لا تشتموا ثورة تموز وزعيمها
ولا تسيئوا للملكية ورموزها!
علاء كرم الله
تمر هذه الأيام الذكرى 62 لثورة تموز 1958 والتي أعلنت زوال العهد الملكي وأقامة الجمهورية العراقية، ومن المعروف أن ثورة تموز قادها الزعيم عبد الكريم قاسم ورفيق دربه العقيد عبد السلام محمد عارف وبقية الضباط الأحرار رحمهم الله جميعا. وصار تاريخ هذه الثورة وذكراها ضمن الأعياد الوطنية الرسمية ويكون عطلة رسمية في البلاد. ولكن الملفت للأنتباه، أنه وبعد ما مر بالعراق من محن وويلات كثيرة وتحديدا بعد الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 الذي أشاع الخراب والدمار في كل مناحي الحياة، وحول العراق من دولة مدنية عصرية الى دولة عشائرية تحكمها الطوائف والمذاهب وفصول العشائر وتغطي وجهها آلاف الأطنان من الأزبال وتنتشر فيها كل أنواع الأمراض والأوبئة ويعمها الفساد والفوضى والأنفلات والضياع. فما أن تحل ذكرى ثورة تموز 1958 حتى تحترق مواقع التواصل الأجتماعي بالتعليقات المستهترة من هذا! والأراء المتطرفة من ذاك والمقارنة غير الموضوعية، بين ثورة تموز وفترة حكم عبد الكريم قاسم وبين العهد الملكي!. والشيء المؤسف له أن أراء الناس وتعليقاتهم ومقارناتهم وصلت الى حد السب والشتم وتلفيق التهم بلا أدنى درجة من الأحترام والذوق والأدب وعفة اللسان والأفتقاد الى المنظومة الأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها أي أنسان، فالكل يتكلمون على طريقة المثل البغدادي ( حب وأحجي وأكره وأحجي)! هذا يحب العهد الملكي ويمدح وذاك يكره الزعيم قاسم ويشتم والعكس بالعكس!. أقول من المعيب أن هذا يسب (الزعيم عبد الكريم قاسم، وذلك يشتم الوصي على العرش عبد الأله) فكلاهما ماتا رحمهما الله، وهم بين يد الله عز وعلا وهو الحاكم العادل. وهنا لابد من الأشارة بأن غالبية من شاركوا وساهموا بالتعليقات يفتقدون الى الموضوعية وهم من قليلي الثقافة والأطلاع ومن الأميين والجهلة ومن أنصاف المثقفين والمتعلمين!، وكذلك البعض الذي لا ترى في تعليقاته غير الحقد والكره الأعمى للزعيم عبد الكريم قاسم أو العهد الملكي بلا أية مبرر أو فهم!. الذي نريد أن نقوله أن العهد الملكي كانت له ظروفه السياسية العربية والأقليمية والدولية المحيطة به، ناهيك عن الظروف الداخلية المضطربة للبلاد ( تمرد الأكراد الدائم، والعشائر وسطوتهم وضغط الأنكليز على الطبقة الحاكمة). ومن المؤكد أن هذه الظروف تؤثر على طبيعة الحاكم وسياسته، ومن الطبيعي أن يخطأ ويصيب، كما وأننا لم نعش تلك الفترة، بل نقلت لنا شفاها وعبر المؤرخين، وهؤلاء قد يزيدوا هنا وينقصوا هناك من حيث يقصدون ولا يقصدون!. كما ونحن لم نعرف دواخل تلك الحقبة وأسرارها والتحديات التي كانت تواجه قادة ورموز ذلك العهد وحجم الضغوط التي كانت تمارس عليهم من قبل الأنكليز! بأعتبارهم هم من أحتلوا العراق وحرروه من سطوة الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وبالتالي هم من أسسوا الدولة العراقية الحديثة وهم من نصبوا الملك فيصل الأول ليكون ملكا على العراق!. ونفس الشيء يقال عن ثورة تموز 1958 وزعيمها عبد الكريم قاسم وبقية رفاقه من الضباط الأحرار فهم لا يقلون وطنية وحبا للعراق وعفة ونزاهة عن قادة العهد