قراءة في كتاب أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث : الحلقة الثانية : ضرب التحالفات الكبيرة

قراءة في كتاب أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث : الحلقة الثانية : ضرب التحالفات الكبيرة

علي الابراهيمي

الكتاب : أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث

تأليف : Stephen Hemsley Longrigg \ 1893 – 1979 م – المفتش الإداري البريطاني في الحكومة العراقية

ترجمة : جعفر الخياط – 1910 – 1973 م

مراجعة : مصطفى جواد – 1904 – 1969 م – مؤرخ ولغوي عراقي

الكتاب في الغالب نقل حرفي لكتابات الاتراك انفسهم , الذين كانوا يمجدون السلاطين والولاة والضباط ذوي النفس العسكري البحت , كما هي الروح البدوية التركية باستمرار . سوى بعض الإضافات التي انشأها المؤلف , وبعض توضيحات المترجم والمراجع وهم من العرب . ومن ثم فنحن بين مبالغة تركية في بناء مجد حضاري من الوهم على واقع عسكري غير مدني ومتخلف جدا , وبين إضافات أوروبية غريبة لا تعي واقع فكر وجذور الشرقيين لاسيما العرب وتنظر لهم على انهم جميعاً اقرب الى البداوة ولا تعرف شيئاً عن نواياهم واسرارهم المعرفية والاجتماعية الواقعية , وبين مجاراة عربية لما هو مكتوب في زمن لم تبن خيوط فجره البحثي التحقيقي بعد , اذ كان عصراً سردياً تقريبا .

فكانت فكرة تحليل تلك النصوص امراً يحتاج الى تأمل , وتجاوز لتلك الصور , والعبور فوق النص الى فضاء ذلك العصر وما قبله او حتى ما بعده .

لقد كان الاوربيون يستخدمون الطرق غير المشروعة من خلال الرشوة والدعاية المغرضة وينشرون الفساد للربح في الشرق المسلم , وخلال المنافسة بين البرتغاليين والهولنديين والإنجليز في القرن السابع عشر شهدت أسواق المنطقة ومنها العراق ظواهر الغش والتلاعب الممنهج واقبح صورة الانانية التجارية .

وقد سبق البرتغاليون الى المنطقة الشرق أوسطية بسبب الامتيازات التي منحتها لهم الحكومة الايرانية , ثم الهولنديون , فيما وصلت اول تجارة بريطانية الى البصرة عام 1635م .

وقد تسبب التنافس بين اسرة افراسياب واسرة ال شبيب ( السعدون ) والخيانات المتكررة من أبناء هذه الاسر لمناطقهم او حكامهم في انهيار واحدة من اهم الامارات العربية الحرة المستقلة في المنطقة . وهذا ناشئ على ما يبدو من حسد ال شبيب لنفوذ ال افراسياب . رغم ان حكم ال افراسياب كان مدنياً وحكم ال شبيب كان قبلياً يستغل القبائل .

وقد كان تذبذب ال شبيب وتغير ولائهم سبباً في انهيار امارة البصرة كما انهم لم يكونوا يملكون رؤية سياسية او إدارية او اقتصادية وانما هي اسرة قبلية تعمل بموجب الانفعال المادي الاني .

كما ان فشل الاسر العربية في دولة الحويزة المشعشعية في الاهواز ودولة البصرة الافراسيابية في انشاء شكل من اشكال الوحدة والامن المشترك وفشلهم في اقناع القبائل التي خضعت لتأثيرات ال شبيب ان تنضم الى تحالفهم وتبتعد عن هذه الاسرة وانحسار دور قبيلة بني اسد القيادي وضعفه – والتي كانت تسكن في منطقة اهوار الجزائر المركزية في منتصف هذه الامارات – وغياب المرجعية النجفية عن الحراك في هذه المنطقة الشيعية بسبب استيلاء او نفوذ الاسر الاميرية او الباشوية السنية – التي أقامها العثمانيون وجاء بها المال – كل ذلك افضى الى انهيار الامارات العربية الجنوبية في العراق وخسارته اكبر مراكزه التجارية وواحدة من اهم مراحل الحكم المدني .

