سطل العراقيين المتدفق ومستنقع التاريخ الآسن

بقلم مهدي قاسم

يُعد تاريخ العراق ــ طبعا والعرب أيضا ـــ في قسمه الأكبر ، سواء قديما أو حديثا ، من أكثر التواريخ تشويها ، تلفيقا ، تزويرا ، كذبا ، خداعا ، تضليلا ، و ذلك لسببين ،, أولهما :

ـــ لأن من كتب أحداث هذا التاريخ هم وعاظ السلطة و الحكام في أغلب الأحايين ، وثانيهما هم مؤرخون مؤدلجون و منحازون سياسيا و فئويا ، فكلا الطرفين كتب التاريخ ما يلائم و يناسب توجهات السلطة أو الأحزاب الحاكمة أو حتى غير الحاكمة ممن تورطوا في أحداث سياسية عاصفة ذات صبغة دامية أو دموية ، و هكذا جرت عملية تصوير الخصم السياسي أو الحزبي و كأنه هو وحده المسؤول وهو المجرم و المخرّب والمدمر، أما الآخر فأنه كان يبدو دوما أو يظهر في صورة ملائكة أطهار، بل أكثر براءة حتى من طفل رضيع نفسه !!.، بينما الأمر لم يكن كذلك قطعا ، طالما توجد ثمة شواهد تاريخية و شهود عيان و أرشيف توثيقية ، تثبت بالدليل القاطع بأن أيدي جميع الأحزاب التي لعبت في فترات ومراحل متعاقبة دورا سياسيا فّعالا في تاريخ العراق الحديث والمعاصر كانت ملطخة بالدماء بشكل أو بآخر ،أي بنسب ودرجات معينة ، ولكنها كانت ملطخة في كل الأحوال !..

و لكن الأدهى من ذلك أن ينضم إلى رهط وعاظ السلطة والمؤرخين المؤدلجين و العقائديين هؤلاء ، جحافل المواقع الإنترنتية و صفحات التواصل الاجتماعي بكتابة وتقييم الأحداث التاريخية حسب أهوائهم ورغباتهم معددين جرائم العدو أو الخصم ، مرفقة بشتائم وسباب حتى ضد الموتى ، دون أن يكفيهم كون الميت أذ يشبع موتا ن وأن للموتى حرمتهم ، مهما كانوا في حياتهم ..

نقول كل هذا ، لأنه إذا ظهر عندنا مؤرخ مستقل وموضوعي و غير منحاز سوى للمعطيات و الحقائق التاريخية المجردة والدامغة والعنيدة و إظهارها وتثبيتها بكل تجرد مسلكي نزيه ومستقيم ، فحينذاك سيرى هؤلاء أو أولئك ــ المجعجعين الآن مسبة وشتيمة وتشنيعا ــ أية أحداث مروعة و جرائم دموية قد ارتكبها أحزابهم أو زعمائهم ..

لذا فيتراشقوا بعضهم بعضا بسطل مياه قذرة وهم يغرفون من مستنقع تاريخهم الموحل والدموي المتستر بورقة توت رثة و هزيلة .

ولكن ذلك سوف لن ينطلي على أجيال واعية تتخذ من العلم والمعارف وسيلة لمعرفة الحقيقة وليس العقائد الجامدة أومنتهية الصلاحيات ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here