مقتل الهاشمي .. ‹دولة الفصائل› تحكم قبضتها على ‹جمهورية الخوف›

لم يكن مقتل الخبير في الشأن الأمني هشام الهاشمي، حدثاً عابراً كحوادث الاغتيالات التي تنفذها الميليشيات المسلحة، بل جاء في سياق الاغتيالات السياسية التي تجيدها الفصائل المسلحة الموالية لإيران، ونفذت كثيراً منها في العراق خلال الفترة الماضية.

وحظي اغتيال الهاشمي بتفاعل شعبي كبير، وغضب واسع من الجماهير العراقية، فضلاً عن العالم العربي وسفارات الدول التي نعته، بالإضافة إلى وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، وهي حالة قلّما تحدث لصحفي أو خبير عراقي، فيما يرى مراقبون، أن التفاعل الشعبي الواسع جاء باعتبار مقتله حالة فاصلة، وتكريس لمفهوم «اللادولة» الذي يعيشه العراق، في نظام ما بعد صدام حسين.

وقال الخبير القانوني، طارق حرب: «يا هشام الهاشمي بحثت في تاريخ العراق الحديث فلم أجد ملكاً أو رئيس جمهورية أو رئيس وزراء أو رئيس سلطة تشريعية أو وزير أو مسؤول في الدولة العراقية توفي أو قتل أو انتحر أو استشهد، وتم نعيه والتأسف على فقده وأثارت وفاته ضجة كما حصل في وفاتك، التي كانت موضعاً لتعقيب الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، وهي أعظم المنظمات في العالم، والدول الكبار أمريكا وبريطانيا وفرنسا وهي الدول الثلاث العظام في العالم».

وأضاف في بيان تلقت (باسنيوز) نسخة منه، «فقد نعاك العظام عالمياً ونعاك جميع العراقيين  فهل سيكون اغتيالك اغتيالاً للاغتيال في بلدنا، ندعو ونأمل ونترجى أن يكون اغتيالك نهاية لحالات الاغتيال فلقد كان اغتيالك اغتيالاً لمن اغتالك وعراقنا الأعظم».

ولم تكن عملية الاغتيال مفاجئة لأصدقاء الهاشمي والمقربين منه، إذ ولّدت التحليلات الصريحة والجريئة للمحلل العراقي حول تنظيم داعش والمليشيات الإيرانية أعداء من مختلف الفصائل المسلحة والمتشددة في العراق.

ووصفته المستشارة السياسية للقيادة العسكرية الأمريكية في العراق ما بين 2007 و2010 ايما سكاي قائلة بأنه كان «محللا فذاً وكاتباً غزير الإنتاج ومراقبا جديرا بالاحترام للشأن العراقي».

وأضافت «كان يحب بلده وفي قلبه مصلحة العراقيين بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو الطائفي. كان الهاشمي يحدوه الأمل في إمكانية بناء عراق آخر» حسب قولها.

ويرى مراقبون ومحللون، اغتيال هشام الهاشمي منعطفاً خطيراً في تاريخ العراق، وهو أعنف رسالة توجه إلى مصطفى الكاظمي منذ تسلمه رئاسة الوزراء، تطال دائرته الضيقة والمقربين منه، وتحاول إسكاتهم أو إخضاعهم بهدف إيقافه ومنعه من تنفيذ وعوده.

سيطرة الفصائل على الدولة

ويقول متابعون للشأن العراقي، إن مقتل الهاشمي يستهدف إسكات هذا المنطق، وهو رسالة صريحة، بأن كل من يتحدث بنفس المنطق سيلقى مصير الهاشمي، حيث تهيمن تلك الفصائل على الدولة العراقية وتمتلك السلطة والنفوذ والسلاح والمال، خاصة وأن لديها أجندة من إيران لتنفيذها.

ويرى المحلل السياسي وائل الشمري، أن «الرسالة بمقتل الهاشمي، وصلت إلى رئيس الحكومة والأطراف التي تنادي بحصر السلاح بيد الدولة، بأننا نحن الدولة، ما يعني بقاء العراق برهن مصير جماعات الكاتيوشا، وجماعات الاغتيالات السياسية».

