الفقر فاقة خطيرة وعالمية وتأثيرها مختلف ونسبي بالنسبة لمختلف البلدان

الفقر فاقة خطيرة وعالمية وتأثيرها مختلف ونسبي بالنسبة لمختلف البلدان

أ. د.سلمان لطيف الياسري

يجتمع رؤساء الدول، في الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل الاتفاق على مجموعة من أهداف التنمية المستدامة. وتتمثل الغاية الأولى في هدف التنمية المستدامة الأول الذي اقترحه الفريق العامل المفتوح باب العضوية للدول الأعضاء في “القضاء على الفقر المدقع للناس أجمعين أينما كانوا” بحلول عام 2030. وأما الغاية الثانية فهي تخفيض نسبة الأشخاص الذين يعانون الفقر وفقا للتعاريف الوطنية بمقدار النصف على الأقل. وهاتان غايتان نبيلتان وتاريخيتان للتقدم على الصعيد العالمي- وهما تستحقان وضعهما على رأس القائمة. وتوضحان، في الوقت نفسه، مسائل تؤثر في عدد كبير من الغايات الإنمائية الـ169 التي اقترحها الفريق العامل المفتوح باب العضوية، من قبيل كيف يمكن قياس هذه الغايات وهل هي قابلة للتحقيق؟

وهاتان المسألتان مترابطتان. ذلك أن كيفية حلنا لتحديات القياس سيكون لها أثر عميق في قدرة تلك الغايات على التحفيز وكذا على احتمالات تحقيقها. فخطوط الفقر على الصعيدين الوطني والمحلي تخضع بشكل متواتر للتنقيح صعودا، وهناك أسباب وجيهة لذلك. بيد أن هذا النهج ينطوي على خطر ألا يؤدي التقدم المطرد في مجال التنمية إلى الحد من الفقر، وذلك لسبب بسيط هو أن خط الفقر لا ينفك يتغير هو الآخر.

وكما أشار الفريق العامل، فإن الفقر المدقع “يُقاس حاليا بالأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1.25 دولار من دولارات الولايات المتحدة في اليوم”، مع أنه لا يُرجح أن يظل الحال على ما هو عليه لفترة طويلة. وتقوم بحساب خط الفقر المدقع “الرسمي” وكذا عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت هذا الخط مجموعة سرية (حسنة النية) في ردهات المقر العام للبنك الدولي. وهم يعملون على إجراء تنقيح يمكن أن يكون له أثر كبير على رقم الاستهلاك بالدولار، المعلن عنه باعتباره “خط الفقر المدقع “، فضلا عن عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت تلك العتبة.

وفي الماضي، كان يجرى تحديد خط الفقر المدقع العالمي الذي يضعه البنك الدولي بحيث يعكس قيمة خطوط الفقر الوطنية في أفقر البلدان في العالم. وكان خط الفقر الأصلي المتمثل في “دولار في اليوم” لعام 1990 “هو ما يميز البلدان ذات الدخل المنخفض”([1]) في ذلك الوقت. غير أنه تم تحديثه في عام 2008 حتى يكون مواكبا لأحدث متوسط وطني متاح لخط الفقر في البلدان الخمسة عشر الأفقر في العالم، محوَّلاً بسعر صرف صُمم ليعكس الأسعار المختلفة لنفس السلع والخدمات على نطاق البلدان.

والبنك الدولي بصدد اقتراح خط عالمي جديد وأرقام أخرى للفقر تستند إلى خطوط فقر وطنية أكثر جِدّة، فضلا عن بيانات واردة في دراسة استقصائية عالمية للأسعار تعود لعام 2011. وعندما يحل الوقت الذي يُقرر فيه البنك الدولي أنه بات جاهزا لإعلان تلك الأرقام- وهي عملية استغرقت سابقا مدة تصل إلى سنتين- سيكون خط الفقر المدقع العالمي قد انتقل ربما إلى 1.75 دولار أمريكي في اليوم أو أكثر. ولكن البيانات الجديدة تشير إلى أن أسعار السلع في البلدان الفقيرة هي أقل مما كنا نظن. وهذا بدوره قد يشير إلى حدوث انخفاض هائل في عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر- بنسبة قد تصل إلى الثلث (من 1.2 مليار في عام 2010، وهو رقم يستند إلى بيانات الأسعار وخط الفقر السابقين، إلى أقل من 900 مليون شخص، رقم محسوب باستخدام البيانات الجديدة المقدمة من مؤسسة بروكينغز).