وكانت قسوة وسوء إدارة العثمانيين الفاتحين لهذه الامارات من جديد وفسادهم قد تسببت في انتشار الطاعون والفقر في جنوب العراق وفقدانه لاهم مدنه في الجنوب الخليجي مثل الاحساء والقطيف . وقد كان المظهر العام للدولة العثمانية اسهم في صعود نجم القبائل غير الشيعية والتي كانت في معظمها بدوية .

لقد شهد القرن الثامن عشر زيادة أطماع الباشوات الاتراك في كل بلاد المسلمين ومنها العراق وسرقتهم الثروات بشكل فردي او جماعي شخصي او رسمي , ولم تكن أعمالهم سوى صدى لحملاتهم العسكرية ضد القبائل الثائرة رفضاً لجورهم وتخلفهم الإداري , وفي العراق كذلك شكاية من طائفيتهم الغريبة المدمجة بالسياسة , وكانت أعمالهم الإدارية في شمال العراق اكثر استجابة لإرادة حلفائهم من البكات الاكراد الذين يستعين الباشوات بقبائلهم كجيوش لقمع الثورات في الجنوب . سوى الاكراد الإيرانيين كالأردلانيين الذين كانوا اكثر نظامية واستقلالية من اكراد شمال العراق القبليين .

وقد شهد العراق ثورات ضخمة متتالية بقيادة قبائل كبرى مثل تحالف بني لام ( طي ) الكبير على طول المنطقة الشرقية للعراق المعاصر , وتحالف الخزاعل ( خزاعة ) الذي انضمت اليه بعض قبائل شمر وعنزة في الفرات الأوسط , وكذلك تحالف المنتفك ( النخع وبنو اسد والموالي النبط ) رفضاً للتخلف الإداري والحضاري التركي العثماني , الامر الذي دفع الكثير من القبائل الأخرى للثورة مثل الحميد في شمال ذي قار وزبيد في وسط العراق .

فشهد هذا القرن حملات عثمانية قاسية ضد جميع هذه القبائل من خلال الاستعانة بجيوش الولايات العثمانية غير العراقية والقبائل الكردية وقبائل الصحراء العراقية مثل بعض قشعم وعنزة لتزدهر البداوة بشكل كبير من اجل مصلحة الباشوات العثمانية .

وكان الكتّاب الاتراك ومن ينتمي الى اسرهم او رعايتهم يحاولون تصوير تلك الحملات بانها على قبائل لصوصية , فيما ان السارق الوحيد للثروة هم الباشوات العثمانيون , وان المسروق الوحيد هي تلك القبائل المالكة للأرض العراقية , فيما جعلت تلك الأقلام من تلك الحملات العسكرية الجائرة اعمالاً بطولية ومدعاة فخر وذكر لأمثال حسن باشا والي بغداد وابنه احمد الذين وليا العراق كله تقريباً مع اسرتهما القريبة والبعيدة بشكل شبه مستقل منذ دخول القرن الثامن عشر , على الرغم من ان الطاعون كان ينتشر من بغداد الى مناطق مختلفة من العراق , وكان الشعب يزداد فقراً وتزداد الامية بسبب قلة الاستقرار وضعف الأمان .

فيما شهد الصعيد الرسمي حملة حكومية لبناء المدارس الدينية على مذهب العثمانيين وفتح الباب واسعاً امام المبشرين المسيحيين الاوربيين والذين عرفوا بخلاعتهم مما تسبب بثورات شعبية جديدة كما في ولاية البصرة .

فيما لم تكن تعي دولة نظامية شيعية مثل الحويزة المشعشعية في الاهواز خطورة ما عليه الوضع الشيعي , فكانت تزيد من ضعف تحالف قوي مثل تحالف بني لام بحملات عسكرية كبيرة ضده بسبب قلة الارتكاز المعرفي الذي صاحب تكوين هذه الدولة من الأساس .

