العدالة الانتقائية تمزق الطوائف والاعراق (نموذج العراق)

إن العدالة هي من اهم القيم إلانسانية التي تبناها الاسلام. لا يجوز بطبيعة الحال حجبها عن الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين مقاتلين أو مسالمين. فقد قال تعالى “لا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”. كما ان الله العادل المقسط أمر بني ادم جميعا في القران الكريم أن يتعاملوا بينهم بالعدل والاحسان فقال “أن الله يامر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي”. مجد القران الكريم ايضا الناس العدول فقال “أن الله يحب المقسطين”. اما رسول الله فقد قال في احاديث كثيرة عن ثواب العادل ومنزلته الرفيعة في الدنيا والاخرة ولعل أشهر تلك الاحاديث ما قاله (ص) “سبعة يظلهم الله يوم لا ظل الا ظله؛ اولهم أمام عادل”. بترسيخ هذا المبدأ يمكن أن تستقيم الدنيا ويسعد الانسان فياخذ كل ذي حق حقه.
إن ما نراه من انتهاكات جسيمة للعدالة في جميع أنحاء العالم ومنذ بدأ الخليقة أمر مثير للخوف ونذير لعواقب وخيمة. إن كانت الدول الديمقراطية المتقدمة في أمريكا واوربا تمارس العدالة النسبية على شعوبها. لكنها من جانب اخر تضرب عرض الحائط هذا المبدأ على مستعمراتها أو الدول الفقيرة والدول العربية. انهم ينتهجون عدالة انتقائية وفق العرق والجنس والقومية والوطن.
من المعلوم أن مبدأ العدالة في الدول العربية والعراق بالذات منتهك إلى حد كبير. لقد شاعت مظالم كثيرة على جميع المستويات مما أدى الى تدهور احوال تلك الدول الاجتماعية والسياسية والإقتصادية. أنها شعوب ظلمت نفسها وظلمت غيرها فخسرت الدنيا وتعيش في تخلف وتدهور وربما ستخسر الآخرة أيضا لانها اهملت واجبها المقدس في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. لقد مورس الظلم الاعمى على أوسع نطاق في الدول العربية لأسباب طبقية أو قومية أو مناطقية أو حزبية فهمش الفقراء والطبقة الوسطى لاغلب افراد الشعوب العربية. تعاني تلك الدول اليوم من تاكل في مؤسساتها الاجتماعية والإقتصادية والعسكرية والسياسية والقضائية والاعلامية.
لو اخذنا العراق مثلا لرئينا العجب العجاب من انتهاك صارخ لقيمة العدالة على معظم المستويات منذ الاحتلال حتى يومنا هذا. فعلى سبيل المثال بدلا من أن يكرم المقاومين للاحتلال الأمريكي ويكونوا رموزا خالدة للعراق. تعامل معهم اذناب الاحتلال كارهابيين ومجرمين وعملوا على قتلهم وتعذيبهم وتغييبهم بالسجون منذ أكثر من عقد ونصف. قتل الكثير منهم وعذب أغلبهم ودفعوا القليل منهم رشاوى غالية للخروج من السجون ومنعت عنهم زيارات ذويهم. بات من يقاتل المحتل في عرف حكومة العراق ارهابي تكفيري صدامي وهابي. فهل هناك ظلم اكثر واقسى من هذه الافتراءات والاكاذيب. لقد سبق ان انتهكت العدالة عندما شرع الحشد الشعبي ممارسة التهجير والتطهير الطائفي القسري لمناطق العراق الوسطى والغربية والشمالية. انتهكت العدالة أيضا عندما تناست السلطة العراقية دماء شهداء العراق الذين قاتلوا ارهاب داعش وسقطوا في سبايكر وغيرها. هل من العدالة في شئ أن يستمر اذناب الاحتلال في سرقة المال العام بعشرات المليارات دون حساب أو عقاب. أليس من الغريب أن تستمر المليشيات في السيطرة على الملف الأمني رغم جرائمها وسرقاتها وولائها للاجنبي. لا تزال ايضا الاحزاب الغير وطنية تهيمن على الساحة العراقية مما سمح في تعميم الفتن والفوضى داخل المجتمع. كما قال تعالي “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة”.
في نهاية المطاف لا يمكن تحقيق العدالة ما لم يتحمل كل عراقي مسؤليته الاخلاقية من خلال محاربة الانانية وفق التطبيق العملي للحديث النبوي الشريف “لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه”. وان لا يرتكن الشعب إلى الظالمين على الإطلاق كما قال تعالي “ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار”. ثم ضرورة تنظيم الأمور وتنسيق العمل المشترك بين النخب والتنظيمات الوطنية. المطالبة بحقوق الشعب الضائعة من خلال العمل الدئوب في التظاهر حتى مرحلة العصيان المدني. إن النضال والكفاح والجهاد من اجل ترسيخ العدالة عبادة عظيمة يفوز اهلها في قيادة الدنيا والحياة السرمدية في جنة الآخرة.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here