ما احوج العراقيين إلى التسامح

كان تسامح المسلمين الاوائل مع غيرهم من اهم الصفات التي اظهرت قوة ومتانة عقيدتهم. فانتشر الاسلام واختارته شعوب شتى في معظم بقاع الأرض. كان القران الكريم يحث المسلمين الالتزام بهذه الصفة الاخلاقية السامية فقال القران الكريم. “ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن”. وقال ايضا “ولا تسبوا الذين كفروا فيسبوا الله بغير علم”. وامر القران رسول الله ان يصفح ويتسامح مع اصحابه “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفوا عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر”. وفصل كتاب الله ايضا الصفات الرفيعة للمؤمنين منها التواضع والتسامح مع الاخرين “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”.
أن ممارسة ثقافة التسامح لدى المسلم واحترام الراي الاخر يدل على قوة وصلابة عقيدته. اذ يفسح الاسلام المجال إلى مزيد من الجدال والنقاش حتى في ثوابته لتعميقها واثراءها. فطالما كانت الحجة قوية ومنطقية لا خوف من ان يتناقش عقلاء الناس فيها بادب واحترام دون املاءات. ان الله تعالى أمر المسلمين في القران الكريم ان لا يكرهوا احد اعتناق الاسلام رغم ان الله قدسه وارتضاه كاخر دين “لا اكراه في الدين”. هذه القاعدة الدينية الاخلاقية الانسانية فتحت الافاق لمزيد من الحرية الفكرية والنقاش والجدال بادب وتسامح للأمور الحياتية التي تحتمل الخطأ والصواب في المناحي السياسية والإقتصادية والثقافية دون تعصب وتعنت.
كان العراق من البلدان العربية الإسلامية التي تتمتع بالتسامح الواسع النطاق لذلك نرى تواجد واستمرار خليط من الأديان لوقت قريب فبالاضافة إلى الاسلام عاش النصارى واليهود والصابئة والايزيدية بسلام وامان. اضافة الى المذاهب الاسلامية المختلفة بل تعايش في العراق أناس يدينون بعبادة الشيطان. هذه العبادة التي تناقض أسس الاسلام. لكن تأسيس النظام الجمهوري في 14 تموز 1958 حتى عام الاحتلال الأمريكي عام 2003 قد الغى روح التسامح بين الاحزاب العلمانية العراقية وابدلها بالاستئصال والقتل بين النخب السياسية. فكانت شعارات وممارسات الشيوعيين العراقيين دموية ارهابية ضد التنظيمات الاخرى. فرفعت المقاومة الشعبية شعارات عنيفة منها على سبيل المثال. (اعدم اعدم جيش وشعب يحميك من كل مستعمر). او (ما كو مؤامرة تصير والحبال موجودة). بل اشاعوا انذاك الفاحشة والزنى لدى المجتمع العراقي المحافظ (ما كو مهر بس ها الشهر موتوا يارجعية). ثم جاء حزب البعث العربي الاشتراكي في شباط 1963 فعاث حرسه القومي فسادا واضطهد مخالفيه وسار على نفس طريق الارهاب والقتل الذي مارسته المقاومة الشعبية.
عندما وصل الاسلاميون وراء دبابات المحتل الأمريكي عام 2003 وسلمهم حكم العراق. عمموا الاستئصال والاضطهاد ضد العراقيين من سياسي نخبوي قبل الاحتلال إلى ديني مذهبي طال عموم العراقيين. فظهر شعار بناء البيت الشيعي الذي كان يهدف لتمزيق العراق. ثم محاولة العبث لتغيير التاريخ وسب الصحابة الكرام تبعه تكفير المذاهب غير الشيعية. ايذانا ببدا التطهير الطائفي والتهجير والقتل والخطف لمعظم أبناء الشعب. في المقابل ولاجل اشعال الحرب الطائفية صنعت امريكا داعش الوهابية الارهابية التي كفرت الشيعة هي الاخرى وهلم جرا.
اليوم بعد أن وقع الفاس في الرأس الا يكفي ويتعظ العراقيين بأن مصلحة الوطن والمواطن اهم بكثير من مصلحة الحزب والطائفة. بات من البديهي بانه لا يمكن بناء الوطن دون التعاون بين كل النخب السياسية وبين الطوائف والاديان دون تعصب من هذا الطرف أو ذاك. لذلك بات من الضرورة تفعيل التسامح بين جميع مكونات الشعب العراقي. فلا يمتلك الحق الكامل غير الله. كما ان كل حزب أو طائفة أو تنظيم مهما كانت مرجعيته يخطا ويصيب وعليه أن ينسى الماضي ويعود الصف الوطني فيغلب مصلحة العراقيين على الاديولوجيا والحزب. على العراقيين أن يستوعبوا دروس الماضي القاسية منذ أكثر سبعين عاما ليعيدوا وبقوة قيمة التسامح والصفح مع المخالفين ويتمثلوا في مقولة الأمام الشافعي الشهيرة القائلة (ان قولنا صحيح يحتمل الخطأ وراي غيرنا خطأ يحتمل الصواب). او قول المفكر والكاتب الفرنسي المعروف فولتير (قد اختلف معك في الراي ولكني مستعد ان ادفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك).
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here