر تعود لمسلحي العمال الكوردستاني في منطقة حفتانين شمالي محافظة دهوك.

أما الخارجية التركية فأعلنت على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي، أن انتقاد المسؤولين العراقيين لعملية مخلب النمر، لن يدفع أنقرة للتراجع عن مكافحة منظمة  PKK داخل العراق.

وقال اقصوي في بيان، أن تركيا عازمة على اتخاذ كافة التدابير الضرورية للدفاع عن نفسها ضد أنشطة PKK “الارهابية”، المهددة لحدودها وأمنها واستقرارها.

وأضاف أن أنقرة قدمت التوضيحات الضرورية في الوقت المناسب للجانب العراقي حول عمليتي “مخلب النسر” و”مخلب النمر”، مشيرا إلى استعداد أنقرة للتعاون مع العراق في مكافحة “المنظمة الإرهابية” وفق تعبيره ، المهددة لأمنه وسيادته.

وفي اليومين الماضيين، صدرت تصريحات عن المتحدثين باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف، ورئيس الوزراء أحمد ملا طلال، انتقدا فيها العمليات العسكرية التركية.

وأكتفت بغداد بذلك الانتقاد ولم تتخذ أي إجراء تجاه ما يجري داخل حدوده الشمالية من عمليات عسكرية من جهة، ومن استخدام حزب العمال لأراضيه منطلقا لشن عمليات ضد تركيا.

بغداد تتحمل المسؤولية

يقول الباحث والمحلل السياسي الناصر دريد في تصريح  إن “حكومة بغداد تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية تجاه دخول أي قوة عسكرية من دول الجوار الأراضي العراقية، كما تتحمل المسؤولية عن وجود أي قوة غير نظامية على أراضيه وتستخدمها منطلقا لتهديد دول الجوار”.

وعزا الناصر دريد ، ضعف الموقف العراقي تجاه العمليات التركية إلى “الوضع السياسي الضعيف والمتهالك للحكومة”، وأوضح أنه “بسبب ذلك الضعف لم يعد واضحا أين تمدد السيادة العراقية وأين تتوقف”.

وأضاف: أن “ضعف العراق تسبب بدخول منظمات مسلحة وسيطرتها على بعض الأراضي وبالتالي ادى ذلك إلى تدخل دول الجوار المباشر “.

وكشف عن وجود معلومات لا يمكن الجزم بصحتها بشأن “وجود اتفاق مسبق بين العراق وتركيا فيما يخص العملية العسكرية.”

وقبيل انطلاق العملية العسكرية باسبوع ، زار رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان العاصمة العراقية بغداد، دون الكشف عن تفاصيل تلك الزيارة، سوى ماقيل انه التقى عقد لقاءات بالمسؤولين العراقيين.

وبشأن الزيارة يرى دريد ، أن الزيارة ربما تمخضت عن تفاهم واتفاق بين الجانبين بخصوص التدخل العسكري، وربما حملت رسالة مباشرة من تركيا إلى العراق تفيد بوجود عملية عسكرية بغض النظر عن رفض بغداد لها أو موافقتها.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية في 15 يونيو/حزيران الماضي بدء عملية عسكرية جوية تستهدف مواقع حزب العمال الكوردستاني داخل إقليم كوردستان ومناطق تابعة لمحافظة نينوى ضمن الاراضي الكوردستانية المسماة بـ(المتنازع عليها) وتقع تحت سيطرة الحكومة الاتحادية ، ثمّ باشرت في 17 يونيو/ حزيران ، عملية برية في منطقة حفتانين، أطلقت عليها اسم “مخلب النمر”.

وبحسب جهات كوردية فإنّ طريقة تحرّك القوات التركية والضربات التي شهدتها منطقة العمليات، وسيطرة القوات التركية على جبال ومناطق حيوية وتشييدها ثكنات جديدة، تثير مخاوف من أنّ الخطة في النهاية قد تكون إقامة منطقة آمنة داخل العراق.

الأنظار في إقليم كوردستان تتجه صوب بغداد لإيجاد حل شامل لمشكلة حزب العمال ووقف التدخل التركي، لكن مشاعر الشك والريبة واضحة تجاه صمت الحكومة الاتحادية في بغداد حيال تلك العمليات.

الاتفاقيات العراقية – التركية

يؤكد المراقبون أن المشكلة تكمن في الاتفاقيات بين السلطات العراقية وتركيا والتي خولت الأخيرة بدخول الأراضي العراقية وتنفيذ عمليات عسكرية لملاحقة حزب العمال.

