الموصل بعد 1000 يوم من التحرير: داعش يتربص بالمدينة.. وفصائل مسلحة تحتكر التجارة

منذ وصول رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، في مثل هذه الايام قبل 3 سنوات الى الموصل، مرتديا لباس جهاز مكافحة الارهاب لاعلان تحرير المدينة من داعش، والموصل لم تتغير كثيرًا.

اثار دمار الحرب ما زالت شاخصة، والتنظيم على اطراف المدينة، كما يغيب السكان بين نازح وبين مفقود في منخفضات ارضية او في المعتقلات، فيما ترتفع البطالة وتحتكر “فصائل مسلحة” التجارة.

ملفات تعويض الحرب، وصلت الى نحو 100 الف معاملة، والصرف “متوقف”، والمستشفيات والمراكز الصحية اغلبها مدمرة، وبعض المناطق بدون ماء عذب، فيما يقول المحافظ ان اميركا وبريطانيا “معجبتان بتجربة نينوى”!

مصطفى الكاظمي، وهو رئيس الحكومة الثانية بعد التحرير، اعتبر في الذكرى الثالثة للقضاء على داعش من الموصل، بان العراقيين “سينتصرون بإعمار بلدهم وفي حربهم على الفساد والفاسدين”.

وكان الكاظمي، قد زار الموصل الشهر الماضي، في ذكرى سقوط المدينة بيد التنظيم (10 حزيران 2014)، ووعد امام الصحافيين بأن يدرس “شخصيا كل عقد إعادة بناء لإنهاء الاستغلال والفساد”.

صدمة ما بعد التحرير

خلف الحديدي، رئيس لجنة التخطيط الستراتيجي في مجلس محافظ نينوى (المنحل)، يقول لـ(المدى): “كان كل العالم ينتظر لحظة تحرير الموصل، بسبب بشاعة ما فعله داعش من قتل وتعذيب وهتك الاعراض وسلب الاموال، لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن منصفا للدماء التي سالت لتحرير المدينة”.

وشارك في تحرير الموصل نحو 100 ألف مقاتل من تشكيلات عسكرية مختلفة، من ضمنها الحشد العشائري، واستمر نحو 9 أشهر، 3 منها داخل المدينة القديمة، وسط الموصل.

يشير المسؤول السابق، الى ان “مستشفى واحدا لم يبن في المدنية، كما ان المراكز الصحية عاجزة عن تقديم الخدمات الى المرضى”، مؤكدا ان عددا من المناطق في غربي الموصل “بدون ماء صالح للشرب او كهرباء”.

بالمقابل يقول محافظ نينوى نجم الجبوري، إن المشاريع والخدمات كانت متوقفة في نينوى، قد قام بتفعيلها وترجمتها على أرض الواقع، وانه يعمل على انجاز 400 مشروع حاليا.

وقال الجبوري في حديث متلفز، عن الذكرى الثالثة لتحرير الموصل، ان “كل من يزور الموصل يتفاجأ بما وصلت اليه من انجاز مشاريع وخدمات وفي كل أحيائها”، مشيرا الى ان المدنية القديمة فيها “مشاريع بالمليارات (…) والآن كل العراق يفتخر بما أنجزناه”.

واضاف المحافظ، وهو قائد عمليات نينوى السابق، ان “أميركا وبريطانيا معجبتان بتجربة نينوى في مواجهة كورونا وما تقدمه من خدمات ورعاية صحية للمواطنين”، لافتا الى ان ما ينقل عن الموصل “لا يليق بما أنجزناه”.

النازحون والمفقودون

ومازال هناك نحو مليون شخص بحكم النازحين لم يعودوا الى الموصل، لاسباب تتعلق بقضايا امنية أو خدمية. يقول خلف الحديدي: “بعض النازحين دخلوا في السنة السابعة وهم في المخيمات، وهو امر معيب”، في اشارة الى النازحين الذين فروا من الموصل في صيف 2014 في لحظة ظهور داعش.

ويضيف الحديدي: “هناك مفقودون القت بهم داعش في الخسفات (منخفضات ارضية) ولم تقم الحكومة بانتشال الجثث”، متابعا “لو اطمأن اهل الموصل بعدم الملاحقة، سيخرجون جميعا في الشوارع لطلب تغيير المسؤولين، حتى الامنيين، بسبب ابتزاز بعض القوات المواطنين، وبقاء معتقلين لسنوات في السجون بدون محاكمات”.

وفي سنجار القريبة من الموصل، 90% من السكان لم يعودوا الى بيوتهم حتى الان، بسبب سيطرة عناصر من حزب العمال الكردستاني (PKK)، كما ان داعش، بحسب الحديدي، موجود في الصحراء المحيطة بالموصل، وفي تلال العطشانة، وكنعوص والى الحدود مع سوريا.

