جرائم “حماة العرض والشرف” في العراق

كاريكاتير ثورة العراق / حجاج

هزّ فيديو بثته مواقع التواصل الاجتماعي العراقيين في داخل بلدهم وخارجه، يظهر فيه صبي يتيم الأب، لا يتجاوز الستة عشر عاما، نحيفا محاطا بخمسة عناصر عسكرية، بينهم ضابط، من قوات حفظ القانون، وهم يهينونه بخلع ملابسه بالكامل وتقطيع شعره وإجباره على وصف جسد والدته بعبارات خادشه للحياء، ثم ضربوه. مشهد الإهانة الذي تعرّض له الفتى واحد في سلسلة لا نهاية لها من إهانات تتوالى على الشعب العراقي وأبنائه، فقبل أسابيع اغتيل المحلل السياسي، هشام الهاشمي، وقبله صحافيون. وشهدت ساحات في بغداد وغيرها من مدن العراق، منذ أكتوبر/ تشرين الأول، اغتيال أكثر من ألف شاب من المتظاهرين السلميين. وهناك عدد هائل من السجناء والمغيبين والمخطوفين في سجون حكومية، وسجون تابعة لعصابات المليشيات الولائية، أظهرت قنوات تلفزيونية أهاليهم وأطفالهم يبكون، ويطالبون رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، بالإفراج عن أبنائهم الذين يقبعون في السجون منذ سنوات بدون تهم، إلا أنهم ينتمون لمناطق معينة في العراق، بل أخرج ناشطون صورا سابقة، أكثر إيلاما مما شوهد في الفيديو أعلاه، تعذيب أطفال وقتلهم لمجرّد فعل القتل، أحدهم من الموصل تم سحقه تحت دبابة. ونشر عراقيون لقطاتٍ سابقة لأطفالٍ، تم تعذيبهم وقتلهم في الموصل والأنبار، مع تعليقات يتساءلون فيها عن أوضاع السجناء والمعتقلين والمغيبين في سجون الحكومة والمليشيات، وكيفيات التعامل معهم؟

ما يحدث في العراق من نماذج هذا المشهد المهين للإنسان وللكرامة يتكرّر مرات عديدة يوميا في الأحياء والمدن، وفي الساحات، وفي مراجعات الدوائر الحكومية، وخصوصا في السجون المكتظة بالأبرياء والمعتقلين من دون تهمة، وإنما تم احتجازهم لأصولهم المناطقية، بدليل أرقام السجون، وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية، منها منظمة العفو الدولية، وكذا الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

