موعدٌ في سامراء!!

موعدٌ في سامراء!!
الصباح مشرق جميل , وأمواج الدجلة تترقرق متهادية , والأطيار تتبارى فوق المياه , وقد جلس التاجر المُترف على مائدة الإفطار التي أعدّها له خادمه , وفيها ما لذ وطاب من الأكلات البغدادية الشهية , ومن حوله جواري القصر الفاتنات.
تنهد التاجر وتساءل عن طعام غير موجود وقد إشتهته نفسه , لأن إحدى جواريه تتلذذ به , فتزداد بشاشة وروعة وبهجة.
فقال لخادمه: ألا تذهب إلى السوق وتُحضر لنا ذلك الطعام؟
قال الخادم: حسنا ياسيدي!!
ركب الخادم الحصان وتوجه إلى سوق المدينة لإحضار الطعام المطلوب , وما هي إلا برهة وقت حتى عاد مذعورا مرعوبا شاحبا يتصبب عرقا , وقد إرتجفت أوصاله وشخصت عيناه , وما عاد يستطيع الكلام بسهولة!!
فتعجب التاجر من أمره وسأله: ماذا حصل؟
فأجابه: سيدي لقد رأيت الموتَ!!
ماذا تقول: رأيت الموت يحدّق بوجهي ويريدني هذه الليلة , رأيت الموت بهيأة إمرأة عجوز شمطاء , تقدح عيونها بالغضب والإفناء , وأخذ يصفها لسيده!!
فردّ عليه سيده: عن أي موت تتحدث , هل جننت؟!!
قال الخادم: الكلام لا ينفع , سيدي دعني أمتطي حصناك القوي وأذهب إلى سامراء , لأهرب من الموت الذي أرعبني!!
قال التاجر: إلى أين؟!!
فأجابه الخادم: إلى سامراء حتى لا ينالني الموت , إنه يتجول في أسواق بغداد!!
ومضى الخادم مخروعا مرتجفا نحو الحصان وامتطاه وركزه بقوة وهو يقول: إلى سامراء هربا من الموت , يا سيدي!!
ومضى بأقصى ما يستطيع من السرعة والجريان!!
تحيّر التاجر , وحملق بوجوه جواريه , وعلامات الإستفهام تدور في خلده , فرأى أن يذهب إلى السوق ويتبين ما أخبره به خادمه , الذي يعرفه أمينا صادقا ويثق به.
وفي السوق شاهد الموت بهيأة تلك المرأة التي وصفها له فسأله: لماذا هددت خادمي وأرعبته هذا الصباح؟!
فقال الموت: كنت متعجبا من وجوده في بغداد , وعندي موعد معه الليلة في سامراء!!
نظر التاجر إلى الموت بدهشة وألم , وهو يقول لنفسه , لا مفر من قبضتك , فكل مخلوق رهن يديك!!
وعاد متوجعا إلى قصره والأحزان ترفرف حوله , وجلس مهموما وسط إستغراب جواريه وقلقهن عليه.
ولا يزال خادمه يغذ السير مسرعا نحو سامراء , وقد تبلدت أحاسيسه وطغى عليه الشعور بالموت , فكان على ظهر الحصان , وكأنه آلة ذات طاقة مطلقة تريد الوصول إلى المدينة قبل الغروب.
وتمكن من دخولها وقد أوشكت الشمس أن تغيب , بعد أن أنهك حصانه وأرهقه أيما إرهاق , وكانت المفاجأة الكبرى , أن وجد نفسه قبالة الموت الذي حاول الهرب منه في بغداد , فتجمد بمكانه وتسمرّ متصملا , وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة , وتهاوى من على ظهر الحصان الذي شرد من هول منظر الموت المتنامى أمامه , وراح يصهل في طرقاتها متفجعا متوجعا , والناس من حوله حيرى بما يبوح به الحصان التائه الأسيان!!
وتقدم الموت لينشب براثنه في قلبه ويزهق روحه , وهو يقول : أوفيت بعهدي , وقمت بواجبي , نعم , إنّ موعدنا في سامراء!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here