وبحسب إحصائيات رسمية فإنّ عدد الأقليات في نينوى، قبل احتلالها من داعش، كان بحدود 1.250 مليون نسمة. لكنّ العدد انخفض بعد ذلك إلى نحو 700 ألف. وسجل العدد الاخير بعد عودة النازحين من الأقليات الى مناطقهم في نينوى.

وخسر الإيزيديون، الذين يقطن معظمهم قضاء سنجار، نحو 15 الف شخص بين قتيل ومفقود، بالاضافة الى هجرة 100 ألف آخرين الى خارج البلاد. وتناقص بشكل كبير عدد المسيحيين داخل مدينة الموصل، إذ لم يتبقَّ سوى بضعة أشخاص يعملون في دوائر حكومية. كذلك سجل الشبك، لأول مرة في تاريخهم، هجرة مئات العوائل إلى أوروبا بعد سيطرة داعش على مناطق تواجدهم في شمال وشرق الموصل.

وتصدر التركمان النسبة الأعلى في عدد نازحي مكونات نينوى. إذ سُجل نزوح نصف مليون تركماني الى مناطق الوسط والجنوب.

وتشير الإحصائيات، التي حصلت عليها (المدى) من مصادر محلية، الى تعرض حوالي نصف منازل الاقليات في نينوى الى التدمير بفعل داعش وما أعقبها من عمليات التحرير.

كما دُمرت أغلب دور العبادة الخاصة بمكونات نينوى، وتم نسف أغلب المراقد والمزارات الشيعية والكنائس والمعابد المسيحية والإيزيدية.

سيطرة المليشيات

بالمقابل ترتفع نسبة البطالة في المدينة بعد تعطل الكثير من الاعمال بسبب الحرب. يقول مسؤول في الموصل لـ(المدى) طلب عدم نشر اسمه، ان “فصائل مسلحة – لم يذكرها بالتحديد- تمنع التجارة في بعض المفاصل الاقتصادية”.

وتتهم تلك الفصائل ببيع السكراب وتهريب النفط، وكذلك التلاعب ايضا في الاراضي وعقارات الاقليات.

اضافة الى ذلك، اوقفت الحكومة صرف أي مبالغ لتعويضات المتضررين من الحرب، بسبب الازمة المالية في العراق.

ويؤكد رئيس لجنة التعويضات في نينوى محمد محمود أن عدد المعاملات التي قدمت يبلغ حوالى ” 90 الف منها ما بين 48 و49 ألفًا تخص أضرار الدور والمحال وبقية العقارات الأخرى، وهناك 39 ألف معاملة تتعلق بالأضرار البشرية من شهداء ومصابين ومفقودين”. وتابع “حتى الآن لم تصرف مبالغ التعويض إلا لقرابة 2500 متضرر فقط”.

ويضيف محمود في تصريح صحفي، أن ملفات المفقودين تأخذ وقتا أطول. أما بالنسبة لتلك المتعلقة بالأضرار المادية “فقد تمت معالجة ثلاثة أرباع الملفات، لكن الصرف شبه متوقف بسبب قلة التخصيصات المالية”.

قلة التخصيصات

بالمقابل يعتقد حسام الدين العبار، وهو رئيس لجنة النزاهة في مجلس محافظة نينوى (المنحل)، ان “عدم وصول التخصيصات والمنح التي وعدت بها دول العالم، تسبب في توقف عجلة الاعمار والتعويضات في الموصل”.

وكانت الكويت قد استضافت في منتصف شباط عام 2018 مؤتمرا دوليا لاعادة إعمار العراق اسفر عن تعهدات للدول المشاركة وصلت إلى 30 مليار دولار على شكل مساعدات وقروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات تقدم للعراق من أجل إعادة بناء ما دمرته الحرب ضد داعش. ويضيف العبار ان “حجم الدمار ما زال كبيرا في المرافق الاساسية، مثل الجسور والتجمعات الطبية”، مشيرا الى ان الموصل “لم تحصل على ما وعدت به من درجات وظيفية على ملاك التربية والصحة”. كما قال المسؤول السابق ان المزارعين في الموصل مهددون بخسائر كبيرة بسبب “توقف شاحنات تسويق الحنطة والشعير ساعات امام السايلوهات بسبب سوء الادارة، مما ادى الى بيع بعض المحاصيل في السوق باسعار رخيصة جدا”.

امام في الجانب السياسي، فيقول العبار ان “الحياة السياسية متوقفة في الموصل، باستثاء حزب تقدم (التابع لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي) سيطر على اغلب الدوائر هناك”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here