مسرح المنبر … أداة للتغيير الأجتماعي
(أستخدام المسرح لبيان العلاقة بيم المضطهدين (بكسر الفاء) والمقهورين في المجتمع)
ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد [email protected]
بقلم: نعومي جوزيف * Naomi Joseph
من الصعوبة بمكان أيجاد مكان أمين يتيح لنا الفرصة لمشاركة مشاعرنا الشخصية حول التحديات التي نواجهها في المجتمع وتأثيراتها المتوقعة علينا.
أننا في الوقت الحاضر نتلقى الكثير من المعلومات عبر وسائل الأعلام ونشعر بالأحباط حين نحاول التحدث مع القادة أو أصحاب القرار حيث نشعر بعدم الأصغاء ألينا وبأننا غيرقادرين على احداث تغييرما!
أنطلاقا من ذلك يمكن للمسرح أن يكون متنفسا كبيرا لنا نعبر من خلاله عن مشاعرنا وننقل فهمنا حول الأشياء التي تحصل لنا في حياتنا. ويساعد المسرح أيضا على أطلاق حوارات بين مجموعات من الناس مما يمهد السبيل لأحداث تغيير أجتماعي أيجابي.
ويعتبر مسرح المنبر Forum Theater واحدا من الأساليب التي يمكن أن تؤدي الى تحقيق مثل هذا الهدف.
ماالمقصود بمسرح المنبر وكيف نشأ؟
مسرح المنبر أحد الأشكال المسرحية التي تهدف الى التحري عن العدالة الأجتماعية. وقد أستنبط هذا النمط من المسرح أحد ممارسي المسرح وأسمه (أوغستو بوال) Augusto Boal الذي اسس (مسرح المضطهدين) Theater of the Oppressed ، وهو نمط مسرحي يستخدم مختلف الأساليب التفاعلية التي تعمل على أحداث التغيير الأجتماعي وتشجع عليه. ويهتم مسرح المنبر بشكل خاص بالعلاقة في مابين المضطهدين (بكسر الهاء) والمقهورين في المجتمع. والطرف الأول في المعادلة هنا يمكن أن يكون شخصا ذا سلطة أو نفوذ يمارس هيمنته على شخص أخر مستضعف مما يؤدي الى سوء أستخدام تلك السطوة. والشخص المعرّض للأضطهاد يعامل عادة بشكل غير منصف ولاتتوفر لديه الفرصة أو الحرية ، فعلى سبيل المثال ربما يتصرف صاحب العمل بقسوة مع أحد المستخدمين أو العمال العاملين لديه. من هنا يساعدنا مسرح المنبر على تبني ردود الفعل وكذلك الخيارات المناسبة لمواجهة مختلف أشكال الأضطهاد.
أن بمقدورنا أن ندرس صراعاتنا الأجتماعية ونطرح تساؤلات حول العوامل التي تحول دون تأجج تلك الصراعات. ترى أية أنظمة وبنى تعمل على تحفيز مثل تلك الصراعات وتجعلها أكثر حدة بحيث يصعب التغلب عليها؟ هنا يأتي دور مسرح المنبر حيث يمكننا أن نتحرى بفاعلية عن كيفية تغيير أفعالنا وردود أفعالنا نحو الأفضل وأحداث تغييرات أيجابية.
كيف يتحقق ذلك؟
تبدأ فعالية مسرح المنبر بأداء مسرحي حي تظهر فيه شخصية ما تتعرض للأضطهاد بشكل من الأشكال. فعلى سبيل المثال يمكن أن يتضمن أحد المشاهد تعرض شخصية ما الى معاملة قاسية من جانب صاحب العمل. وربما يشتمل العرض على مشاهد تجسد تحديا يؤثر على الأوضاع المستقبلية لتلك الشخصية حيث يمكن أن يؤدي ذلك الى خسران الوظيفة مما يترتب عليه عدم القدرة على دفع الفواتير وبالتالي فقدان المسكن ليفضي ذلك لاحقا الى فقدان السيطرة.
وفي مسرح المنبر لايقتصر دور المنبر على المشاهدة فحسب أنما يتعداه الى تقمص دور الممثلين المشاركين حيث يراقب الجمهور الأداء المسرحي مرة أخرى ويكون بمقدورهم عندئذ أيقاف التمثيل في أي وقت. والشخص الذي يطلب أيقاف العرض مؤقتا ياخذ دور الشخصية الرئيسية مثلا حيث يدعى لتجريب نمط جديد في الأستجابة الى موقف ما أو عقبة ما لنتبين ماأذا كان موقفه يمكن أن يؤدي الى نتيجة مختلفة.
وبغية الحصول على فكرة أوضح عن الجانب العملي لمسرح المنير يمكن تصفح الموقع الألكتروني Cardboard Citizens Performance of Rising. وعبارة Cardboard Citizens تشير الى الممارسين البريطانيين الأساسيين لمسرح المضطهدين وهم يؤدون أدوارا مسرحية بالأشتراك مع مشردي الشوارع أو يخصص التمثيل لهم حيث يعالجون قضايا أجتماعية مختلفة ، وتعقب الأداء المسرحي في العادة فرصة للحوار والتفاعل.
