حلف بغداد الجديد والكهرباء

الأستاذ الدكتورعدنان الظاهر 20. تموز 2020
صمتت إدارات الولايات المتحدة الأمريكية 17 عاماً ولم تهتم أو تولي أي إهتمام لمشكلة الكهرباء في العراق المُحتل. الآن جاء دور ملف أزمة الكهرباء المستعصية في العراق وقد بلغت الأزمة ما بلغت من حِدّة وجدّية وخطورة لكي تضع حكومة العراق بين أحد أمرين : إمّا مواجهة هذه الأزمة ـ الكارثة وتحمّل نتائجها وتداعياتها أمام الشعب العراقي أو الإرتباط الخطير بمجلس التعاون الخليجي ومعه السعودية وباقي المشيخات والسلطنات قطر والبحرين وعُمان أي الإرتباط بحلف ظاهره إقتصادي ـ أمني عربي تقف وراءه إسرائيل وأمريكا يُحاكي حلف بغداد الذي أجهزت عليه ثورة 14 تموز 1958 في العراق. خطرٌ هذا التحالف والإرتباط بل وكثير الخطورة على العراق راهناً ومستقبلاً لذا أرى التخلي عنه جملة وتفصيلاً والإعتماد في إعادة كهربة العراق على الحكومة العراقية ومن تختارهم لتنفيذ هذا المشروع من حكومات دول صديقة كروسيا والصين والهند مثلاً وفرنسا وشركات هذه الدول. تقف مع ووراء مجلس التعاون الخليجي ومملكة آل سعود كلٌّ مِن أمريكا وإسرائيل أي انَّ الإرتباط بهذه التشكيلة يعني التطبيع مع إسرائيل والرضوخ لإراداتها وستراتيجياتها المطلقة وقد تساهم هي إسرائيل بهذا المشروع عن طريق شركاتها وخبرائها ورؤوس أموالها ورجال مخابراتها واستخباراتها. إنه [ حلف بغداد ] جديداً بصيغة عربية ليس فيه تركيا وإيران والباكستان لكن فيه إسرائيل وأمريكا وفي صميم القلب منه.

على العراق أنْ يعتمد على نفسه وحلفائه وأصدقائه في إعادة تعمير وكهربة العراق بدل الإنخراط في تحالفات غير متكافئة وغير نظيفة جرى توقيتها تحت ظروف إستثنائية غير طبيعية وبقرار أمريكي صرف جرى الإعداد له منذ غزو وتدمير العراق عام 2003 . نعم ، وضعت أمريكا العراقَ أمام خيارين لا ثالثَ لهما : الظلام وفوضى الطاقة الكهربائية أو الإندماج بمجلس التعاون الخليجي وباقي دول الجزيرة العربية. هذا الدمج والإندماج يعني الذوبان أي ذوبان العراق دولةً وشعباً وتأريخاً في بحر معتم غامض لا قاعَ له ولا قرار.

ليس مستحيلاً أنْ ينهض العراق والعراقيون بمهمة إعماره وكهربته بهمتهم وإرادتهم الحُرّة وبما لدى العراق من مال ونفط وإمكانيات أخرى وقد كان ومنذ تأسيسه عام 1921 كذلك وما زلت أتذكر أوضاع الكهرباء الثابتة والسليمة منذ أواسط أربعينيات القرن الماضي.

على العراق أنْ يعتمدَ على نفسه في هذا الموضوع وسواه وأنْ لا ترهبه التهديدات المبالغ بها عن عمد لإخافته وجعله مستعداً لقبول ما لم يقبل به قبلاً وعلى رأسها الإندماج في حلف مشبوه خطير مع مجلس التعاون الخليجي ومجاوريه في الجزيرة. حذار حذارِ يا عراق ! إنه حلف خطير مشبوه لا يقل خطورة عن حلف بغداد ظاهره مساعدة العراق على تجاوز أزمته المستفحلة مع الكهرباء وباطنه العميق وضع العراق تحت رحمة إسرائيل وأخذ الثأر منه بسبب السبي البابلي القديم زمن نبوخذنُصّر والذي لا ناقة للعراقيين به ولا جمل.

