إحتلال الكويت على سواحل صور اللبنانية

إحتلال الكويت على سواحل صور اللبنانية

ساهر عريبي

في مثل هذا اليوم الثاني من أغسطس/ آب وقبل ثلاثة عقود, كنت جالسا على ساحل البحر في مدينة صور جنوبي لبنان, أتأمل موجات البحر التي تتكسر عليها اشعة الشمس, فيما هي تضج بالجمال الخلاب الذي يسلب الألباب والعقول, خلق الله الجمال فاودع نصفه في لبنان وترك باقي الدنيا تقتسم النصف الآخر.

لحظات من التأمل فيما أبدع الخالق وأتقن صنعه, لم يعكر صفوها سوى صوت المذياع معلنا دخول القوات العراقية إلى الكويت. صدمنا بالخبر بالرغم من الإرهاصات التي سبقت هذا الحدث, لكننا كنا مقتنعين بأن العراق الذي خرج لتوه من حرب طاحنة مع إيران, أكلت الأخضر واليابس, لن تجرؤ قيادته إن كانت تمتلك ذرة من الحكمة على محاولة تغيير خارطة المنطقة! لكن وقع مالم يكن بالحسبان. انشغلنا بالتحليلات ومآلات الوضع وكان جل اهتمامنا هي خطوط السفر إلى الخارج التي كنا نخشى توقفها!

لكن رجلا يعيش في صور كان له بعد نظر نفتقره! إنه السيد علي الأمين الذي زرناه في مجلسه, وكان غاضبا منزعجا لدى سماعه الخبر. فبدأ بالحديث قائلا إنها كارثة ستلحق بالمنطقة! سيدفع العالم العربي ثمنا باهضا لها, وأخيرا قال إن كل ذلك سيصب في مصلحة إيران! كان الأمين ولايزال مناهضا لإيران ورافعا راية العداء لحزب الله.

فمدينة صور كانت تعيش حينها أجواء حرب إقليم التفاح بين حركة أمل وحزب الله, حرب استعانت بها الحركة بضباط عراقيين كانوا في صفوف فيلق بدر في إيران, لكنهم انشقوا على الفيلق بعد توقف الحرب العراقية الإيرانية واختاروا العيش في سوريا, واستعانت بهم الحركة لتنظيم هجماته العسكرية ضد الحزب. الأجواء متشنجة في صور التي كان يعيش فيها أربعة أقطاب موزعي الولاء بين الحزب والحركة ومنهم من اختار الحياد, لكن الحياد لم يكن مقبولا في ذلك الزمن.

الأمين لا يرفع فقط راية دعم حركة أمل, ولكن يرفع راية معاداة حزب الله وإيران, فيما كان الشيخ نجيب سويدان, مفتي صور في خانة الحركة. وأما السيد محمد الغروي فوقف على الحياد ولكن لم يشفع له سوى توصية السيد موسى الصدر له بالصلاة جماعة مكانه عند غيابه. لم تندك به الحركة لكنها حاولت أن تنتزع منه موقفا فأجاب“ إن للسن أحكامه“.
واما الشيخ علي ياسين القطب الآخر فقد ذم الطرفين قائلا“ أحدهما كحلا للعين والآخر عماها“.

وقبل يوم من احتلال الكويت, خرجت تظاهرة عارمة في صور مناهضة للحزب ولإيران ولازلت أذكر الشعارات التي صدحت في سماء المدينة في ذلك اليوم الحار ” بدنا نحكي عالمكشوف إيراني مابده نشوف“ و ” محتشمي يا عكروت, عقليم التفاح مابدنا نفوت“.
عدنا في ذلك اليوم ومنها إلى دمشق لنبدأ رحلة البحث عن طريق للهجرة التي كانت الشغل الشاغل للعراقيين حينها.