وأضاف في تصريح لـ (باسنيوز)، أن «التعاطف الشعبي الواسع مع الهاشمي، جاء باعتباره يمثل الدولة، حيث دعا في لقاءاته الإعلامية وتصريحاته إلى منطق الدولة، وضرورة بناء المؤسسات، وتحييد السلاح، والخروج بالعراق من الأزمات، وإنهاء الواقع المأساوي الذي يعيشه العراقيون بمختلف طوائفهم وأجناسهم، وهذا المبدأ لا يروق لحملة السلاح الذين يرون في هذا المسار تهديداً حقيقياً لوجودهم».

ولفت إلى أن «الكاظمي على المحك، وشعاراته التي رفعها بشأن حصر السلاح ومحاسبة قتلة المتظاهرين، ستواجه أول اختبار بعد مقتل الهاشمي».

من قتل الهاشمي؟

وعلى رغم عدم وضوح هوية القتلة لغاية الآن، إلا أن أصابع الاتهام توجهت مباشرة إلى كتائب حزب الله.

واتهم وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، اليوم الأربعاء، الميليشيات المدعومة من إيران بالوقوف وراء عملية اغتيال الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي، على حد تعبيره.

وقال بومبيو خلال مؤتمر صحفي، إن «العراق قد خسر هشام الهاشمي، الذي اغتيل بوحشية أمام منزله في بغداد، وهو الذي كرس حياته من أجل عراق حر ذو سيادة»، مضيفاً «قبل عملية الاغتيال تعرض الهاشمي الى تهديد من قبل الجماعات المدعومة من إيران».

وأشار بومبيو إلى أن «الولايات المتحدة قد انضمت للشركاء في إدانة الحادث، وعلى الحكومة العراقية تقديم الجناة بأسرع وقت».

وما عزز تلك القناعات لدى الرأي العام المحلي والعربي وحتى العالمي، هو الفرح العارم الذي ساد أوساط الفصائل المسلحة وجماهيرها على منصات التواصل الاجتماعي بواقعة اغتيال الراحل هشام الهاشمي، وهو ما أوحى بأن تلك الفصائل المسلحة تقف وراء هذه العملية، خاصة وأن هاشتاك أطلق على منصة تويتر، بعنوان «سلمت يد الكتايب» وهو تبنى واضح للعملية.

لكن الكتائب نفت علاقتها باغتيال الهاشمي، وقالت في بيان لها، إن «الإعلام المعادي يوجه أبواقه للنيل من العراقيين عبر تلفيق التهم نحو الأطراف المناهضة للاحتلال»، مشيراً إلى أن «تاريخ اميركا ومن معها، يفضح أساليب غدرهم وإجرامهم بحق الإنسانية، ويكشف خسة ودناءة صانع القرار لديهم».

بدوره، حمّل السياسي العراقي ليث شبر، رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي مسؤولية «إطلاق يد القتلة الذين اغتالوا الخبير الأمني هشام الهاشمي وبقية العمليات التي قد تحصل لاحقاً»، محذراً من وجود «قائمة اغتيالات».

وقال شبّر، في تصريحات متلفزة، إن «عبدالمهدي ترك الأطراف المسؤولة عن قتل أكثر من 700 شهيد، فضلاً عن المصابين، ويقدرون بأكثر من 25 ألف مواطن عراقي».

وأضاف أن «الهاشمي لم يكن متطرفا أبداً حتى في تناول التحليلات، كان يحاول أن يكون عونا وسنداً لبناء دولة مواطنة حقيقية، وكان يؤمن بالديمقراطية الراهنة في العراق كثيراً، والتي نعتقد بها نحن بأنها ديمقراطية كاذبة»، وتابع «نستغرب من الجهة التي نفذت اغتيال الهاشمي رغم أنه لم يحمل سلاحا ضدها».

وأردف، أن «هذه الجهة هي ذاتها من تتواجد الآن وتختطف الدولة ولديها المغانم والعقود ومكاتب اقتصادية في كل المحافظات»، متسائلا: »ما تاثير الهاشمي على هذه الجهة حتى يُقتل بهذه الطريقة الجبانة والمتدنية؟».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here