النشوء الحتمي لتحالف عربي – إسرائيلي

النشوء الحتمي لتحالف عربي – إسرائيلي

د. ألون بن مئير

يرسي اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة الأساس لتحالف عربي إسرائيلي مستقبلي كان يتطور بهدوء وراء الكواليس على مدى السنوات العديدة الماضية. أعتقد أنه خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا ، سيظهر مثل هذا التحالف وسيضم في النهاية تسع دول عربية: الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان والمملكة العربية السعودية والأردن ومصر ، وفي وقت لاحق الكويت وقطر والفلسطينيين، مكوّنا ً هلالاً من اليابسة يمتد من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط. ومن المرجح أن يشمل هذا التحالف الجديد أيضًا السودان والمغرب ودول عربية أخرى ، وسيغير بشكل حاسم الديناميكية الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط.

لقد مضى وقت طويل منذ أن استبعدت الدول العربية المواجهة العسكرية مع إسرائيل ، ليس فقط لأن إسرائيل قوة عسكرية هائلة وواقع لا يتزعزع وليس لديهم صراع مباشر معها. بل على العكس من ذلك ، فهم ينظرون إلى إسرائيل على أنها قوة نووية إقليمية يمكنها مواجهة إيران ، عدوهم المشترك ، مما يخدم مصالحهم الأمنية الوطنية المشتركة. بالإضافة إلى ذلك ، أصبحت الدول العربية وإسرائيل حذرة من تدخل الرئيس التركي أردوغان في المنطقة لتعزيز أجندته العثمانية الجديدة.

وأخيراً ، خلصت الدول العربية إلى أنها لم تعد قادرة على التضحية بمصالحها الوطنية على مذبح العناد الفلسطيني للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل. إن حقيقة أن الدول العربية أصبحت تقدر التقدم الفوق العادة لإسرائيل في كل مجال من مجالات العلوم تقريبًا والفوائد التي اكتسبتها بالفعل خلال العقد الماضي لعبت أيضًا دورًا مهمًا في عملية التحوّل التي ستولد التحالف.

التأثير على التصميم الإقليمي المستقبلي لإيران
أعتقد أن تهديدات إيران المستمرة منذ عقد ٍ من الزمن ضد إسرائيل ودول الخليج كانت السبب الرئيسي وراء الصفقة الإسرائيلية – الإماراتية التي من المرجح أن تؤدي إلى نشوء تحالف في المستقبل القريب. إن تداعيات التحالف على إيران ستكون ذات أبعاد تاريخية، إذ أنّ إيران تحاول منذ سنوات عديدة تعزيز “هلالها” من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط ، عبر العراق وسوريا ولبنان.

ستواجه إيران قريباً هلالاً موازياً لا يمكن اختراقه من تحالف إسرائيلي – عربي بقوة عسكرية هائلة تتضمن أسلحة نووية في أيدي الإسرائيليين. وعلى عكس التحالف الناشئ الذي سيكون لكل دولة فيه مصلحة كبيرة وستكون عازمة على الحفاظ عليه وتعزيزه ، فإن الوجود الإيراني في العراق وسوريا ولبنان ضعيف في أحسن الأحوال. ففي العراق توجد حركة متنامية تريد خروج إيران من البلاد ، ولا يبدو أن الحكومة العراقية تميل إلى قمعها.

في سوريا ، تتعرض إيران لهجوم إسرائيلي مستمر في حين أن روسيا لا تريد أن ترّسخ طهران نفسها بعمق في البلاد. لبنان في حالة اضطراب. وعلى الرغم من أن حزب الله يمارس نفوذاً سياسياً هائلاً في البلاد ، إلا أنه لا يريد مواجهة إسرائيل عسكرياً ويبقى تحت رحمة إيران ، التي يتعرض اقتصادها للضرر وتتعرض سلسلة الإمداد بالمعدات العسكرية لهجمات منتظمة من قبل إسرائيل.

ومع ذلك ، فإن الحكومة اللبنانية ليس لديها نزاع مع إسرائيل. وبالنظر إلى الظهور المحتمل للتحالف العربي- الإسرائيلي ، سيتعين على لبنان ، بما في ذلك حزب الله ، إعادة ضبط موقفه السياسي في مواجهة هذا الواقع الناشئ الجديد المحتمل.

تتفهم إيران تداعيات اتفاق السلام الإسرائيلي-الإماراتي وكلّ ما يدعو له روحاني هو القول: “من الأفضل أن تكون (الإمارات) واعية. لقد ارتكبوا خطأ فادحا ، عملا ً غادرا ً. نأمل أن يدركوا ذلك ويتخلوا عن هذا المسار الخاطئ “.

