يمكن استئصال الفساد السياسي في لبنان – إذا أصر مانحوه الدوليون

يمكن استئصال الفساد السياسي في لبنان – إذا أصر مانحوه الدوليون
التغيير يجب أن يأتي من داخل لبنان، ولكن إيمانويل ماكرون وغيرهم يمكن أن يساعد من خلال إنهاء رعايتهم لنظام كارثي

‘انفجار الميناء يحتاج إلى أن يكون جرس انذار لأي كيان دولي يسعى إلى لبنان مستقر: الأضرار التي لحقت بمرفأ بيروت. تصوير: نبيل منذر/وكالة حماية البيئة.

اعداد وترجمة: محمد توفيق علي

نشرت صحيفة “غارديان” البريطانية بتاريخ (10)عشرة آب الجاري مقالا في ركن الآراء بالعنوان المذكور اعلاه. ومن تأليف الأكاديمية لينا خطيب مديرة برنامج الشرق الأوسط  وشمال أفريقيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاثام هاوس” في لندن. أدناه ترجمة المقال: في أعقاب الانفجار المدمر لمرفأ بيروت في الأسبوع الماضي، ليس فقط دور الفئة السياسية اللبنانية التي أصبحت تحت التدقيق، ولكن تلك التي من أقرانهم الدوليين أيضا. مؤتمر المانحين الدولي الذي عقد يوم الأحد برئاسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، تم جمع 253 مليون يورو (228 مليون جنيه إسترليني) في صناديق الإغاثة. ولكنه أشار أيضا إلى تغيير مهم في الخطاب. وللمرة الأولى، أكد المانحون أن أموال الإغاثة ستذهب مباشرة إلى الشعب اللبناني، وللمرة الأولى، أكد المانحون أن أموال الإغاثة ستذهب مباشرة إلى الشعب اللبناني، وأن المساعدات الاقتصادية طويلة الأجل سوف تعتمد على تنفيذ لبنان للإصلاحات الهيكلية. وجاء هذا التأكيد عاجلا في أعقاب تزايد الاهتمام الدولي بالفساد المستشري بين الفئة السياسية الحاكمة في لبنان، الذي هو اللوم على نطاق واسع لانفجار الميناء. إنه يبعث برسالة إلى حكام لبنان بأنه بينما بلدهم في حاجة ماسة إلى المساعدة الخارجية للاعتماد على ذاته، فلا أحد يستطيع مساعدة لبنان إذا لم يساعد نفسه أيضاً. ولكن البلاغ الذي صدر عقب المؤتمر أهمل دور المجتمع الدولي في دعم الفئة السياسية الفاسدة في لبنان على مدى عقود من الزمن. وفي مؤتمر المساعدات، قال ماكرون إن مستقبل لبنان على المحك. و ما يجب على المانحين أن يدركوه هو أن هذا المستقبل هو مسؤولية مشتركة لهم وللقادة اللبنانيين على حد سواء. و مع ديون لبنان تبلغ أكثر من 170٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، ومع أضرار انفجار الميناء تكلف ما يقدر ب 15 مليار دولار، فان لبنان بحاجة إلى مساعدة خارجية لمنعه من أن يصبح دولة فاشلة. ولكن ما يحتاج إليه أكثر يأسا هو الإصلاحات التي من شأنها أن تتصدى الفساد وانعدام المساءلة التي أدت بها إلى هذا الوضع المؤسف في المقام الأول. إنه النظام السياسي القائم في لبنان – اتفاق لتقاسم السلطة بين الطوائف المختلفة بدلا من نظام الحكم على أساس الكفاءة – الذي يسهل السلوك المتهور لقادتها. والمجتمع الدولي مسؤول جزئيا عن الحفاظ على هذا النظام من خلال المحسوبية والرعاية المتتالية. منذ عقود من الزمن، اعتاد القادة اللبنانيون على إهمال المصلحة الوطنية، وفي نهاية المطاف يتم إنقاذهم بمساعدات دولية. كانت الودائع من الجهات الخليجية المانحة تضاف الى حساباتهم في البنك المركزي اللبناني، و كانت القروض تُقدم من قِبل الدول الأوروبية و وحزم المساعدات الخارجية