عنِ الفايروس والسِّيادة وأَشياءَ أُخرى![الجُزء الرَّابع]

*الصنميَّةُ وعبادةُ الزَّعيم تُنتجُ بطبيعتِها عقُولاً قافِلةً ترفضُ إِعادة النَّظر في الثَّوابت والخطُوط الحَمراء.

*ثقافةُ [التَّقديس] تحُولُ بيننا وبَين حُريَّة التَّعبير والتَّفكير والنَّقد والتَّصحيح والسَّعي للتَّسديدِ.

[الجُزء الرَّابع]

نـــــــــــــزار حيدر

١٠/ كلَّما حلَّ شهر تمُّوز على العراقيِّين تذكَّرُوا حدثَين، إِختلفُوا في واحدٍ واتَّفقُوا في الثَّاني.

فأَمَّا الذي اختلفُوا فيهِ حدِّ التَّناقض فهو إِنقلاب [١٤ تمُّوز ١٩٥٨] وأَمَّا الذي اتَّفقُوا فيه فهو إِنقلاب [١٧ تمُّوز ١٩٦٨].

فلقد اختلفُوا في الأَوَّل بين مَن يعتبرهُ أَعظم حدثٍ في تاريخ العِراق غيَّر وجهَ البِلاد ومسار الإِتِّجاهات وإِلى الأَبد، ذهبَ آخرُون إِلى أَنَّهُ أَسوء ما تشهدهُ بلادٍلأَنَّهُ أَسَّس للسَّطو المُسلَّح على الدَّولة والنِّظام وشرعنَ لمبدأ زجِّ القوَّات المُسلَّحة التي واجبها الوطني ينحصر في حمايةِ حدودِ البلادِ من أَيِّ عُدوانٍ خارجيٍّ، زجَّهافي السِّياسةِ.

كما أَنَّهُ شرعنَ [الميليشيات] والسَّحل وبثِّ الخَوف والرُّعب وروح الإِنتقام والتشفِّي.

أَمَّا الثَّاني فلقد اتَّفقت الأَغلبيَّة المُطلقة تقريباً على أَنَّ إِنقلاب [١٧ تمُّوز ١٩٦٨] والذي مكَّن البعثيِّين وتحديداً زُمرة الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين من السُّلطة،هو الأَسوء في تاريخِ البلاد وهو الصَّفحة السَّوداء الدَّاكنة في سجلِّ العراق على مدى قرُون، لا يُمكنُ ولا يجُوزُ نسيانها والتَّغاضي عنها.

الشَّيء الذي لا يعرفهُ كثيرون أَو رُبما ينسُوه أَو يتناسُوه، هو أَنَّ العراق الحديث الذي يمتد تاريخهُ من تأسيس الدَّولة العراقيَّة الحديثة عام ١٩٢١ ولحدِّ الآنشهِد ثلاثة إِنقلابات عسكريَّة في الأَعوام [١٩٥٨ و ١٩٦٣ و ١٩٦٨] كلُّها قادها [حزب البعث] وإِذا كانَ الإِنقلابان الأَوَّل والثَّاني أَفلتت فيهِما السُّلطة منالبعثيِّين، فإِنَّ الإِنقلاب الثَّالث رسَّخَ سُلطتهم عندما تعلَّموا من التَّجربتَين الأُولى والثَّانية ليأخذُوا حِذرهُم فيُمسِكوا بالسُّلطةِ بأَسنانهِم إِلى أَن أُزيحُوا عنها عام٢٠٠٣ من البابِ ليعودُوا إِليها ثانيةً من الشبَّاك وإِلى يومِنا هذا!.

ولا ننسى فإِنَّ كلَّ هذهِ الانقلابات وما تخلَّلتها من تصفياتٍ سياسيَّةٍ بين الأَطرافِ المُتنازعة على السُّلطةِ والنُّفوذِ سواءً أَكانت تيَّارات فكريَّة وحزبيَّة أَو أَشخاصساهمُوا في صناعتِها وتنفيذِها بقدرٍ ما، كانت دمويَّةً بامتيازٍ كلَّ شعاراتِها التي رفعتها في شوارِع العاصِمة بغداد وغيرِها تدورُ حول المُفرداتِ التَّالية [إِعدام،تحطيم، رؤُوس مُتدحرِجة، أَجساد مُتدلِّية، شنق، ثأر، مُؤَامرة، مُجرم، أَوكار، خونَة، سحِل].

١١/ الحقيقةُ الأُخرى التي يجب أَن لا نغفلَ عنها هي؛ أَنَّ كُلَّ ما جرى من بعدِ الإِنقلابِ الأَوَّل وإِلى اليَوم هو توالُدٌ طبيعيٌّ مُتسلسِل، لم تنفصِل حلقةٌ منهُ عنبقيَّة الحلقاتِ، فالإِنقلابُ الأَوَّل أَسَّسَ أَساس ما نراهُ اليَوم من [ثقافاتٍ] تتحكَّم بالسُّلطةِ مروراً بالعقودِ الستَّة التي مرَّت على البلادِ.

طبعاً الفارِقُ الوحيدُ هو الخلفيَّة والزَّي، فتارةً يمينٌ وأُخرى يسارٌ وثالثةً تديُّنٌ مُزيَّفٌ!.

١٢/ السُّؤَال المِحوري الذي يقفز في أَذهاننا مع كلِّ ذكرى هوَ؛ لماذا يختلفُ العراقيُّون في كلِّ شيءٍ؟! ولماذا تتكرَّر عندهم التَّجربة ولم يتعلَّموا منها؟!.