و هناك شيء واحد واضح هو: إذا كنا نريد “القضاء على الفقر المدقع للناس أجمعين أينما كانوا” بحلول عام 2030، فسيتوجب علينا استخدام نهج لتحديد خط الفقر المدقع على الصعيد العالمي يكون مختلفا تماما عن ذلك الذي استخدمه البنك الدولي في الماضي.

تصور لو أننا في عام 2030، ونحن ننظر في خطوط الفقر الوطنية للبلدان الخمسة عشر الأفقر في العالم. ما مدى احتمال أن يتم تحديدها في مستوى أقل من معدل استهلاك أفقر مواطني تلك البلدان أنفسهم؟ وفي الحقيقة، لا ينبغي لها أن تُحدد وفقا لذلك المستوى المتدني جدا. إن فكرة أن تقوم البلدان، التي سيظل متوسط الدخل فيها في أكثر الأحوال تفاؤلا لا يمثل سوى جزءا صغيرا من متوسط دخل الأشخاص الأشد فقرا في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، بالإعلان عن أنه لا يوجد فقراء لديها هي ببساطة فكرة سخيفة. فوفقا لأي تعريف دولي للفقر المدقع يستند إلى أحدث خطوط الفقر الوطنية لعدد من البلدان، سيظل هناك دائما فقراء في العالم- بمن فيهم جميع الأشخاص الذين يعانون الفقر بحسب التعريف الوطني المعتمد في البلدان المستخدمة في تحديد خط “الفقر المدقع” العالمي. وهذا يشير إلى أن هدف القضاء التام على الفقر باستخدام منهجية البنك الدولي الحالية لا يمكن أن يتحقق أبدا.

وإذا كنا نريد تحديد هدف القضاء التام على الفقر العالمي في خطة التنمية لما بعد عام 2015، فيجب أن يكون هدفا مطلقا، وليس هدفا محددا بالقياس إلى خطوط الفقر الوطنية، ويجب أن تكون عملية تحديد خط جديد للفقر العالمي عملية مفتوحة وشفافة وتشاركية. فطيلة سنين، ظل البنك الدولي يتكتم على البيانات التي يستخدمها لقياس المستويات العالمية للدخل والاستهلاك. كما أنه هو الذي يقرر متى وكيف يمكن إدماج بيانات الدراسات الاستقصائية الخاصة بالدخل والأسعار، وهو الذي يختار أيضا طريقة حساب خط الفقر. وكجزء من عملية تحديد أهداف التنمية المستدامة وثورة البيانات التي يجب أن تنطوي عليها تلك العملية، ألا ينبغي لفقراء العالم وحكومات البلدان النامية أن يكون لهم مساهمة في تعريف ”ما هو الفقر”؟ وهذه العملية بدورها عملية ملحة: فنحن سنحدد الهدف في أيلول/سبتمبر 2015، على أي حال.

ثم هل بإمكاننا أن نحقق غاية القضاء على الفقر المدقع تحت عتبة معينة؟ وهذا يتوقف، بالطبع، على المستوى الذي حُددت فيه تلك العتبة. ولكن عددا من المحللين حاولوا حساب احتمال التخلص من خط الفقر المتمثل في1.25 دولار في اليوم، وذلك باستخدام أسعار وأرقام فقر قديمة. وإذا حدث نمو قوي في أفقر البلدان على مدى السنوات الخمس عشرة القادمة وشهدت تلك البلدان تراجعا متسارعا في التفاوتات، فإن ما لا تقل نسبته عن 2 في المائة من سكان العالم النامي سيظلون يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم بحلول عام 2030. وبطبيعة الحال، فإنه من باب الإفراط في التفاؤل التنبؤ بأن كل البلدان الفقيرة ستشهد نموا سريعا وتراجعا في التفاوتات على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة – فبعضها سيقع ضحية سوء الحوكمة، أو انخفاض أسعار السلع الأساسية، أو الاضطرابات المدنية التي تخرج مسيرة التقدم عن مسارها. وبالتالي، فإن العدد الحقيقي للفقراء سيكون أعلى بكثير.

وسيكون بالإمكان مع ذلك سد هذه الفجوة من خلال التحويلات- أي إعطاء المال للأسر التي حققت متوسطات دخل أقل من عتبة 1.25 دولار. ولكن تعريف الفقير يتغير بسرعة مع مرور الوقت، وبحسب المواسم، والطقس، وإمكانيات الوصول إلى الرعاية الصحية، وتصاعد العنف، وحتى مجرد الحظ العاثر. وبدلا من الدراسات الاستقصائية التمثيلية التي تُجرى كل بضع سنوات حاليا، فإن الإبقاء على حد أدنى للاستهلاك العالمي محدد في 1.25 دولار سيتطلب إجراء الكثير من الدراسات الاستقصائية كل عام بحيث تغطي سكان العالم المعرضين للخطر.