فيما كان زعماء تحالفات مهمة في الجنوب مثل زعماء المنتفك من ال شبيب يشعرون بغربة داخل تحالفاتهم بسبب اختلافهم المذهبي والحضاري عن قواعدهم العسكرية , فكان تذبذبهم بين السلطان العثماني والرفض الشعبي يضعف الجانب الشعبي .

وقد حاول العثمانيون في تلك الفترة إسكان وتوطين القبائل لتحقيق مكسبين : زيادة القبائل البدوية السنية في محيط المدن الشيعية , وتقليل خطر القبائل الشيعية السريعة الحركة .

وفيما كانت ايران في العهد الصفوي تعيش حالة من الرفاهية والرقي الفني والعمراني وهذا ما كان يمنح العراق فرصة للتنفس احياناً بسبب علاقاته بها , سقط كل ذلك على يد قبائل بدوية جافة الحضارة وقاسية جدا هي قبائل الغلزاي الجبلية الأفغانية بقيادة محمود خان بن ويس القادمة من مدينة ( قندهار ) التي ما زالت تنتج التطرف والبداوة الحضارية حتى الحين , ولم يكونوا يفقهون انهم ما اسقطوا دولة بل حضارة , وقد كانوا مذهبيين طائفيين كالعثمانيين وعلى عقيدتهم وقد قتلوا الالاف ولم تكن لهم مقومات الحضارة .

وكان العثمانيون يحتلون البلاد الشيعية بفتاوى سياسية مبطنة من علمائهم تستغل الطائفية استمراراً على نهجهم منذ زمن العباسيين , وبهذه الفتاوى اعلنوا الحرب على ايران في ذلك القرن مستغلين سقوطها بيد الأفغان , لكنهم كانوا يواجهون حينها عدواً سنياً على الأرض , فبدأت حرب الدعايات والفتاوى والفتاوى المضادة , حتى تم تقسيم البلاد بينهم .

وقد أظهرت الحرب العثمانية الأفغانية في ايران في النصف الأول من القرن الثامن عشر حقيقة ما كانت عليه الدولة العثمانية من طائفية وما كانت عليه قندهار كذلك وهذا ما انتج موقفهم اليوم . وفيما رفض الاكراد السنة في الجيش العثماني مقاتلة إخوانهم من السنة الأفغان وجنحوا الى السلم , فهم الاكراد الشيعة في ايران ان الطرفين يحاولون اقتسام الحضارة الشيعية فارتأى الاكراد اللريون التواصل مع تحالف بني لام وزبيد في الأراضي العراقية الشيعية , الا ان تشتت الامارات الشيعية بسبب قلة وعي قادتها وعدم وجود إستراتيجية حماية واحدة اضعف الجميع . وكانت السيطرة الأفغانية التركية بداية انهيار المدن الشيعية .

وقد كان الشيعة العرب يرفضون الخضوع لاي الحزبين العثماني او الصفوي بسبب الانفة العربية وكل ما ارادوه هو الاستقلال والالتفات الى مدنهم , لذلك لم يستجب اميرا الحويزة وبني لام لأوامر نادر قلي صاحب حصار بغداد للصفويين ضد العثمانيين باحتلال البصرة رغم ان ذلك استراتيجياً كان سيقوي الموقف الشيعي العام بل رجعا الى بلادهما .

وقد كان ذلك القرن قرن الفاتحين احمد باشا من الطرف العثماني , ونادر قلي من الطرف الصفوي , والأخير هو الذي انهى سنوات الغلزاي الأفغان العشر في ايران وانهى سلطتهم الى الابد وأعاد بناء الدولة الصفوية وتحريرها من العثمانيين .

