«الثقب الأسود» يبتلع 65 مليار دولار.. البرلمان ينبش عقود الكهرباء وتشكيك بالتوصل إلى نتائج

من يحل اللغز المحيّر …

تنغمس لجنة برلمانية شكّلها رئيس المجلس محمد الحلبوسي مؤخراً، بالتحقيق في أعقد الملفات العراقية، منذ سقوط نظام صدام حسين، وأكثرها فساد مالياً وهدراً للمال العام، وهي الطاقة الكهربائية، وسط تشكيك بالتوصل إلى نتائج، خاصة وأن الحكومة العراقية شكلت سابقاً مئات اللجان التحقيقية في مختلف المجالات لكنها تظل طي الكتمان بشكل دائم.

وتأتي هذه اللجنة لفتح جراح العراقيين من جديد بالتزامن مع حلول شهري تموز وآب، حيث ترتفع درجات الحرارة إلى ما فوق نصف درجة الغليان، يرافق ذلك غليان شعبي، في شوارع المحافظات التي تعاني تدهوراً في قطاع الطاقة، في بلد نفطي.

وعقدت لجنة التحقيق، الاثنين، أولى جلساتها برئاسة النائب الأول لرئيس البرلمان حسن الكعبي.

وقال مكتب الكعبي، إن «أولى جلسات اللجنة التحقيقية في قطاع الكهرباء، انعقدت بحضور عدد من الجهات الحكومية الرقابية لكشف الفساد في وزارة الكهرباء»، مشيراً إلى أنه «رغم مساعي محاربة الفساد لكننا حتى الآن لم نرَ استعادة للأموال العامة المهربة ولا دخول فاسد إلى السجن وهذا غير مقبول مطلقاً للشارع العراقي».

وأضاف في بيان تلقت (باسنيوز) نسخة منه، أن «الصرف على قطاع الكهرباء أكثر من تخصيصات الوزارات الأخرى ولم نشهد حتى اللحظة أي تطور في هذا القطاع»، لافتاً إلى أنه «بسبب الفساد وسوء التخطيط في وزارة الكهرباء أوجدت لنا محطات توليد بعيدة عن مصادر الوقود وبالتالي فشل إنتاجها».

ولفت إلى أن «تمثيل هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية أضاف بُعداً رقابياً وشفافاً ومحايداً ويًنهي اتهامات الاستهداف السياسي».

تظاهرات حاشدة .. مبدأ الترغيب والترهيب حاضر

وتزداد معاناة العراقيين في الصيف بسبب ضعف تجهيز الطاقة الكهربائية والانقطاعات المتكررة، ولذلك أصبح من المعتاد أن ينطلق الشارع العراقي كلّ صيف في التعبير عن الغضب من سوء الخدمات والمطالبة بتحسينها، ليتّسع مداه ويشمل سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية على وجه العموم، وصولاً إلى رفع شعارات مناوئة للعملية السياسية برمّتها وللنظام القائم.

واقتحم المئات من المتظاهرين الغاضبين، الأحد الماضي، مبنى توزيع الطاقة الكهربائية شرقي العاصمة العراقية بغداد احتجاجا على زيادة ساعات قطع التيار بالتزامن مع بلوغ درجات الحرارة 45 مئوية.

وتوقّعت مصادر عراقية أن تكون المظاهرة التي شهدها حي الأمين، بداية موجة احتجاج أوسع نطاقا كانت متوقّعة أصلا بسبب عدم حدوث أي تقدّم ملموس في معالجة أزمة الكهرباء التي مثّلت على مدار السنوات الماضية قادحا لاحتجاجات شبه منتظمة في مثل هذا الفصل الذي تتضاعف فيه الحاجة للطاقة الكهربائية وتبرز فيه الأزمة بشكل أكثر حدّة.

وشكك خبراء اقتصاديون ونواب في البرلمان العراقي، بقدرة تلك اللجنة على حسم هذا الملف الشائك أو التوصل إلى نتائج مثمرة.

وقال النائب المستقل باسم خشان، اليوم الأربعاء، إن «التحقيقات في ملفات الفساد الخاصة بوزارة الكهرباء لن تتوصل إلى أية نتائج، بسبب تورط جهات وشخصيات متنفذة بهذه الملفات، وهذه الجهات والشخصيات مازالت تهيمن وتسيطر على المشهد السياسي وحتى الحكومي».

وأضاف لـ (باسنيوز)، أن «أي ملف فساد يتم كشفه، سيتم إخفاءه من خلال الترهيب أو الترغيب، ولهذا الفساد مستشرٍ في مؤسسات الدولة العراقية منذ سنين وحتى الساعة، بسبب عدم الجدية في كشف الفاسدين ومحاسبتهم، وكذلك لوجود جهات وشخصيات سياسية تقود مافيات الفساد في العراق»، حسب وصفه.