لم يعد من الصعب على أي عراقي اليوم، وبعد سبعة عشر عاما من الاحتلال، أن يلمس أن جرائم القوات الأمنية الحكومية، بمختلف تسمياتها وملحقاتها من المليشيات، ضد العراقيين، منهج، وليست تعاملا فرديا. بل هي عقيدة أحزاب العملية السياسية التي جاء بها الاحتلال الأميركي، بعد اجتثاث الجيش العراقي السابق وإبادته، بحجة الطائفية، وزج أكثر من مليون عراقي في السجون، بدأت التأسيس لجيش ضعيف، وتقوية مليشيات جاءت من إيران، والتأسيس لمليشيات جديدة تابعة للحرس الثوري الإيراني لحماية النظام. وليس هذا فحسب، بل يدعو معمّمون ظهروا بعد الغزو الأميركي القوات الأمنية والعسكرية، في كل مناسبة، إلى قتل كل من يرفض العملية السياسية ويريد الانقلاب على الحكم، عملا بأكثر الأقوال تعبيرا لهذه الحالة قول رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الذي طردته الولايات المتحدة من منصبه: “بعد ما ننطيها”! بل تستمر الحكومات بعد المالكي على نهجه، خصوصا بعد تشكل الحشد الشعبي، وتمدّد المليشيات التي أسسها قاسم سليماني، والمرتبطة بالحرس الإيراني، والمسمّاة الولائية، وتتويج رئيس الوزراء المقال، عادل عبد المهدي، هذه الفصائل في العراق واعتبارها أهم من الجيش العراقي، والمدافع الأول عن الحكم ضد الشعب. وقد تأسست، في أثناء رئاسة عبد المهدي الحكومة، قوات حفظ القانون التي اعتدت على الصبي القاصر وأهانته، من العناصر الولائية وعناصر جيش المهدي التي عاثت فسادا في أولى سنوات الاحتلال. ومن مكتبه الذي يترأسه أحد أتباع المعمّم علي الشهرستاني في قم، باعتراف رئيس الحكومة الأسبق، إياد علاوي، خرجت أوامر القنص والقتل والاختطاف، وفي مقدمتها اختطاف الفتيات المتظاهرات من مسعفات وطبيبات، وتعذيبهن والاعتداء عليهن وقتلهن. هؤلاء هم قتلة ما يزيد على ألف متظاهر سلمي، ومختطفو أكثر من سبعين متظاهرا، في ساحات تحرير العراق. وعلى الرغم من ذلك، يُصدر رئيس الوزراء أو وزارة الداخلية أو قادة المليشيات بيانات تسمي ما يجري أعمالا فردية، أو طرفا ثالثا، وسمّاها الكاظمي أشباحا! والأدهى أن مليشيات القتل هذه ما تزال تتبجّح بأنها حامية أعراض العراقيين وشرفهم. وهذه نغمة بدأت ولم تنته، منذ إعطاء قائدهم العسكري العام، نوري المالكي، بالتنسيق مع قائد الحرس الإيراني المغتال قاسم سليماني، والاحتلال، الأوامر بانسحاب فرق الجيش من الموصل، وإدخال مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إليها، وتدميرها هي والمدن الغربية الكبيرة العصية على الإخضاع.

اقترفت حكومات العملية السياسية السابقة لحكومة الكاظمي جرائم منظمة، يعد بعضها جرائم حرب، بحق الشعب العراقي، وكل منها تستر عليها أمام الشعب بإنشاء لجان تحقيق توضع نتائجها على الرفوف وتهمل تماما. والبادي أن الحكومة الراهنة تسير على خطى سابقاتها، بدليل رد الفعل على جريمة الصبي. بسرعة أمر رئيسها، مصطفى الكاظمي، بإجراءات متناقضة هزيلة، بتشكيل لجنة تحقيق لمعرفة ما ارتكبته بالضبط قوات حفظ القانون. بعدها بُثّ فيديو يظهر فيه رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، يشاهد فيديو الصبي، ويأمر بإحضار العسكريين الذين أهانوا الطفل لمحاسبتهم. وفي اليوم التالي، جرى عكس كل هذه الإجراءات، وبمخالفة صريحة للقانون العراقي الخاص بمعالجة شؤون الأحداث، إذ بثت وزارة الداخلية فيديو لشقيق الصبي، المتهم بسرقة عجلة، مدعية أنها للصبي نفسه، وذلك بغرض التشويش على الجريمة، واحتواء غضب العراقيين وخروجهم متظاهرين ضد الفعل المشين بحق صبي. ولا يقل تصرّف وزارة الداخلية هذا إهانة للعراقيين عن مشهد الصبي المهان، وغيره من الجرائم التي تستمر على أيدي من يسمّون أنفسهم “حماة العرض والشرف”.

وحده شباب الشعب العراقي، الثائر منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قادر على إيقاف هذه الجرائم، ووضع حد لحكومات الجريمة المنظمة بحق العراق، وقد أعلنها الشباب صراحة، بمناسبة فيديو إهانة الصبي، حينما قال أحدهم: ليتركنا الكاظمي أمام هذه المليشيات، ونحن نعرف كيف نخلص بلدنا وشعبنا منهم. وقد انتصر شباب ساحات التحرير على الطغمة المليشياوية منذ بداية الثورة، وعزلوها تماما، ولم يبق له إلا تنظيف العراق من رؤوسها، وإحالتهم إلى العدالة، لينالوا جزاء ما فعلوا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here