ولهذا فإن الأكثر معقولية من برنامج حُددت غاياته بدقة هو برنامج يقدم الدعم لمجموعة أكبر بكثير من المعرضين لخطر الانحدار إلى ما تحت مستوى 1.25 دولار في اليوم. غير أن ذلك سيرفع التكلفة، بطبيعة الحال. وعندها سيتعين علينا إيجاد طريقة لتحويل الأموال: فقد انتشرت خدمات الصيرفة المتنقلة بشكل سريع، ولكن معظم الناس الأكثر فقرا في العالم لا يزالون غير قادرين على الوصول إلى الخدمات المصرفية. وهذا لا يعني أن القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030 مستحيل، بل إنه فقط يتطلب جهودا هائلة. وفي الواقع، نحن لم نتفق حتى الآن حتى على تعريف “الفقر المدقع ” الذي يمكن القضاء عليه بصورة معقولة.

وفي الوقت نفسه، هناك تحدي قياس مماثل، وإن كان أقل حدة، فيما يتعلق بالغاية الثانية المتعلقة بالفقر والمتمثل في تخفيض نسبة الأشخاص الذين يعانون الفقر وفقا للتعاريف الوطنية في كل بلد بمقدار النصف على الأقل. وتختلف كيفية حساب تلك التعاريف بشكل كبير فيما بين البلدان. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يُراد من ذلك العدد أن يعكس نفس مستوى الدخل (المعدل حسب معدل التضخم) مع مرور الوقت. ولكن خط الفقر، في الكثير من البلدان الأخرى، خط نسبي صراحة أو عمليا. ومع زيادة متوسط الدخول، يزيد الدخل الذي يُعتبر الناس الذين تحته فقراء. ولذلك لا يمكن تخفيض نسبة السكان الذين يعانون الفقر بمقدار النصف في تلك البلدان إلا من خلال تحقيق تخفيض كبير جدا في التفاوت.

وهذا ليس أمرا سيئا، لأن التفاوت ما فتئ يتزايد داخل البلدان في جميع أنحاء العالم، وينبغي لنا أن نعكس ذلك الاتجاه. ولا يزال يجب القيام بالكثير من العمل، مع ذلك، من أجل تبيان أن حجم التفاوت المطلوب تقليصه لتخفيض عدد الناس الذين يعيشون تحت خط فقر نسبي بمقدار النصف هو غاية معقولة في معظم (أو حتى كثير من) البلدان. وآخر ما نريد أن تُشجع عليه أهداف التنمية المستدامة هو “خفض عتبة” خطوط الفقر الوطنية، بحيث يُصبح كل ما تقوم به البلدان لتحقيق غاية أهداف التنمية المستدامة هو جعل خط الفقر المعتمد رسميا لديها نسبة لا تفتأ تقل باستمرار عن متوسط الدخل مع مرور الوقت. وهذا يشير إلى الميزة الممكنة لتحديد غاية نسبية بشكل صريح على الصعيد القطري- بحيث تضيق الفجوة بين نسبة 40 في المائة في قاعدة الهرم الاجتماعي و10 في المائة في قمته في كل بلد بنسبة 25 في المائة، أو سد الفجوة بين أصحاب الدخل المتوسط وأصحاب الدخل الهزيل بمقدار الثلث، حيثما أمكن

ولذلك، فإنه من أجل تحقيق الغايتين الأوليين للهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة، يجب القيام بالكثير من العمل قبل أيلول/سبتمبر 2015. فقبل أن نحدد الهدف، يجب أن نثبت إطار تحقيقه.

