المقاطعة الكردية (بايكوت)
بقلم: نعمت شريف
المقاطعة بلا شك حركة جماهيرية سياسية طوعية تهدف الى حرمان دولة او كيان ما من فوائد التبادل الاقتصادي اوالتواصل الاجتماعي والثقافي او جميعها في آن واحد من اجل تحقيق اهداف معينة لحمل الطرف المقاطع (بفتح الطاء) على تغيير سلوكه التجاري او الاجتماعي او الثقافي او العسكري لتكون العلاقة بين المقاطع و المقاطع (بكسر الطاء) اكثر تكافؤا وتعود بالفائدة على الطرفين، اوبالاحرى رفع الغبن عن المقاطع، ونجاحه يعتمد الى حد كبير على جماهيرية المقاطعة.
ليست المقاطعة بالامر الهين لانها عمل سياسي جماهيري وتعتمد بالدرجة الاولى على الوعي السياسي للمجتمع بالدرجة الاولى والارادة الجماعية للمقاطعين، اضافة الى وسائل التواصل المجتمعي. المعلومات والتواصل المستمر قوة لا يستهان بها في وجه الانظمة الدكتاتورية على مر العصور والازمان. ولقد ضاعف الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تأثير تبادل المعلومات على المجتمعات والحركات السياسية بما لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية.
لا شك ان المقاطعة تمثل احد اساليب النضال المهمة والمتاحة للشعوب في الرد على قوى الهيمنة والطغيان، ولا تقل اهمية عن اساليب الكفاح الاخرى كاسلوب النضال السياسي من خلال الاحزاب المنظمة و التظاهرات السلمية وغيرها من النشاطات السلمية (كما فعل مارتن لوثر كينغ في الولايات المتحدة)، او اسلوب العصيان المدني (كما فعل غاندي في الهند)، او اساليب النضال المسلح من حرب العصابات والى حروب المواجهة المسلحة) كما تفعل الحركات اليسارية، والتحررية القومية والوطنية ومنها الحركة التحررية الكردية في جميع اجزائها.
يعتبر العامل الاقتصادي الاهم على الاطلاق في اشعال اوار الحروب بين الدول والشعوب، وبضمنها الحربين العالميتين والحروب الصليبة الى دامت لقرون عدة، وان كانت تحت غطاء الدين. ومن هنا تأتي اهمية المقاطعة الاقتصادية لدولة ما لانها الضربة الموجهة اليها لتصيبها في الصميم. لا تستطيع اية دولة ان تشن الحرب على اعدائها اذا لم تتوفر لديها مصادر تمويل عملياتها الحربية. ولا يختلف الامر بالنسبة للغزو التركي الاخير لاقليم كردستان العراق منذ مايقرب من شهر حيث يقوم العثمانيون الجدد بقيادة اوردغان بحملة شرسة بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني.
تمتلك تركيا ثاني اكبر جيش بعد الولايات المتحدة في حلف شمال الاطلسي، وحملتها هذه على اقليم كردستان تعتبر اكبر حملة عسكرية في تاريخا وقد فاقت في العدد والعدة على حملتها على قبرص والتي ادت في الواقع الى تقسيم قبرص، وهذه حقيقة لا يخفيها الزعماء الاتراك انفسهم وقد اعترفوا لحد الان بأنشائهم اكثر من اربعين نقطة عسكرية على اراضي الاقليم والمناطق المتنازعة عليها، ويبدو من معطيات هذه القواعد العسكرية انها تخطط للبقاء الى امد طويل ان لم نقل بشكل دائم.
في الوقت الذي نعتقد جازمين بان الحملة الشعواء تمثل محورا مهما من محاور التوسع التركي لاسترداد ما فقدته الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الاولى، تحاول تركيا السيطرة على مصادر الطاقة الكردية-العراقية للنهوض باقتصادها المتدهور يوما بعد يوم وتمويل حملاتها التوسعية وتواجدها في مناطق شتى من الشرق الاوسط فمن سوريا والعراق والى قطر وليبيا وغيرها من بلدان الشرق الاوسط تمهيدا لعثمنتها. ولقد وصلت تدهور قيمة العملة التركية حتى وصلت الاسبوع الماضي الى 8.30 ليرة تركية لليورو الواحدة، و 8.25 ليرة للدولار الواحد.(*)
ما جدوى المقاطعة الكردية او فعاليتها بوجه النظام التركي؟
لسنا في معرض المقارنة بين العمل العسكري واسلوب نضالي جماهيري سلمي يحتاج الى الوعي السياسي والمثابرة والنفس الطويل ليأتي نضالهم أؤكلها. وكأي اسلوب نضالي جماهيري لا بد ان يتضمن العناصر التالية:
1. تشخيص العدو تشخيصا صائبا وتشخيص اهداف العمل الجماهيري (المقاطعة)
2. توعية الجماهير وتحفيزها بالتنظيم والتواصل ونشر المعلومات الصحيحة لكسب المصداقية لدى الجماهير وشد عضدهم على الاستمرار.