أن مايميز مسرح المنبر من جمال وتحدي هو عدم وجود أجابات. ورغم أن (الممثلين / الجمهور) ربما يجربون طرقا مختلفة لمعالجة قضية ما فأن البنى الأجتماعية تعني في بعض الأحيان أننا نصل الى النتيجة ذاتها أو أننا نواجه أعمال قهر مختلفة يصعب علينا تماما التغلب عليها.
المشاركون المحتملون
غالبا ماتقوم بعض الجماعات أو الأفراد بتأسيس مسرح المنبر تحت تأثير أوجه جور أجتماعية محددة. ولايحتاج المشارك في هذا المسرح أن يكون متمرسا في التمثيل أو المسرح ، فحين تدعو الحاجة للتدخل فأن المنبر يرحب بأفراد الجمهور للأسهام من خلال الأستجابة الصادقة لموقف معين فربما تحدوك الرغبة للمشاركة بسبب خبرتك الشخصية في بعض القضايا المطروحة أو أنك ناشط وتود التحري عن بعض اوجه الظلم في المجتمع. وبصرف النظر عن الخلفية التي تنحدر منها فأن الأمر يتعلق بمشاركتك لمناقشة مواضيع معينة والتحاور مع جماعات نشعر بالتعاطف معها.
مكان مسرح المنبر
يمكن أن يؤدى التمثيل الخاص بمسرح المنبر في عدد من البيئات أبتداء من الأماكن المسرحية التقليدية الى الصالات الأجتماعية وكذلك في المدارس والسجون. وتؤدى تلك الأعمال المسرحية في الغالب لجمهرة من المشاهدين في بيئات ذات صلة مباشرة بالقضايا المطروحة ضمن الأداء المسرحي. فأذا كان التمثيل يتناول التشرد على سبيل المثال فأنه يمكن أن يؤدى داخل أماكن مبيت الشباب أو في مأوى للمشردين وكذلك في القاعات الأجتماعية أو أحدى قاعات المدينة.
فوائد مسرح المنبر
يعمل هذا النمط من المسرح على توحيد جهود الأفراد بهدف خدمة قضية مشتركة ، كما أنه يرحب بمشاركة الأشخاص الذين يتبنون وجهات نظر مختلقة حول القضية ذاتها. ولربما يكون بعض الناس قد مروا بتجارب تشبه مايجري تمثيله على المسرح أو قد يكونوا من المحترفين الذين يعملون مع المجموعات أو الأفراد الذين تعرضوا للقهر.
وبسبب صعوبة أحداث التغيير الأجتماعي فأن منتديات مثل مسرح المنبر يمكن أن تسفر عن حوارات حول مثل هذا التغيير. أن بأمكاننا أن نتطلع الى الخدمات والعون المهني المتيسر وأن ندرس بأمعان التغييرات العملية التي يتحتم أحداثها بهدف جعلها في متناول الناس الذين يحتاجون أليها.
خبرتي الشخصية
أنا أعمل في مجال المسرح بصفة ممثلة وكاتبة ، وأنا أؤمن بأهمية العمل مع الجماعات والأفراد من خلال أداء مسرحي يحفز الحوارات ويدفع للتفكير بالطريقة التي نمارس فيها حياتنا في المجتمع.
وكانت آخر أعمالي في مسرح المنبر قد جرت مع المجموعة الموسومة (التدرب على الثورة) Rehearse the Revolution. وقد شاركت في ورشة عمل أستمرت يومين أتيحت لي فيها الفرصة للتواصل مع أفراد من مختلف الطبقات والمهن بعضهم لم يكونوا يعرفوا شيئا عن مسرح المنبر وبعضهم ينتمون الى خلفيات مهنية ويعملون مع مختلف الجماعات المعرضة للقهر.
لقد تعلمنا مختلف أنواع اللعب والأساليب التي تساعدنا على العمل معا بصفة جماعية. كما أنها ساعدتنا على التحرر والتحلي بالوعي الذاتي. لقد مثّل الأمر توازنا كبيرا تمثل في الأستمتاع بتجربة العمل الأبداعي المشترك مع تذكر أهمية القضايا التي نتحاور بشأنها في الوقت ذاته.
وتناولت أحدى مسرحيات المنبر موضوع التشرد ومختلف أشكال القهر التي يمكن أن يواجهها الشخص والتي يمكن أن تؤدي بالمرء الى أن يكون مشردا. وكان جمهور الحضور من مختلف الأوساط الأجتماعية. وقد تمخضت مشاركاتهم عن حوارات عميقة حول أحكامنا السبقية وتفاعلاتنا مع الناس المشردين وكذلك مايتعلق بفهمنا وأدراكنا لقضايا التشرد.
و جماعة (التدرب على الثورة) مجموعة واعدة ونشيطة وهي متاحة للأعضاء الجدد الذين يودون معرفة الكثير من هذا الشكل الجديد والمهتمين كثيرا بأحداث التغيير الأيجابي.
ويبدو أن رحلتي مع مسرح المنبر قد أبتدأت للتو وأنني أستمتع بكل دقيقة أمضيها في هذا المسرح.
—————————————————————————————————-
* تعمل نعومي جوزيف منتجة مسرحية وكاتبة وهي تكتب عن الضياع والحزن. في الآونة الأخيرة أدرج فلمها الموسوم (معايير) Criteria ضمن الأفلام المتنافسة في تسعة مهرجانات وحصل على جائزة في المهرجان العاشر.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط