فستان العلمانية الجديد!

فستان العلمانية الجديد!

بقلم: سلام جعفر موسى

أطلت علينا الدكتورة نوال السعداوي في حوار تلفزيوني، شاهدته في صفحة إحدى الصديقات، وهي تتحدث عن العلمانية بصراحتها المعهودة. المستمع لحديثها سيكتشف، بسهولة، أن السيدة السعداوي كانت تحذر من العلمانية باعتبارها أولاً: وهم وكذبة وخدعة حالها حال الديمقراطية والانتخابات وحقوق الانسان، وسائر المفاهيم التي أطلقتها الرأسمالية. وثانياً كونها وهم غير قابل للتطبيق، فالدولة والدين مرتبطان في جميع أنحاء العالم وثالثًا باعتبارها أداة سياسية من أدوات الرأسمالية العالمية للسيطرة على بلدان المحيط. وهذا ما ساركز عليه في سطوري التالية.
كمفهوم نظري تعني العلمانية فصل الدين، أي دين، عن الدولة. وتعني كذلك حرية المعتقد. ولهذا السبب فان العلمانية لا تعني بالضرورة الإلحاد، ولا تعني التضييق على الدين والمتدينين. بل تضمن ممارسة شعائر كل معتقد لجميع الأديان والمعتقدات الأخرى وتحترمها. العلمانية وانطلاقاً من تعريفها النظري لا تعني الإلحاد. فمن الممكن أن يكون العلماني متديناً أو ملحدًا.
انتشار إفكار الليبرالية الجديدة في عالمنا العربي، في ظل العولمة، والذي ترافق مع تراجع كبير لدور حركات التحرر الوطني، والفكر اليساري التقدمي، في الحياة السياسية، وهيمنة قوى سياسية تستخدم الإسلام كغطاء إيديولوجي للوصول الى عقول البسطاء على الحياة السياسية والاجتماعية. وهي هيمنة حصلت على دعم الغرب الرأسمالي في الخفاء والعلن. هيمنة قادت الى تدمير المجتمع. سواء الأحزاب الدينية التي هيمنت على الحكم أو قوى الإرهاب التي مارست ولا تزال القتل البشع باسم الإسلام ايضًا. كل هذا قاد الى إنجاح مخططات العدو الصهيوأمريكي بإحداث ردات فعل ضد القوى السياسية الدينية وضد الدين الإسلامي تحديداً، وخصوصاً بين جيل الشباب الذي اكتسب وعيه وقيمه الجديدة في ساحة العالم الافتراضي. وهي ساحة مفتوحة، تبدوا ظاهرياً بلا حدود، ولكنها تخضع لسيطرة أيدي خفية تحدد الاطار العام لمحتوى النشر في هذه الساحة. المتابع لخط التغييرات في الوعي الجمعي في هذه الساحة، يكتشف بسهولة انتشار الإلحاد بين اعداد متزايدة من الشباب. وهو إلحاد من نوع خاص، يختلف عن الالحاد الفلسفي في الغرب الرأسمالي. إلحاد مخصص بدين الإسلام ، وليس إلحاد بكل الأديان. إلحاد متحيز، ينتقي سياسياً. إلحاد يستند على ردة فعل.
عملت وسائل الإعلام الغربية الصهيونية المختلفة، والمنظمات الاستخبارية التي تنشط في وسائل التواصل الاجتماعي، على تعميق هذا النوع من الإلحاد والخلط بينه وبين مفهوم العلمانية. ولهذا السبب تعرضت العلمانية الى تشويه صورتها ومحتواها، عبر ما ينشر عنها في العالم الافتراضي. وتحولت تبعاً لذلك، عملياً، الى أداة بيد الصهيونية والغرب الرأسمالي لتصنيع القوى الناعمة وتمكينها من السيطرة على مؤسسات الدول، ونشرها في المجتمع، على شكل منظمات مجتمع مدني وصحفيين وكتاب وإعلاميين. وإذا اقتضى الأمر تشكيل ميليشيات مسلحة لزجها في معارك محلية، كما يحصل الان مع الميليشيات المستجدة في بغداد، بحجة دعم الكاظمي، لزجها في معارك استكمال الهيمنة الأمريكية على العراق.
جوهر المخطط الصهيوأمريكي يستند على قاعدة تقديم دعم سري لقوى سياسية فاسدة وفاشية داخل مؤسسات الدولة ومن خارجها، مهمتها تدمير الدولة ونشر الفوضى، ثم استغلال الاستياء الشعبي الناتج عن ذلك لتشكيل بديل ينفذ أجندة المخططين.
ساعد الترهل الفكري لليسار المتحول بقوة نحو الليبرالية الجديدة، وتخلفه عن فهم الواقع، ووقوفه عملياً الى جانب المحتل الأجنبي، على إنجاح مخططات الاحتلال الصهيو أمريكي. فكما هو معروف تخلى الحزب الشيوعي العراقي في أدبياته عن مفهوم العلمانية، إرضاءاً للقوى الدينية التي اشترك معها في العملية السياسية التي أنشأها الاحتلال، وجبناً منها. ولجأ الى الاكثار من استعمال مفهوم المدنية، الذي تستخدمه بعض القوى الدينية، ليحل محل العلمانية. والمدنية لا تعني فصل الدين عن الدولة، بل تعني إقامة حكم مدني كبديل عن الحكم العسكري. وعلى أية حال، كلا المفهومين تحولا الى أداتين بيد الاحتلال. وتحت عباءتهما إيضاً يجري نشر القيم التي يراد لمجتمعنا أن يتقبلها، كالمثلية والفساد الأخلاقي والشعور بالعجز والدونية والركون الى التبعية والاستسلام وتسفيه الوطنية وتأريخ المجتمع ونشر جرثومة التطبيع مع العدو الصهيوني وجرثومة الانتماء الى المذهب أو الطائفة أو القومية.
ما يجب علينا دراسته والتركيز عليه هو هذا العالم الافتراضي الذي صار المصدر شبه الوحيد لاكتساب قيم جديدة تزرع في عقول الشباب بالترديد اليومي. وكذلك أصبح هذا العالم هو الساحة التي يجري فيها إلباس المفاهيم السياسية والاقتصادية والفلسفية فساتين جديدة يصنعها خياطو استخبارات العالم الافتراضي!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here