يزعم بعض المثقفين والمعلقين والمتابعين أنَّ رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي هو رجل أمريكي من أصل عراقي وقد اختارته إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لتنفيذ أجندات أمريكية ـ إسرائيلية وسيفعل ولا خيارَ له غير هذا. أي أنه سيربط العراق بمجلس التعاون الخليجي وسيقبل بالتطبيع رويداً رويداً وسينفذ الهدف الأكبر في المنطقة : عزل إيران عن وسطها الإقليمي العربي والإسلامي وخاصة عن سوريا وحزب الله اللبناني والكتائب الموالية لها في العراق … إضعاف إيران وعزلها سيُضعف سوريا وجنوب لبنان ومجمل محور المقاومة والصمود أمام إسرائيل النووية المتغطرسة والغاصبة لفلسطين والجولان ومزارع شبعا والمستهترة بقرارات الهيئات والمحافل الدولية ومجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة تماماً كحليفتها الستراتيجية أمريكا.

هذان هما الهدفان الرئيسان في هذه المرحلة : أولاً / عزل وإنهاك وإجاعة إيران كما فعلت مع كوبا والعراق زمان حكم البعث في العراق مما يؤدي إلى إنهاك وإضعاف سوريا وحزب السيد حسن نصر الله في لبنان. ثانياً / إركاع العراق وجعله ذيلاً تابعاً لمجموعات الخليج والسعودية أي مسحه من خارطة الشرق الأوسط كياناً ودولةً وبشراً ونفطاً وموقعاً واستقلالاً وتجريده من إمكانيات القوة والتأثير والنهوض بمهام إعادة إعماره ووقوفه على قدميه بدل الإعتماد في مسيرته على عكّزات من خشب الخليج وقصب آل سعود ومتى أحب السعوديون العراقيين والتأريخ أمامنا يشهد بما فعلوا بالعراق قبل وبعد عام 1800 للميلاد.

أوجّه التحذير الجاد للسيد رئيس الوزراء العراقي من مغبّة توريط العراق بأيما حلف أو تحالف يربطه بمجلس التعاون والمُعلن واضح وصريح أنه تعاون إقتصادي وأمني ! وأمني تعني تعاون عسكري مبُطّن على مختلف المستويات والصُعُد يكون الموساد قلبه ومحرّكه الأكبر ثم حلف الناتو ! السعودية ومنذ أزمان في تحالف كهذا مع إسرائيل خاصة في عصر محمد بن سلمان وصديقه الحليف نتنياهو … تحالف لا تخفيه مملكة آل سعود بل وتفخر به.

لا أعرف مزاج ورأي العراقيين بهذا الموضوع وأكيد فيهم المعارض وفيهم المؤيّد لكني أعربت عن رأيي الشخصي حسب قناعاتي ورؤيتي وحرصي على مستقبل العراق والعراقيين . التأريخ يتحرك وكل ما في الكون دائب الحركة أي دائم التبدل والتغيّر وعليه

يجب إلتزام الحيطة والحذر في التعامل مع هذا الموضوع وسواه فمحنتنا مع الطاقة الكهربائية ليست قدراً لازماً مفروضاً على العراق بل إنها أزمة عابرة مفتعلة أسبابها معروفة والمستفيدون منها معروفون للعراقيين. فلتمُرَّ هذه الأزمة بالصبر والتعاون مع المخلصين من العراقيين داخل وخارج نطاق الحكومة ومع شركات وحكومات بلدان صديقة وأنا أرشّح الصين التي تبوّأت مكان الصدارة في مجالات الطاقة الكهربائية وبناء محطات الطاقة الكهرو ـ ذريّة والدقة في التنفيذ ورخص تكاليف الإنشاء مقارنة مع غيرها من الشركات والبلدان وقد فعل السيد عادل عبد المهدي خيراً في إبرامه مع الصين إتفاقيات واسعة النطاق أجهضتها السيدة أمريكا بإصعادها السيد مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء أمريكياً من جذور عراقية ـ كظماويّة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here