وقد كانت الحروب العثمانية الصفوية في هذا القرن منطلق الانقسام العربي في العراق بين سني وشيعي , بسبب اعتماد العثمانيين على تأجيج الطائفية الدينية وارتكاز الصفويين عليها . وكان الكتاب والمؤرخون الاتراك يجيدون فن تشويه الحقائق الذي ورثوه منذ زمن العباسيين واستمر في ورثة سلطانهم الى القرن الميلادي الحادي والعشرين , فجعلوا من نقض العثمانيين لاحد اهم شروط معاهد الصلح الكبرى لعام 1736م في عام 1741م – وعند انشغال نادر شاه قائد الصفويين في حروب الهند – بإعادة اعلان السلطان العثماني ان الشيعة غير مسلمين وانهم مارقون ومباحون لأهل السنة – كما كان رأي العثمانيين قبل انتصارات نادر شاه عليهم – جعلوه نقضاً بسبب مطالب للشاه – لا يستسيغها العقل – من طلبه ديار بكر وارمينية وقطع العثمانيين لعلاقتهم بالمغول وهدم اسوار بغداد , وهي لاشك دعاية اوجدها الاتراك ونقلها من بعدهم ليجدوا مبرراً لجورهم المذهبي وطائفيتهم التي لم يستطيعوا كبت شرورها لخمس سنين فقط , وقد قامت دولتهم من قبل على تأجيجها وشراهة البدو .

ورغم ان قوات الدولة الصفوية بقيادة نادر شاه تجوب العراق من البصرة حتى بغداد وكركوك والموصل وحاصرت جميع هذه المدن وقد استطاعت ان تفرض شروط احترام المذهب الجعفري الشيعي على العثمانيين رسمياً , الا ان استقلالية القبائل العربية الشيعية في العراق جعلت الصفويين يغضون النظر عن المطالب بالمدن الشيعية المقدسة وحقوق الشيعة المنتهكة من قبل العثمانيين في العراق . وقد كانت الحروب العثمانية الصفوية طيلة القرن الثامن عشر سبباً رئيساً في انهاك العراق بعد تخريبه ونهبه من قبل العثمانيين .

شهد القرن الثامن عشر افظع المجازر العثمانية تجاه القبائل العراقية التي لم تكن تريد سوى الحرية في ارضها التاريخية وان تدين بعقائدها الخاصة والتي افتى العثمانيون بكفرها . فلم تستطع قبائل الأغلبية في العراق وهي على التشيع ان تستسيغ هدا السلب العثماني لأرضها وهذه السرقة لحضارتها ومن ثم هذا التكفير ضدها , فكيف يمكنها ان تتعاون مع العثمانيين الذين ينظرون من زاوية أخرى هي زاوية الكفر والخيانة لهذه القبائل .

سوى القبائل السنية التي كان الكثير منها على البداوة , ولذلك كانت قريبة على باشوات العثمانيين والتي كانوا يستخدمونها لضرب قبائل العراق الأخرى .

فيما كانت القبائل الجديدة والمترددة في ارض العراق بين مد وجزر , مثل شمر , متذبذبة بين عنفوانها العربي وبين رغبتها في التعاون مع احدى الامبراطوريتين .

كما كانت قبائل العراق ومدنه تنظر بعين الرفض لمظاهر الطائفية التي زرعها العثمانيون الاتراك بصفة رسمية من خلال بنائهم المساجد والمدارس الدينية الحكومية على مذهبهم المتزمت فقط ومظاهر الجوع والموت التي تنتشر كل عقد في مجموعة من مدن العراق ومراكزه الحضارية التاريخية التي أصبحت خرابا .

فيما كانت السلطة طيلة القرن الثامن عشر ضمن عائلة واحد في مختلف ولايات العراق تتقاسمها عائلة حسن باشا وولده احمد الذي حكم العراق طويلاً وقاد الحروب فيه وهو امي واصهاره واقاربه ومن تعلق بهم .