نحاول ان نحافظ على مدخراتنا كي ندفعها للمهربين, فلا عمل في دمشق والسعيد من يحظى بفرصة عمل. وكنت احدهم, إذ التقيت بالصدفة بالأستاذ إبراهيم الزبيدي الرئيس السابق لتلفزيون بغداد الذي فر من العراق هاربا, وكان لديه مشروع لافتتاح إذاعة عراقية مناهضة لنظام صدام, وبدعم سعودي. فاحتلال الكويت قلب المعادلات السياسية في المنطقة وحول صدام من ”حام للبوابة الشرقية للأمة العربية“, إلى خطر يهدد دول الخليج التي طالت صواريخه بعضا من أراضيها. أصبح العدو رقم واحد فيما تراجعت إيران إلى المركز الثاني.

التقيته في مكتب المحامي طيب الذكر المرحوم على العطية, ودخلت معه في نقاش حول مآلات الوضع فاعجب بي وطلب مني ان أعمل مراسلا للإذاعة في دمشق أبعث له كل مايكتب في الصحف السورية بالشأن العراقي, فأسرعت بالموافقة. وفي اليوم التالي وصل الخبر إلى مسامع الحاج أبو إسراء المالكي(نوري المالكي) , وكنت في زيارة لمكتب حزب الدعوة في حي الأمين, وكان عند الباب فسلمت عليه فقال لي سمعت انك تريد العمل مع الزبيدي, فقلت له نعم , إنه معارض للنظام, قال وإن يكن ” يا أبا عارف إنه علماني وأنت محسوب علينا وليس من الصواب العمل معه“! وقد التزمت بنصيحته وفوت فرصة العمل الصحفي بالرغم من أنني كنت مهندسا حينها لكني كنت مولعا بالكتابة.

نصيحة لم يعمل بها السيد المالكي عندما تولى مقاليد الحكم في العراق, فلم يكتف بالتعامل مع العلمانيين وإنما وثق علاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية التي كانت لها اليد الطولى في العراق بعد الاحتلال قبل أن ينقلب عليها ويرتمي بأحضان إيران بعد تراجع النفوذ الأميركي الذي عجز عن فرض أياد علاوي رئيسا للوزراء بالرغم من فوزه بالانتخابات في نجحت إيران في فرض المالكي بالرغم من خسارته. وبالعودة إلى احتلال الكويت, كان شعور سائد حينها بان صدام لن يخرج من الكويت وانها تلقى ضوءا أخضر من اميركا لاحتلالها وخاصة بعد أن التقى السفيرة الأميركية في بغداد, قبل الاحتلال بأيام التي قالت له إن النزاع مع الكويت شأن داخلي عربي!

كلام فسره صدام على أنه ضوء أميركي أخضر, لكنه في الواقع لم يكن سوى فخ وقع فيه صدام , جر فيما بعد سلسلة من الكوارث على العراق وعلى المنطقة وكما توقع حينها السيد علي الأمين. كان ماحصل النكبة الكبرى للعراق التي ولّدت نكبات متسلسلة, اولها الهزيمة العسكرية, تبعتها إتفاقية صفوان المذلة, وإعادة ترسيم الحدود, والدمار الذي لحق بالعراق خلال الانتفاضة الشعبانية والتعويضات والحصار والاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 ولازال مسلسل النكبات متواصلا مع تسلط هذه الطغمة الفاشلة والفاسدة والجاهلة لمقاليد الحكم في بلاد العلم والمعرفة. وتلك هي أكبر النكبات التي خلفها احتلال العراق للكويت.

حدث غير وجه المنطقة, تراجعت بعده الدول العربية واستنزفت مواردها الاقتصادية, وانقسمت بعده الشعوب العربية بعد أن هلل البعض منها للاحتلال بالرغم من كل المآسي التي خلفها على دولة الكويت التي وقفت بجانب العراق خلال حربه مع إيران. عادت عقارب الساعة إلى الوراء وستظل كذلك إذ لا بوادر في الأفق تشير إلى نهضة تتجاوز مآسي الماضي والحاضر لتبني مستقبلا آمنا للأجيال المقبلة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here