تتدفق على مؤسسات الدولة اللبنانية – فقط لغالبية هذه الأموال في نهاية المطاف تصبح بطانة جيوب حكام البلاد ، الذين تغلبوا في كثير من الأحيان على خلافاتهم السياسية لتقاسم موارد الدولة فيما بينهم. فالدولة اللبنانية باتت بمثابة هيكل عظمي فارغ في نظر مواطنيها. و حكام لبنان استفادوا من توقعات المواطنين المنخفضة من الدولة والافتقار إلى تدابير تكفل الشفافية والمساءلة في البلد. وتوسطوا لعقد اجتماعي يلقي بالزعماء كرعاة والشعب كزبائن وليس كمواطنين. و كانت القوى الأجنبية على علم تام بهذه الآلية لكنها غالبا ما كانت تغض الطرف عنها، وحتّى غذّت ذلك، لأنها اعتقدت بأن النظام السياسي اللبناني جلب الاستقرار والقدرة على التنبؤ في أعقاب الحرب الأهلية المضطربة. وبمرور الزمن نما جشع القادة، ولذلك ساءت الحالة الاقتصادية. و القادة الذين تصرفوا كسلطات محلية بحكم الواقع، تمنح المكونات وظائف الخدمة المدنية أو امتيازات ثانوية، وفرت لهم أقل وأقل. وكان هناك بعض الاعتراف الدولي بأن هذه الديناميكية أصبحت غير مستدامة – تعهد المانحون الدوليون بتقديم 11 مليار دولار خلال مؤتمر “CEDRE” لعام 2018، بشرط أن ينفذ لبنان إصلاحات هيكلية. وفي أعقاب التدهور الاقتصادي الأخير في لبنان، قال صندوق النقد الدولي في نيسان/ أبريل أن أي مناقشة حول قرض للبنان ستخضع لمزيد من الإصلاحات. و في كلتا المناسبتين، تجاهل حكام لبنان دعوات الإصلاح، بالاعتماد على أن الدعم الأجنبي يأتي في نهاية المطاف دون قيد أو شرط كما كان في الماضي. وكانت متابعة الجهات المانحة الدولية بطيئة. إن انفجار الميناء ينبغي أن يكون بمثابة جرس انذار لأي كيان دولي يسعى إلى لبنان مستقر. الانفجار هو في نهاية المطاف نتيجة لعقود من الزمن التي خلالها عززت الفئات السياسية في لبنان وخارجه النظام السياسي المختل في البلاد. ينبغي أن لا تتدفق أي مساعدة طويلة الأجل إلى لبنان دون شروط قوية بشأن الشفافية والمساءلة في كيفية استخدام هذه المساعدة. الدعم الخارجي ليس المشكلة في حدّها، ولكن بالأحرى عندما يتم تسليمها على طبق دون قيد أو شرط، بالحفاظ على مسلسل الرعاية والمحسوبية، مما يؤدي إلى تفاقم ضعف مؤسسات الدولة، والى زيادة إفقار المواطنين اللبنانيين. مع انهيار الاقتصاد اللبناني تقريباً في أعقاب الانفجار، هناك فرصة للمجتمع الدولي لممارسة نفوذ على القادة اللبنانيين – الذين نمت ثرواتهم الشخصية جزئيا من المعاملات القانونية وغير القانونية من خلال الميناء المدمر – بحيث يتم تنفيذ الإصلاحات اللازمة. مثل هذا النفوذ لن يزيل النظام السياسي اللبناني المعيب، ولكن يزيد الضغط على قادتها لقبول بعض الإصلاحات الأساسية على الأقل. ولكن للبنان أن يُقلب صفحة جديدة، انه يحتاج الى ابرام عقد اجتماعي جديد ونظام سياسي جديد قائم على ممارسة الإنصاف والشفافية والمساءلة. و هذا تغيير لا يمكن أن يبدأ إلا من داخل لبنان، ولكن ذلك يعتمد أيضا على المجتمع الدولي التخلي عن دعمهم الضمني للوضع السياسي الكارثي الراهن. ولمزيد من المعلومات بالإنجليزية والصور راجع الرابط المدون أدناه
https://www.theguardian.com/commentisfree/2020/aug/10/lebanon-political-corruption-international-donors-regime

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here