وهي عائلة ابادت قبائل العراق من المنتفك ( بني اسد , بني مالك , بني سعيد , الاجود ) وبني لام وزبيد وشمر , لأن هذه القبائل أرادت الحرية والتحضر , ودمرت العلاقات الكردية العربية التي كانت قائمة على التحالف التاريخي للأكراد اللريين وعرب بني لام بسبب اطماعها السياسية . وقد دمرت قبيلة كبيرة ومفصلية في تاريخ الإسلام هي ربيعة لأنها ابت ان تدفع الاتاوات للكهية العثماني .

وكانت كل الجهود المالية للعراق تذهب لقتل أبنائه وابادة قبائله وتخريب ممتلكاتها . وكانت هذه الابادات البشرية والحضارية الالية التي وفرت للبريطانيين دخول العراق لاحقا , وهو من اخر البلدان التي دخلها البريطانيون بسبب رفض أبنائه للاحتلال الأجنبي .

وبالفعل لم يجد العثمانيون سوى هذه القبائل الى جانبهم بعد خيانة حلفائهم لصالح البريطانيين , الا انها حينها كانت قبائل انهكها تاريخ الحكم العثماني .

وكان ظهور عائلة السعدون ( ال شبيب ) سلبياً على المستوى القيادي والمذهبي في العراق , اذ انها كانت طامحة لما يرتبط بمصالحها لا بما يرتبط بالجمهور العريض المحيط بها , فهي عائلة سنية غريبة صغيرة جداً تعيش وتقود في وسط شيعي ساحق سُمح لها بالظهور لإيجاد معادل موضوعي عربي مناسب طائفياً لرغبة العثمانيين في سلطتهم .

وفي الوقت الذي كان العرب يعيشون هذا البؤس كان العثمانيون يسمحون لشركة الهند الشرقية البريطانية والشركات الهولندية في العراق ان تمارس نشاطاتها التجارية بكل حرية من خلال دفع الاتاوات .

وكانت عائلة احمد باشا حاكم بغداد تعيد استخدام الالية العباسية بجلب المماليك وضرب الناس بهم , فجاءت بالمماليك القوقاز والشركس . وكان هؤلاء المماليك قد ازداد عددهم واحتكروا السلطة والإدارة في العراق الى جانب الاتراك منذ تولي مملوك عائلة حسن باشا المدعو سليمان اغا السلطة . وكانت المدرسة التعليمية حكراً عليهم . وقد افتقدوا المبادئ الإسلامية والقيم العربية . فكانوا قساة جفاة , فرضوا الضرائب بقسوة , وحاكوا مختلف المؤامرات من اجل احتكار السلطة في الولايات العراقية والتي كانت تؤول بقتل أبناء القبائل العربية وذهاب السلطة الى المماليك. والمماليك كانت من أولى افعالهم ضرب التحالف القوي التاريخي لبني لام واحتلال ارضهم وسلب أموالهم . وهي أموال ضخمة وخيرات لا تحصر , حتى ان اهل شمال العراق كانوا يلجؤون الى جنوبه أيام المجاعة والقحط في القرن الثامن عشر.

ان الحسد والاستبداد والتكبر التركي ساهمت في اضعاف القوة البحرية المستقلة التي كان زعماء بني كعب يرومون انشاءها في الإقليم الأهوازي البصري , والتي كانت تتفوق على القوة العثمانية الرديئة التي شجعت الغربيين على دخول المنطقة , مما أضاع فرصة عودة الخليج لليد المسلمة في القرن الثامن عشر وتغيير تاريخ المنطقة . وكانت عمليات الاضعاف هذه تتم بمساعدة سفن شركة الهند الشرقية . ثم تم الهجوم المشترك للاتراك والايرانيين والبريطانيين على دولة بني كعب وانتصار امارة بني كعب بحكمة . فتم انشاء الحلف التركي البريطاني ضد استقلالية امارة بني كعب في سبعينات القرن الثامن عشر .