الملكي ورموزه، فكانت ظروف الثورة ومساراتها وتحدياتها كبيرة وكثيرة لا سيما أن الثورة حدثت في ظل الصراع الدولي القوي بين القوتين العظيمتين في ذلك الوقت، ( الأتحاد السوفيتي السابق ، والولايات المتحدة الأمريكية ). الذي نريد أن نقوله أن قادة العهد الملكي ورموزه وزعاماته وكل وزرائه أحبوا العراق بصدق وبتفاني وعملوا بكل أخلاص من أجل العراق وبذلوا الغالي والرخيص دونه، ونفس الشيء وأكثر نقوله على قادة ثورة تموز1958 ورجالاتها وزعاماتها وكل وزرائها المشهود لهم جميعا بالنزاهة والأخلاص والعفة والشهامة والوطنية وبحب العراق أولا وأخيرا والذود عنه والدفاع عن حياضه. ومن الطبيعي ان الظروف العربية والأقليمية والدولية في ذلك الوقت، تجعل الحاكم مثلما يصيب يخطأ!، لا سيما وأن الزعيم قاسم كان رجلا عسكريا وطنيا لم يكن يتقن فن السياسة وألاعيبها، فقط كان يتقن ويجيد حب العراق وشعبه والموت دونهم!. فقادة العهدين الملكي والجمهوري مثلما عرفوا بالبساطة والتواضع، عرفوا بحب العراق والأخلاص والأنتماء له وبالروح الوطنية العالية وهذا هو القاسم المشترك بين العهدين ، وهذا يكفيهم شرفا وفخرا ورفعة وعزة حتى أنهم تقاتلوا! من أجل العراق وحبا به لا طمعا في منصب ولا جاه ولا ثراء!. وأذا كان يحسب للعهد الملكي (ولمجلس الأعمار) بأنه هو من خطط وصمم المشاريع وبدأ ببناء العراق منذ عام 1954، فالحق يقال، بأن أكمال تلك الخطط والمشاريع تحسب لثورة تموز وزعيمها، بأنهم أكملو ونفذوا ما خطط له قادة العهد الملكي، وأذا كانت العبرة بالتخطيط فالعبرة الأكبر تكون بالتنفيذ!. ألم أقل لكم يا قرائي الأعزاء أنهم تسابقوا الى حد التقاتل والموت من أجل حب العراق وبناءه!؟. أخيرا أقول لنترك العائلة المالكة وعهدها ورموزها وكل زعاماتها ورجالاتها فهم قدموا ما أستطاعوا من حب للعراق وما أصعب الوطنية التي تحلوا بها وهم تحت ظل الأحتلال الأنكليزي للعراق، فلسنا أهلا لتقيمهم!. ولنترك جثة الزعيم قاسم مسجاة بنهر ديالى ترتوي من حب العراق وتتطهر من ذنب حبه!، فقد أبت نفسه الطاهرة حيا أو ميتا، أن لا تكون ألا فداء للعراق وشعبه وكل شيء فيه فأستجاب له الله، فكان جسده طعما لأسماك نهر ديالى العراقي!. أعود بالقول من نحن حتى نسب الملكية وعهدها ورموزها؟ ، ومن نحن حتى نسب الزعيم قاسم ونشتمه ونعيب عليه ثورته؟، والله نحن لسنا أنزه منهم ولا اطهر منهم ولا اكثر وطنية منهم، فنحن من قتلناهم! ونحن من نبكي عليهم الآن ونسمي زمنهم الزمن الجميل، فتبا لنا من أمة مارقة جاهلة قتلت أبن بنت نبيها قبل أكثر من 1400 عام وتبكي عليه الآن!، وقتلت هذه القناديل النقية الطاهرة الوضاءة من رجالات العهد الملكي والعهد القاسمي قبل 60 عاما وتبكي عليهم وعلى زمنهم وتتحسر عليه لأنه زمن الطهر والنقاء والوطنية وحب العراق. فأفضل من أن تتعاركوا وتشتموا بعضكم البغض عبر مواقع التواصل الأجتماعي وتزدادوا فرقة أكثر مما أنتم متفرقين انظروا الى حالكم وما حولكم وأبكوا وألطموا لأنكم تعودتم على قتل الأنبياء والأئمة الأطهار وكل الرجال الصالحين الطيبين عليهم جميعا أفضل السلام وأتم الرحمة، فلن تقوم لكم قائمة الى يوم الدين لأنكم أمة شقاق ونفاق!، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط