عْاشُورْاءُ .. السَّنَةُ السَّابِعة (٢) [طَرفان يقتُلان الذِّكرى]

عْاشُورْاءُ

السَّنَةُ السَّابِعة

(٢)

[طَرفان يقتُلان الذِّكرى]

نــــــــــــزار حيدر

لم يتخلَّف مصدرٌ تاريخيٌّ واحدٌ عن ذكرِ الرِّوايات والأَقوال والأَحاديث والقَصص التي وردت عن رَسُولِ الله (ص) وعُمق إِهتمامهِ بعاشوراء وصاحِبها السِّبط(ع).

كما أَنَّ تصفُّحاً سريعاً لما كُتب عن الذِّكرى من موسوعاتٍ وكُتبٍ وأَبحاث وملاحمَ شعريَّةٍ وسيناريوهات وأَعمال فنيَّةٍ وغير ذلك، دليلٌ آخر على أَهميَّة الذِّكرى.

ويمكنُ بهذا الصَّدد العَودة إِلى [دائرةِ المَوسوعة الحُسينيَّة] للعلَّامة الكرباسي، وهي أَكبر وأَعظم موسوعَةٍ تاريخيَّةٍ ناهزَ عدد مجلَّداتِها لحدِّ الآن الـ [٩٠٠] مُجلَّد، لمعرفةِ حجم وسِعةِ الإِهتمام الإِنساني العالمي بالذِّكرى.

على مرِّ القرُون وبمُختلف اللُّغات والخلفيَّات الدينيَّة والإِثنيَّة والجغرافيَّة والمُستوياتِ العلميَّة والأَدبيَّة.

وكلُّ ذلكَ بسببِ تأثير الذِّكرى في مسيرة الانسانيَّة.

هذا أَمرٌ يفرضُ علينا أَن نكتشفَ الأَثر الذي تركتهُ الذِّكرى فلا ننشغلَ بها فقط، فالإِنشغالُ بها دونَ دراستِها واستكشافِ آثارها ومعرفةِ دروسِها وقواعدِهاومنهجيَّتِها، لا ينفعنا كثيراً، فلا يكونُ الحدثُ ذا منفعةٍ حقيقيَّةٍ إِذا لم يكُن حاضراً في عقولِنا كما هو حيٌّ في الوُجدان.

إِنَّ أَخطر ما تتعرَّض لهُ القِيَم والمبادئ والشَّعائر والأَحداث التاريخيَّة والظَّواهر الاجتماعيَّة عندما يتمُّ إِفراغها من مُحتواها، فيكونُ مثلها كمثلِ الإِنسان عندمايكونُ جسداً بِلا روحٍ، فهو ميِّتٌ، هوَ صنمٌ، وكذلكَ الذِّكرى تموتُ إِذا تمَّ إِفراغها من مُحتواها، فتجدُ الأُمَّة تمرُّ عليها بطقُوسٍ ميِّتةٍ لا حياةَ فيها وبشعائِر خاويةٍ لاروحَ فيها.

وللتَّعويضِ عن خسارةِ العقلِ تراها [تُبدِعُ] في الشَّعائر لتُضيفَ للعواطِفِ فتتضخَّم [العَبرة] وتتقلَّص ورُبَّما تضمحلَّ [العِبرة].

وعلى الرَّغم من عظمَة الذِّكرى وما تحملُ من مُحتوىً رساليٍّ إِلهيٍّ عميقٍ، مع ذلكَ فمنَ المُمكنِ إِفراغها من هذا المُحتوى إِذا لم ينتبهَ لذلكَ العُلماء والباحثُونوالمُفكِّرون.

ولقد بذلَ طرفان جهوداً كبيرةً لإِفراغِ عاشوراء من مُحتواها للحيلولةِ دونَ أَن تعيشها الأُمَّة كمنهجيَّةٍ؛

الأَوَّل؛ الخائفُون منها وتحديداً الأَنظمة الإِستبداديَّة والأُخرى التي تُتاجر بها، كما فعل الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين على مدى [٣٥] عاماً، لأَنَّهُ كان يرتعد مِنهالما ظلَّت تتركهُ من أَثرٍ في حياةِ العراقيِّينَ فتُحيي في نفوسهِم روح الثَّورة والمُقاومة والإِنتفاضة ضدَّ الظُّلم والإِضطهاد.

وكذلكَ ما فعلهُ الصفويُّون في التَّاريخ وأَمثالهُم من النُّظُم السياسيَّة التي لبِست [التشيُّع] كهويَّةٍ، عندما سعَوا إِلى صياغةِ الذِّكرى بمقاساتٍ تنسجمُ ولاتتعارضُ مع سياساتهِم وأَجنداتهِم، فأَفرغُوا الذِّكرى من الكثيرِ من محتوياتِها الحركيَّة والثوريَّة ليغفو المُجتمع ويستكينُ على شعائرَ لم تُبقِ منها السُّلطة الحاكِمةغَير العواطِف الجيَّاشة والعَبرةِ السَّاخنة وقد أَفرغتها من العِبرةِ نِهائيّاً.

وللأَسف الشَّديد فإِنَّ المنهجيَّة الصفويَّة استمرَّت إِلى الآن في بعضِ المُجتمعات، فلم تعُد عاشوراء ذِكرى لِنهضةِ الحقِّ ضد الباطل، وإِنَّ الشِّعارات المُستوحاةمن الذِّكرى مثل [هيهات مِنَّا الذِّلة] لم تعُد تتطابق مع واقعِنا أَبداً.

إِنَّ الأَنظمةَ السياسيَّة التي تُتاجرُ بالذِّكرى تبذِلُ كلَّ ما في وِسعها لإِفراغِها من المُحتوى بطريقتَينِ؛

*تشجيعُ الظَّواهر العاشورائيَّة التي تُشغل المُجتمع عن التَّفكيرِ بواقعهِ المرير.

*وأَن تُمارس الشَّعائر بنفسِها لتضليلِ المُجتمع لحمايةِ نفسها من إِتِّهامات الفساد والفشل والظُّلم مثلاً.

فلقد رأَينا في زمانِنا أَنَّ [زعيماً] فاسِداً وفاشِلاً وظالماً ودجَّالاً، هوَ أَبعدُ ما يكونُ وتكونُ سلوكيَّاتهُ عن عاشوراء وما تحملُ من مُحتوىً إِنسانيٍّ عظيمٍ، يُقيمُمجالس العَزاء في مكتبهِ ويُؤَسِّس [أَضخم] سُرادقات الخدمةِ الحُسينيَّةِ تحمِلُ أَسماءَ رموزٍ تاريخيَّةٍ مثل [مُختار العصر] للإِمعانِ في التَّضليلِ!.

أَفسدُ منهُ يظهر علينا وهوَ يخُوطُ بقِدرِ القيمَةِ النَّجفيَّةِ!.

الثَّاني؛ هُم العاطفيُّون وتحديداً الأُميُّون والجهَلة منهُم، الذين لم يتذكرَّوا مِن المُناسبةِ إِلَّا الشَّعائر المُثيرة للجدل، وكأَنَّها بالنِّسبة لهُم مناسبةً سنويَّةً لتوكيدِذواتهِم من بابِ [خالِف تُعرَف].

ومن أَجلِ حمايةِ مُحتوى الذِّكرى من الإِندثار أَو التَّقليل من أَهميَّة جوهرَها، يلزم المِنبر الحُسيني الواعي والقلَم الحُسيني المُلتزم أَن يُحلِّل الذِّكرى ولا يكتفيبنقلِها فقط، وأَن يُسلِّط الأَضواء الكاشِفة على المَساحات المُعتمةِ من الذِّكرى، خِطابات ورسائِل الإِمام مثلاً، فلا تكتفي بسردِ الأَشياء المُتعارف عليها وتكرارالسِّيَر المعرُوفة.

أَنا لا أَدعو إِلى الصِّدامِ بينَ المَنهجَين، منهجُ العاطِفة ومنهجُ الوعي، كما فعلَ البعضُ ففشل، إِنَّما إِلى أَن يكونَ صوتُ الوعي عالياً على الأَقل يُنافس صوتَالآخر!.

٢٠ آب ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

E_mail: [email protected]

‏Face Book: Nazar Haidar

Twitter: @NazarHaidar2

Skype: nazarhaidar1

WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close