هل العراق مقبل على حرب أهلية؟

بقلم : سلام موسى جعفر- صوت العراق

التوترات السياسية في العراق بعد حصول الكاظمي على منصب رئيس الوزراء، تُنْذِر بتصاعد العنف والعنف المضاد. ولا يخفى على الأغلبية، بما فيهم أنصار الكاظمي والمبتهجين بوصوله الى دفة الحكم، أن توليه لهذا المنصب مَثَلَ انتصاراً جزئياً، لكنه مهماً، للهيمنة الأمريكية على الحكم وتراجعاً ملموساً للهيمنة الإيرانية. ومن غير المعقول ولا المنطقي أن لا يواصل المنتصر تعميق انتصاراته، وخصوصاً أن عدوه في تراجع مستمر، ويظهر للقاصي والداني أنه فقد تماماً زمام المبادرة الاستراتيجية.
علمنا التأريخ أن المنتصر لا يتوقف في منتصف الطريق، قبل أن يُجْهِزْ على الإمكانيات المتبقية لدى عدوه. فالتوقف في منتصف الطريق قد يقود الى الانتحار الاستراتيجي. ولتعميق الانتصار الجزئي، يتطلب من المنتصر، تشكيل ضغط متواصل على المهزوم، بهدف دفعه الى التراجع والانكفاء، أو الاستسلام.
تطورات الأوضاع السياسية في العراق تُشير الى احتمال حصول حرب أهلية محدودة، لكنها مدمرة، في مناطق الوسط والجنوب، يُسميها الأعلام الغربي “شيعية ـ شيعية” بينما ستكون في الحقيقة أمريكية ـ إيرانية بالوكالة. الجيش من جهة والمليشيات من جهة ثانية. وهذا يعني في الواقع أن حطب هذه الحرب وضحاياها سيكونون من فقراء الوسط والجنوب.
الحرب الأمريكية ـ الإيرانية بالوكالة، ستقود بلا أدنى شك الى تحقيق انتصار الطرف الأمريكي. مما سيقود الى بسط نفوذ المنتصر، بالكامل على الحكم في العراق، وهزيمة كاملة للنفوذ الإيراني. ليس هذا فحسب، بل سيقوم المنتصر بالقضاء على الحشد الشعبي في مرحلة لاحقة. والسبب يعود الى مزاج الأغلبية الشعبية المعادي بشدة الى إيران، في المناطق المرشحة أن تًنْشَب فيها المعارك العسكرية. فتقلص القاعدة الاجتماعية للمليشيات والقوى السياسية المحسوبة على إيران يتواصل، بسبب من تجربتها الفاشلة في الحكم، وفساد رموزها وسرقاتهم وجرائم ميليشياتهم التي ارتكبتها خلال الانتفاضة، ونجاح اعلام الاحتلال الأمريكي بتحميلهم جرائم الوحدات العسكرية العراقية الموالية لأمريكا، التي ارتكبتها خلال الانتفاضة في الأيام الأولى (لواء الحرس الجمهوري)، وكذلك مذابح الناصرية التي قامت بها القوات الأمنية بقيادة جميل الشمري.
إيران نفسها تَمُرُ بمرحلة تراجع وانكفاء لأسباب سياسية واقتصادية وعسكرية، وغير قادرة في الوقت الحالي على تنظيم هجوم مضاد مضمون النجاح. وهي تُدْرِكْ هزيمتها المؤكدة في أية مواجهة عسكرية مباشرة في العراق أو بالوكالة. ولهذا من المنطقي أن لا تُحاول الدخول في مواجهة مباشرة، كما ستنصح الموالين لها بتجنب الدخول في مواجهات ستقود حتماً الى إلحاق هزائم كبيرة عسكرية وسياسية وإعلامية. لأن موازين القوى العسكرية والسياسية والمعنوية ستكون لصالح الطرف الموالي للاحتلال الأمريكي. الذي سيكون مدعوماً بالجيش الأمريكي الذي ينتشر في قواعد عسكرية عديدة في طول البلاد وعرضها. كما يتواجد هذا الجيش في قلب المنطقة الخضراء، داخل السفارة الأمريكية المنيعة، وهي قاعدة عسكرية ضخمة تحوي مطار عسكري وقواعد إطلاق صواريخ، ومنظومات للدفاع الجوي. والجدير بالذكر ان أغلب قادة هذه المليشيات هم جزء من المشروع الأمريكي نفسه، ولن يقاتلوا مُشَغِليهم. أما التوازن العسكري سيكون أيضا لصالح الطرف الذي سيقاتل بالنيابة عن الطرف الأمريكي، لأنه سيكون مدعوما بتفوق جوي يضمنه طيران الاحتلال، الذي سيغطي العمليات الهجومية لوحدات الجيش المدعوم من أغلبية شعبية مُضللة ونُخب مُدَجَنة لم تَعُدْ ترى ما وراء الانتصار الأمريكي الكامل!
من الوارد أن لا يُشْعِلْ الطرف المنتصر في الجولة الأولى، حرباً بالوكالة، ويكتفي بمواصلة توجيه ضغوطاته، إذا ما لمس تراجعاُ شاملاً من الطرف المهزوم، وإذا ما فكر بالاستفادة منهم في مرحلة لاحقة. فهم أبناءه في كل الأحوال.
وعلى أي حال، إن أَشْعَلوا الحرب أم اكتفوا بالضغوطات، فإن الأجيال سوف لن تغفر لنا التزام الصمت، وعدم التأشير على الجهة المستفيدة من احتمال إشعال حرب أهلية، حطبها و ضحاياها هم أهلنا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here