3. “تدريب” الجماهير على النضال السلمي طويل الامد، وهذا لا يأتي الا عن طريق القناعة التامة بالاهداف ومصداقية العمل الجماهيري حتى تتحول الحركة الجماهيرية المقاطعة للعدو ذاتية الحركة وتستمر باتجاه تحقيق الهدف.
4. المقاطعة كاسلوب نضالي لا ترتبط بالحكومات ولا تعتمد عليها ، وان اي تعاون مع الحكومة يجب ان يكون بدون قيد او شرط لاسباب عدة لسنا في معرض سردها هنا..
ولهذه الاسباب نعتقد ان مقاطعة الكرد للبضائع التركية قد تقدمت خطوات طيبة الى الامام، ولكن لا يزال الطريق طويلا امامها لتستطيع هذه الحركة ان تنجز اهدافها، ولا تزال سوح النضال مفتوحة امام الجميع حيث لا يزال قطاعات واسعة من الكرد غير مبالين بدعوى انها غير فعالة، وتبرز هنا اهمية العمل الجماهيري لتغيير هكذا مفاهيم خاطئة. واما اولئك الذين ينتظرون المشاركة او بالاحرى تفعيل حسهم الوطني باوامر وتعليمات حكومية فهم بالضرورة قاصروا الوعي ولا يستطيعون المشاركة الا بعد شحذ وعيهم السياسي والاجتماعي. ان الذي يؤدي دوره في المقاطعة او اي عمل جماهيري لصالح قضيته الوطنية فهو بالضرورة مواطن جيد ويتعاون مع الحكومة، ولا يمكن لاية حكومة ديموقراطية ان تفرض على مواطنيها ان يبتاع هذه البضاعة او ان يسافر على متن طائرة كذا او ان يصطاف هنا او هناك على سبيل المثال لا الحصر.
على مدى عقدين كانت الشركات التركية تتهافت على العمل في اقليم كردستان وكنت اينما تذهب تجد العمال الاتراك، وكان الكثيرون يعتقدون ان التعاون الاقتصادي سيمهد الطريق لعلاقات افضل، ولكن العمليات العسكرية المتكررة والتخطيط لبقاء دائم اثبت العكس، اي ان ازدهار ا لاقتصادي التركي يجلب الويلات على شعب الاقليم والكرد انى كانوا. لا بد لنا من وقفة هنا وهي ان المقاطعة الكردية رغم محدوديتها تمثل نقلة نوعية في الوعي السياسي الجماهيري الكردي وتمثل بداية لانعطاف تاريخي في العلاقات الاقتصادية بين الاقليم وتركيا وبغض النظر عن العلاقات الرسمية بين حكومتي الاقليم والعراق من جهة وبين تركيا كقوة اقليمية عسكريا واقتصاديا. لقد الحقت المقاطعة ومن دون شك اضرارا كثيرة بالاقتصاد التركي منها هبوط مستوى استيراد البضائع التركية الاستهلاكية وغير الاستهلاكية، ومقاطعة الخطوط التركية، والاهم رحلات الاصطياف والترفية الى تركيا. ولا نستبعد ان تكون المقاطعة احد الاسباب التي ادت الى تسارع تركيا في حملتها الشعواء لبسط هيمنتها على المصادر الاقتصادية في الاقليم والمناطق المجاورة له. ولذلك نجد انه من الضروري العمل على:
توسيع القاعدة الجماهيرية واستعمال وسائل الدعاية والاعلام الحديثة لرفع مستوى الوعي الجماهيري والتأكيد على اهمية العمل الجماعي السلمي للوصول الى الاهداف المنشودة.
تشكيل لجان ادارية في اقطار مختلفة – لتكون محاور للنشاطات في جميع اجزاء كردستان وخارجها حسب الحاجة والظروف والتطورات السياسية في المنطقة والعالم.
الاستفادة من جهود الاختصاصيين- لاجراء الدراسات الميدانية والاكاديمية، على سبيل المثال:
يمكن لخبيراقتصادي دراسة مدى تأثير المقاطعة على الاقتصاد التركي، او دراسة مدى استفادة الاقتصاد الوطني لاستعمال المنتوجات المحلية بدل المستوردة. وكذلك مثلا يمكن الاستفادة من خبير في الدعاية والاعلام لوضع الخطط لكيفية الوصول الى اكبر عدد ممكن لتوسيع القاعدة الجماهيرية، وغيرهما من جوانب العمل الوطني التطوعي.
البحث عن والاستفادة من تجارب الاخرين، كالتجربة الارمنية مثلا. ورغم ان المقاطعة كاسلوب نضالي لم تنل ما تستحق من البحث والدراسة والتوثيق، ولكن يمكن ان تكون تجارب الاخرين مصدرا مهما للمعلومات، لان التجربة في التعلم والتعليم عملية تراكمية لا بد من الاخذ بنواصيها للحاق بركب العالم المتحضر.
المصادر:
(*)Wolf Street, Foreign investors are fleeing, worried about surging inflation, deeply negative real interest rates, and a central bank unwilling to crack down on inflation. By Nick Corbishley “This week, it sank to a record low of 8.30 lira to the euro and closed on Friday at 8.25. This three year chart also shows the currency crisis in August-September 2018”