ابتلاع 65 مليار دولار

بدورها، رأت عضو لجنة الطاقة في البرلمان، زهرة البجاري، أن «البرلمان جهة رقابية وتشريعية، وعليه أن يؤدي عمله بالشكل المطلوب، بعيداً عن التجاذبات السياسية، خاصة في ملف مثل الطاقة، فاللجنة بعيدة عن المحسوبية وغيرها، وستفتح ملفات كبيرة، لمعرفة المقصرين، وليس بالضرورة أن يكونوا وزراء، فربما من المدراء العامين، أو مسؤولي التعاقدات وغيرهم».

وأضافت في تصريحات صحفية، أن «تلك اللجنة لا يُنتظر منها حل مشكلة الطاقة في العراق، لكن هدفها الأساس هو تشخيص الخلل، وفتح العقود المالية التي وُقعت على مدار السنوات الماضية، وكشف الوهمية منها، حيث أنفق العراق على هذا الملف نحو 65 مليار دولار منذ العام 2003»، مشيرة إلى أن «حل الأزمة ليس بيد البرلمان، وإنما هو من اختصاص وزارة الكهرباء».

تفاؤل حذر

ويبلغ إنتاج العراق من الطاقة الكهربائية، وفقا لوزارة الكهرباء، 13500 ميغاوات، ويجري التخطيط لإضافة 3500 ميغاوات، خلال العام الحالي، عبر إدخال وحدات توليدية جديدة إلى الخدمة.

ويؤكد الخبير القانوني علي التميمي، أن لجنة البرلمان المشكلة بشأن ملف الكهرباء لها صلاحيات دستورية واسعة ومنها إحالة الفاسدين للنزاهة.

وقال التميمي لـ (باسنيوز)، إن «تشكيل البرلمان لجنة تحقيقية خطوة جبارة لكشف كافة ملفات الفساد في الكهرباء من ٢٠٠٥ إلى اليوم، وبالتأكيد هي خطوة كبيرة تحسب للبرلمان في الإطلاع على كل العقود والوصولات والتعاقد مع الشركات وملاحظة الصرفيات التي قدرت بـ ٦٠مليار دولار كما أن هذه اللجنة لها صلاحيات قانونية واسعة وفق الدستور ولها أن تحيل كل ما تكتشفه من جرائم إلى النزاهة من حيث أعمال توزيع ونقل الكهرباء، وهذه اللجنة أمام فساد تراكمي وهي تقوم بعمل جبار للرقابة على حكومات سابقة».

وأضاف، «هذه اللجنة نجاحها سيعيد النظرة الإيجابية للبرلمان كجهة رقابية فعالة وسيشكل دعماً للقضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق من دمر العراقيين بالنار والقيظ، فهذه الجرائم أنا أراها إرهاباً وجرائم ضد الإنسانية ولاتسقط بالتقادم ويمكن استرجاع الأموال المهربة وكذلك المطلوبين من الخارج».

ولم تشهد شبكة إنتاج ونقل الكهرباء في العراق منذ سنة 2003 أي تطوّر يذكر، ما اضطرّ حكومات بغداد المتعاقبة للاستيراد من الخارج وتحديداً من إيران، سواء للكهرباء أو للغاز المستعمل في توليدها، رغم أن العراق يهدر كميّات ضخمة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط وذلك بحرقه بدل معالجته واستخدامه.

بدوره، يرى الخبير في الشأن الاقتصادي عبدالحسين الشمري، أن «اللجان المشكلة من قبل الكتل السياسية في البرلمان لا يمكنها التوصل إلى كشف الحقائق للشعب العراقي بشأن هذا الملف المعقد والشائك على مدى أكثر من عقد، إذ أن تلك الكتل ووزرائها، الذين تسلموا هذه الوزارة خلال السنوات الماضية، هم من تسببوا بهذا الواقع المزري، والتدهور الحاصل في ملف الطاقة».

وأضاف لـ (باسنيوز)، أنه «لا يمكن أن تكون تلك الكتل هي الخصم والحكم، خاصة وأن الشعب العراقي لديه تجربة مريرة مع لجان التحقيق التي لم تكشف أعقد الجرائم وأكبرها، وظلت طي الكتمان، وبالتالي فإن تشكيل مثل هذه اللجنة لا يعني شيئاً، وإذا أدانوا أحداً بالتورط في ملف فساد فهم يدينون أنفسهم».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here