وحرب أخرى ضد الخزاعل , انتصر فيها الخزاعل على العثمانيين , وهي حرب كشفت حقد العثمانيين الطائفي حيث اتهموا القائد المنهزم بانه كان رحيماً مع الخزاعل بسبب اصله الإيراني وكانت تقود هذه الدعاية الطائفية كبيرة نساء القصر فزادت لهيب الحقد في الجنود , ولا نفهم كيف يديرون دولة يكفرون شعبها . ثم عاد مماليك العثمانيين مرة أخرى وقاموا بتهجير الخزاعل . وخاضوا حرباً أخرى ضد تحالف عرب المنتفك مرة أخرى , كان من نتائجه فقدان الحكومة العثمانية سلطتها في العراق في النصف الأخير من القرن الثامن عشر .

لقد تركز العرف العشائري في المنطقة وجرى بصورة مطلقة نتيجة لغياب الدولة بسبب تخلف العثمانيين وديكتاتوريتهم ومحاربتهم للقوانين الشرعية الدينية الجعفرية في العراق . وتدخل العثمانيون في عزل وتعيين امراء القبائل , الامر الذي اسهم في تضائل اهل المعروف والحكمة , ومهد للبريطانيين وغيرهم تغيير الفكر العام والتدني بالأخلاق , ومثال ذلك قتل امير قبيلة العبيد في شمال بغداد .

وكانت قبيلة طي في القرن الثامن عشر من القبائل المؤثرة في ماردين بين العراق وتركيا إضافة الى اثرها شرق العراق وجنوبه متمثلة في الجنوب بقبائل بني لام , الذين كانوا مطلعين كيف كان الصفويون يعملون على تحضر شعبهم ومدنهم بخلاف العثمانيين .

وقد كانت إساءة العثمانيين للشيعة وزوار العتبات المقدسة والفوضى الأمنية التي صنعوها حولها وفرضهم الاتاوات الجائرة احد اهم أسباب استفزاز الدولة الصفوية , مع وجود اكثر من مائة اسرة إيرانية في البصرة في القرن الثامن عشر ترفض الحكومة العثمانية ارجاعهم الى بلدهم .

مع قلة ورع وخيانة وغدر العثمانيين في إدارة السياسة والتي لم يسلم منها حتى النبلاء الاكراد الذين راح بعضهم ضحية ثقته بوعود واغراءات العثمانيين ومماليكهم التي فشلت في الوفاء بها حتى نسائهم .

ثم هاجم العثمانيون قبائل الخزاعل وجليحة في النصف الأخير من القرن الثامن عشر . ومن الواضح ان الاكراد كانوا في كثير من الأحيان جزءاً من الجيش العثماني المعتدي على العراقيين او الإيرانيين , بينما لم تحالف القبائل العربية الشيعية العثمانيين الا عند مواجهة الجيش البريطاني في القرن العشرين .

وكان تعيين الولاة وقطع رؤوسهم بلا توقف من قبل سلاطين العثمانيين من اجلى مظاهر الفوضى والاستهزاء ببلاد الإسلام والحضارة في العراق .

وكذلك تقاتل الاسر الكردية فيما بينها على الامارة , والذي جعلها متقلبة الولاءات بين الإيرانيين والأتراك وهدم اسر كبيرة منها .

وبلغ السوء ان جيوش الاتراك تتقاتل على المال في بغداد كما كانت على عهد العباسيين , فانقسم الانكشاريون وانفصل المماليك , وحاول كل فريق جذب المزيد من الرعاع اليه . فكان ان شاركت قبائل عقيل – القريبة الى بغداد وداخلها – وانحازت الى السلطة النظامية في الحرب الاهلية التي انشبها مماليك العثمانيين بينهم على المال والسلطة , وقد حكم نبلاء العرب المدينة لصد قطاع الطرق الذين جاء بهم بعض مماليك العثمانيين حتى تسلمها مبعوث السلطان في 1778 م , والذي لم يعاقب العاصين ابداً , وربما ذلك لأنه سيفرد القوة للعرب الباقين حينها , حتى رجع هؤلاء العصاة وحاربوه , فاستنجد بالأكراد لا بالعرب للقضاء عليهم .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here