تعاني العديد من الدول، بل والأفراد، من الفقر المدقع الذي يصعب التخلص منه، بسبب عدم القدرة على تلبية متطلبات النمو، من تعليم وصحة وبنية تحتية وغيرها، لتدخل فيما يعرف في علم الاقتصاد بـ”دائرة الفقر الشديد”، والتي تعني غياب القدرة على تحقيق اختراق اقتصادي يخرج بالدولة من دائرة الفقر. وتعني دائرة الفقر الشديد (أو “اللعين” كما يطلق عليها أحيانًا) ألا تكون الدولة قادرة على ادخار أية موارد تعينها على تكوين رأس مال يتراكم بحيث يخرجها من دائرة العوز إلى دائرة الرفاهية، وذلك بسبب عدم كفاية مواردها إلا للتصدي للاحتياجات العاجلة من غذاء ودواء فضلًا عن الحد الأدنى من البنية التحتية. وعانت الكثير من الدول حول العالم من هذه الظاهرة ومنها دول أفريقيا جنوب الصحراء، وأبرزها تشاد على سبيل المثال، وبعض الدول في آسيا مثل بنجلاديش وأفغانستان، حتى تحولت هذه الدول إلى ما يعرف في علم الاقتصاد والسياسة بـ”الدولة الفاشلة” التي تعجز عن تلبية الحد الأدنى من احتياجات مواطنيها. ويعتبر “صندوق سان فرانسيسكو” للدراسات الاقتصادية أن إخراج أية دولة من الفقر يستلزم انتزاع المواطنين من دائرة الفقر، بمعنى حل المشكلة على المستوى الجزئي ليتم حلها على الصعيد الكلي. غير أن الأمر ليس بهذه السهولة، فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة –وهي دولة غنية وليست فقيرة بما يجعل المشكلة أقل حدة بالطبع- فإن إخراج الأسر الفقيرة يستلزم حصولها على دخل إضافي يبلغ 150% قدر الحد الأدنى لدخل الطبقات الأفقر هناك. ولذلك فإن 90% من الأطفال الذين ينشؤون في كنف الخُمس الأفقر من الأسر الأمريكية يبقون في هذه الطبقة ولا يتمكنون من الفكاك من أسرها، في ظل تمييز أصحاب العمل في التوظيف ليس بناءً على المرحلة الدراسية التي يصل إليها المتقدم للعمل فقط، ولكن على “اسم” المدارس التي يُدرَج فيها المرشحون للعمل.

ويرجح موقع “إيكونوميك ديسكاشن” احتياج الأسر الفقيرة إلى 3-5 أجيال لكي تتمكن الأسرة من الخروج من “دائرة الفقر اللعينة”، وذلك حال توافر مساعدات خارجية، أو وجود أفراد”استثنائيين” في الأسرة، ممن يحصلون على منح دراسية أو يحققون إنجازات متفردة.

ولهذا السبب فإن 43% من الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية يحيون في ظل الفقر، في معدل هو الأعلى بين الأجناس المختلفة في الولايات المتحدة، بسبب معاناتهم من التمييز العنصري لفترات طويلة، بحسب مجلة “أتلانتيك”. وتذكر المجلة إقرار برنامج “أبيسيدران” لمحاولة إخراج الأسر الأفقر من “دائرة الفقر”، حيث تبنى البرنامج العديد من العائلات لدى وصول أبنائهم لسن التعليم (5 سنوات)، وتحمل البرنامج نفقات تعليم الأبناء ونظم برامج توعية لأفراد الأسر لتبصيرهم بأهمية تلقي الأبناء للتعليم الملائم. وتمكن هذا البرنامج من انتزاع 89% من الأسر التي شاركت في البرنامج من دائرة الفقر بعد مرور جيلين فحسب، حيث بدأ البرنامج في ستينيات القرن الماضي، وبدأت نتائجه بالظهور مؤخرًا ليحقق اختراقًا لافتًا في هذا الشأن.وبخلاف ذلك تحتاج الأسر إلى أكثر من 10-15 جيلًا لكي تخرج من دائرة الفقر، هذا إن تمكنت من هذا في ظل تراكم خبرات و”ثقافة” الفقر، حتى أن بعض الأسر الفقيرة في الولايات المتحدة تعاني الفقر منذ عهد العبودية وبعضها من قبل ذلك.ولذلك فإن الدول التي نجحت في الخروج من “دائرة الفقر اللعينة” أقرت أول الأمر برامج على المستوى القومي من أجل إصلاح التعليم، بل ومنحت سنغافورة على سبيل المثال “رواتب” لكي تتمكن الأسر الفقيرة من الالتحاق بالتعليم ولا تلتحق بسوق العمل مبكرًا.أما فيما يتعلق بالتغلب على صعوبة مراكمة رؤوس الأموال، فيكون على الدولة اتباع سياسة “الاعتماد على الذات” من خلال تشجيع الأفراد على الادخار، حتى المبالغ الصغيرة، والتخلص من الاختلالات الكبيرة في الأسواق والتي تعرقل عمل المصارف وتجعل الاستثمارات “مترددة” في التوسع في تلك الدولة.وعلى الرغم من أن الاعتماد على المساعدات الخارجية يبدو أكثر “إغراء” للدول التي تعاني من صعوبة مراكمة رؤوس الأموال، إلا أن دراسة لـ”هارفارد” تؤكد عجز أية دولة اعتمدت على برامج المساعدات الخارجية في الخروج من دائرة الفقر. وتمتد وسائل التخلص من الفقر على المستوى القومي إلى العديد من العناصر ومنها محاربة الفساد الذي يحول دون استغلال الموارد بكفاءة، وتشجيع القطاع الخاص وتحفيزه، والحد من الصادرات غير الضرورية وتشجيع المصدرين، والتخلص من حالات الاحتكار التي تقترن مع الفساد.