فإِذا قرأت تفاصيل أَحداث لَيلة [١٤ تموز ١٩٥٨] وما سبقَها وما لحِقها فستجدها تتكَّرر في كلِّ المفاصِل الأُخرى التي مرَّت وإِلى يومِنا هذا، والفارقُ الوحيدهو أَسماء المُنفِّذين و [جَوقة الكُومبارس] وزيِّهم وانتماءاتهِم وهويَّاتهِم وما أَشبه، أَما الجَوهر والهدف والنَّتيجة فتتكرَّر بشَكلٍ مُمِل، وكأَنَّ الشَّعب يُزرق [إِبرةمُخدِّر] في كلِّ مرَّةٍ ليتكرَّر نفس السِّيناريو ويقبل بهِ.

طبعاً، فإِنَّ الجوابَ على السُّؤَال مُعقَّدٌ وخطيرٌ في آنٍ، والذي يُحاولُ التقرُّب منهُ ومُعالجتهُ كمَن يسيرُ في حقلِ أَلغامٍ تنفجر بوجههِ الواحِدة تِلو الأُخرى إِذا لميحذر.

ولقد آليتُ على نفسي أَن أَتحمَّل آلامِ بعضِ الشَّطايا من أَجل المُساهمة في تلمُّس طريق الإِجابةِ بشَكلٍ مِن الأَشكال.

ومن الإِجابةِ؛

أ/ أَنَّنا نتعامل في كلِّ مرَّةٍ مع ظواهرِ الأُمور دونَ جوهرِها، ومع الظَّاهر من القِوى المُنفِّذة دونَ القِوى الخفيَّة التي تُديرُها، وبالعواطِف والشِّعاراتِ دونَ العقلِ.

ب/ أَنَّنا لم نتَّفق على ثوابت ومعايير وطنيَّة للتَّقييم أَو للإِستيعاب، فكلُّ معاييرنا هي خلفيَّاتنا المُختلفة حدِّ التَّناقض، كالدِّين والمذهب والإِثنيَّة والعشائريَّةِوالمناطقيَّةِ والحزبيَّةِ وغيرِ ذلكَ.

كما أَنَّنا لم نتَّفق على معايير [النَّصرِ والهزيمةِ] [الصَّح والخطأ] [النَّجاح والفشل] فلكلِّ واحدٍ منَّا معاييرهُ [المُستَوردة] في أَغلبِ الأَوقاتِ.

ج/ الذَّيليَّة، ففِّي كلِّ مرَّةٍ ترى الشَّارع [الهائج] ذيلٌ لجهةٍ أَجنبيَّةٍ ما، فتارةً للقاهرةِ وأُخرى لموسكُو، حتَّى إِذا سقطَ الصَّنمُ في عام ٢٠٠٣ إِنقسمَ الشَّارع إِلىذيُولٍ عدَّة يتبع كلَّ واحدٍ منهُ مصدر المنشأ الذي مكَّنهُ من السُّلطة أَو حماهُ وهوَ يتمتَّع فيها.

ولا أَزيدُ فـ [العاقلُ يفهم] و [الحرُّ تكفيهِ الإِشارة].

إِنَّ ظاهرة [الذيليَّة] سببُها غَياب الإِنتماء والوطنيَّة عادةً.

د/ الصنميَّة وعِبادة الزَّعيم التي تُنتج بطبيعتِها عقُولاً قافلةً ترفضُ أَيَّة مُحاولة لإِعادة النَّظر في الثَّوابت والخطُوط الحمراء المزعُومة، أَو إِعادة قراءة التَّاريخ.

والصنميَّة هي التي تُنتج ثقافة [التَّقديس] التي ابتُلينا بها والتي تحولُ بيننا وبينَ حريَّة التَّعبير والتَّفكير والنَّقد والتَّصحيح والسَّعي للتَّسديد.

هـ/ مُشكلتُنا أَنَّنا لم نجمع فِكرنا ونُركِّز ذِهننا مع كلِّ مُنعطفٍ، ولذلكَ ننسى في كُلِّ مرَّةٍ كُلَّ شيءٍ لنبدأَ من الصِّفر، فلا نستحضرُ تجربةً ولا نتذكَّر خِبرةً ولاتتراكم عندنا الدُّروس والعِبر، ولذلكَ فإِنَّ التَّاريخ عندنا لا يتكرَّر بكُلِّ تفاصيلهِ فحسب وإِنَّما هو مُستمِرٌ كشريطِ الفيديو لا ينقطع ولا ينفصل عن بعضهِ!.

وبإِعادة قراءة تاريخ العراق الحديث على الأَقل مُنذُ إِنقلاب [١٤ تمُّوز ١٩٥٨] ولحدِّ الآن فستجد أَنَّ الفصُولَ مُتكرِّرة والتَّفاصيل واحدة باستثناءِ اللَّممِ منها،حتَّى تطابقت الأَيَّام والأَسابيع والأَشهُر والسِّنين والعقُود مع بعضِها تطابق النَّعل بالنَّعلِ!.

ولذلكَ فعلى مدى [٦٣] عاماً ظلَّ [البعثيُّون] يتسلَّلونَ للسُّلطة خُفيةً في كُلِّ مرَّةٍ تشهد فيها البلادُ تغييراً في السُّلطةِ والنِّظام.

وإِلى يومِك هذا!.

*يتبع…

١٣ تمُّوز ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

E_mail: [email protected]

‏Face Book: Nazar Haidar

Twitter: @NazarHaidar2

Skype: nazarhaidar1

‏WhatsApp, Telegram & Viber : + 1(804) 837-3920

*التلِغرام؛

https://t.me/NHIRAQ

*الواتس آب

https://chat.whatsapp.com/KtL7ZL3dfh

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here