وبحسب هؤلاء ، فإن “الكورد تعودوا على صمت حكومة بغداد تجاه التدخل العسكري والقصف المستمر على المناطق الحدودية من الجانبين التركي والإيراني”.

مشيرين الى أن صمت العراق تجاه التدخل التركي يعود لجملة أسباب منها أن العراق أضعف ما يكون للتحرك دبلوماسيا وقانونيا وعسكريا تجاه مايجري، فالعراق هو من سمح لتركيا بالتدخل عبر اتفاقيات مبرمة في ثمانينات القرن الماضي وتم تجديدها لاحقا، فضلا عن ضعف الموقف السياسي والعسكري العراقي الذي جعله يكتفي بالاستنكار والادانة فقط لما يجري، كما أن المشاكل الداخلية والأزمات المتتالية إضافة لغياب الإرداة، كل ذلك منعت العراق من التحرك الفعلي والجاد لحل المشكلة عبر تقديم شكوى في مجلس الأمن الدولي.

اجتماع رباعي

من جانبها تحاول حكومة إقليم كوردستان إنهاء المشكلة عبر حلول عقلانية، من خلال التحرك الدبلوماسي عبر الحوار المباشر مع تركيا، مشددة على أن الحل الأمثل للقضية يكون من خلال اجتماع  بين حكومتي بغداد وأربيل ، وتركيا والولايات المتحدة ، كمقترح لحل ينهي تواجد حزب العمال في الشريط الحدودي مع تركيا وتهديده لأمنها القومي من جهة، كما يضمن وقف التدخل العسكري التركي داخل أراضي كوردستان من جهة أخرى.

وأكدت حكومة إقليم كوردستان في أكثر من مناسبة رفضها لخرق سيادة أراضيه من قبل الجانب التركي، كما أعلن رفضه لاستخدام أراضيه من قبل حزب العمال في الانطلاق للاعتداء على تركيا.

وكثيراً ما تطالب حكومة إقليم كوردستان الحزب بإخلاء المناطق الحدودية التي يسيطر عليها تحاشياً لتعرض السكان والقرويين للقصف، كما تسبب وجود معاقل له في تلك المناطق بإخلاء مئات القرى من ساكنيها وعرقلة إيصال الخدمات لعشرات أخرى منها.

تركيا تواصل عملياتها

أما الصحفي التركي أحمد صالح أوغلو فيؤكد أن العملية التركية داخل العراق تنفذ بتنسيق مسبق مع حكومتي بغداد وأربيل.

صالح أوغلو قال لـ (باسنيوز) : إن “حزب العمال الكوردستاني منظمة ارهابية بالنسبة لتركيا وملاحقتها موضوع أمن قومي غير قابل للنقاش”، مبينا أن تدخل تركيا الأخير يأتي بسبب تجاهل بغداد لمطالب أنقرة المتكررة بشأن وقف انشطة الحزب وانهاء تواجده من المناطق الحدودية.

وبحسب الصحفي التركي ، فإن “الحملة العسكرية التركية تسير وفقا لاتفاقيات دولية مسبقة، ويرافقها  تنسيق بين أنقرة وحكومة بغداد لكنه غير معلن “.

وتحدثت جهات سياسية عراقية في وقت سابق عن أياد إيرانية تقف وراء دعم العمال الكوردستاني في بعض المناطق، ويبرز ذلك في قضاء شنكال، حيث تدعم ميليشيات الحشد القريبة من إيران الفصائل المحلية المرتبطة بـ PKK مقابل أن يكون الأخير ورقة ضغط تجاه تركيا من جهة، وتجاه الحزب الديمقراطي الكوردستاني من جهة اخرى.

ويشير المحلل السياسي غانم العابد لـ (باسنيوز) الى علاقة حزب العمال ،بإيران وفصائلها المتنفذة في العراق.

وقال العابد، إن «ما يثير الاستغراب تجاه الانتهاكات المتكررة لحزب العمال والخروقات المتكررة لسيادة الدولة، هو صمت الحكومة العراقية على تلك التجاوزات».

وأضاف العابد، أن «صمت الحكومة تجاه سيطرة حزب العمال على مناطق عراقية تفسره العلاقة بين الجهات القريبة من إيران مع حزب العمال».

ومما تقدم، فإن تجاهل العراق لما يجري على حدوده الشمالية، واكتفائها بالشجب والاستنكار والإدانة وعدم تحركها في المحافل الدولية لوقف التصعيد العسكري، يرجع للاتفاقيات المسبقة بين بغداد وأنقرة التي تخول الأخيرة التدخل، كما يرجع لضعف الدولة العراقية داخليا وخارجيا ، وربما لتنسيق وتفاهم غير معلن بين الجانبين .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here