عندما يُنظر لظاهرة الفقر يُرى أنها عالمية، حيث لا يوجد للفقر مكان معين يختص به، بل أنه موجود في كل دول العالم، غنيها وفقيرها، بمستويات مختلفة، ولكنه يظل فقرًا يطارد شرائح من المجتمعات وعندما يمس حياة عدد كبير من المجتمع يجعلهم ينتفضون من أجل الخلاص منه.. والفقر والاستبداد متلازمان، وكلاهما عالمي التكوُّن فحيثما يوجد الاستبداد يوجد الفقر وحيثما يوجد الفقر ابحث عن الاستبداد.

ومن طبائع الاستبداد أن منشأه النزاع على السلطة التي من صفاتها الاحتكار وتفضيل جزء من المجتمع على آخر، ومن خلال التفضيل التنافس غير العادل في توزيع الثروة حتى تشمل كل شرائح المجتمع، كل حسب حاجته وضمان الحد الأدنى من متطلبات الحياة.. والمتطلبات يحركها التنافس الفردي والجماعي داخل المجتمع الواحد، فالمجتمع أو الإنسان الكسول يظل جهده للسعي لحياة أفضل أقل من ذلك الإنسان النشط المبدع الذي يسعى للتقدم من خطوة إلى أخرى بقدراته الذاتية وبأقل قدر من المحفزات، وكما ورد في المثل (النجاح يولد النجاح).

الانتفاضات التي نشهدها في العالم العربي لها شعارات مشتركة تطالب بالخروج من معاناة الفقر والتخلص من الاستبداد السياسي.. ونلحظ أيضًا أن الغنى والاستبداد متلازمان والدليل أن المتشبث بالسلطة لا يريد أن يفرط في الامتيازات والسلطة التي جعلت منه ثرياً بعيدًا عن دائرة الفقر.. وأن يكون الإنسان غنيًا ليس بالضرورة أن يكون عادلاً وكذلك حظوة السلطة ليس بالضرورة أن تجعل المستبد يتخلى عن مغريات السلطة ويضحي بالامتيازات ولهذا توجد ظاهرة الفقر والاستبداد في كل المجتمعات صغيرها وكبيرها، غنيها وفقيرها.

انتفاضات الربيع العربي وتداعياتها حصلت بسبب الاستبداد والفقر.. والصراع على السلطة هو سعي لاستبدال سلطة كانت أقسى في وسائل الاستبداد بسلطة تبدأ بالادعاء أنها ستكون بديلاً عادلاً ولكنها في نهاية المطاف تنتهي إلى حيث كان سلفها وحلقات الفقر والاستبداد والحرمان مستمرة.

في أمريكا أثرى دول العالم يوجد استبداد سياسي وفقر.. وفي اليابان وأوربا والصين والدول النفطية يوجد بها فقر واستبداد ولذلك يحق القول بأن كل المجتمعات تعاني من الفقر والاستبداد والإنسان هو المتسبب في كل ذلك.. كما أن الفقير عندما يصبح من طبقة الأغنياء يقترب كثيرًا من طبقة المستبدين بزعم الحفاظ على ما وصل إليه.. ومرة أخرى نرى أن ذلك يحصل في كل المجتمعات.. والحروب الأهلية تعد أقصى وأبشع درجات النزاعات في المجتمعات من أجل التخلص من وطأة الفقر ولكن سرعان ما تنسى وتدخل بطوعها في دائرة الاستبداد الذي انتفضت عليه.. ويحق القول أنه لا يوجد دولة أو مجتمع في العالم خالٍ من الفقر وأسبابه.. هذا ليس تبريرًا لوجود الفقر ولا دفاعًا عن الاستبداد وأينما توجد العدالة الحقة فإنها تكفل القضاء على متلازمة الفقر والاستبداد وفي نهاية المطاف كل شيء في الحياة نسبي الفقر

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here