ستواجه إيران خيارين: إمّا أ) الإستمرار في سياساتها العدوانية من خلال دعم الجماعات المتطرفة ومواصلة جهودها لتخريب دول الخليج مع السعي وراء تطوير الأسلحة النووية والمعاناة من العقوبات المستمرة والهجوم الإسرائيلي العسكري والإلكتروني، أو ب) قبول واقع التطور الجديد ، وكبح طموحاتها النووية ، والموافقة على الدخول في مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة ، وإنقاذ اقتصادها ، ومنع تغيير النظام الذي يحتل مركز الصدارة في اهتمامات حكامها.

من المؤكد أن إيران ستختبر الأسس أولاً قبل أن تغيّر موقفها للتأكد من مدى وسرعة ازدهار التحالف الناشئ الجديد ، وماذا ستكون مكوناته العسكرية ، ودرجة مشاركة الولايات المتحدة. وقد تُظهر طهران مزيدًا من ضبط النفس في الأشهر المقبلة ، ومن المرجح أن تختار الخيار الثاني لإنقاذ اقتصادها من الإنهيار التام والحفاظ على النظام ، خاصة وأن التحالف ، بمجرد تشكيله ، سيعرقل بشدة طموحاتها للهيمنة ويجبرها على التخلي عن استراتيجيتها في المواجهة.

لعبة تغيّر للفلسطينيين
ومع نشوء تحالف جديد سيكون هناك تداعيات خطيرة على الفلسطينيين. فمنذ توقيع معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية في عام 1979 ، ومرورًا باتفاقات أوسلو عام 1993 ومعاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية في عام 1995 ، وحتى طرح مبادرة السلام العربية في عام 2002 ، فقد الفلسطينيون كل فرصة للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل على أساس حلّ الدولتين. وبدأ دعم الدول العربية للفلسطينيين على مدى عقود يتآكل تدريجياً بعد أن أدركوا أنهم أصبحوا رهينة تمرّد الفلسطينيين ، ولم يعودوا مستعدين للتضحية بمصالحهم الوطنية من خلال دعم قضية “خاسرة”.

وبغض النظر عن حقيقة أن الفلسطينيين انتقدوا بشدة اتفاقية السلام الإماراتية – الإسرائيلية – حيث قال كبير المستشارين نبيل أبو ردينة إن “القيادة الفلسطينية ترفض وتستنكر الإعلان الثلاثي الإماراتي والإسرائيلي والأمريكي المفاجئ” وأن الصفقة “خيانة” للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية ”- فإنهم يرون الكتابة على الحائط. فكلما طال انتظارهم لاستئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل ، كلّما قلّ الدعم والمآزرة التي يحصلون عليها من الدول العربية وسيصبح موقفهم أضعف ، خاصة وأن ضمّ المزيد من الأراضي الفلسطينية لم يُزال نهائيًا من الطاولة من وجهة نظر دائرة اليمين المتطرف الإسرائيلية القوية.

سيتعرّض الرئيس محمود عباس الآن لضغوط متزايدة من الإتحاد الأوروبي والدول العربية حتى لا يفوّت فرصة مهمة أخرى للتواصل مع الإسرائيليين. يجب أن ينتهز الفرصة لإعادة فتح المفاوضات مع إسرائيل طالما أوقفت إسرائيل الضم كجزء من اتفاقها مع الإمارات العربية المتحدة. وبالنظر إلى حقيقة أن البحرين والسودان في طور التفاوض على صفقة مماثلة مع إسرائيل ، الأمر الذي يترتّب على إسرائيل أيضًا تجميد المزيد من الضمّ ، فإن هذا هو الوقت المناسب للرئيس محمود عباس، وإلا فإنه سيخسر المزيد من الأراضي ويقضي ، ربما بشكل دائم ، على احتمال إقامة دولة فلسطينية.

سيتعين على حماس أيضًا إعادة التفكير في موقفها ، حيث ستزداد حدة الخسارة الكبيرة المتزايدة لدعم الدول العربية لها بمرور الوقت. فكلما أسرعت في الدخول في مفاوضات سلام جديدة مع هدنة طويلة الأمد (وقف إطلاق النار) كفترة فاصلة للتوصل إلى اتفاق سلام دائم بشكل منفصل أو مع السلطة الفلسطينية ، كان ذلك أفضل حالًا بالنسبة لها. ستدرك حماس أيضًا أنها لن تكون قادرة بعد الآن على الإعتماد على إيران أو تركيا للحصول على الدعم المالي والسياسي بمجرد قيام التحالف.

التأثير على طموح تركيا التوسعي
التضمين المهم الثالث للتحالف الإسرائيلي – العربي المحتمل هو أنه سيعمل على عرقلة مسعى الرئيس التركي أردوغان لإحياء عناصر من الإمبراطورية العثمانية واغتصاب قيادة المملكة العربية السعودية للإسلام السني في جميع أنحاء العالم. وفي معارضة مباشرة ومخالفة لمصالح الخليج والدول العربية الأخرى وإسرائيل ، يدعم أردوغان بقوة الجماعات الإسلامية المتطرفة ، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين وحماس والجهاد الإسلامي وحتى داعش ، لتعزيز أجندته التي تشكّل خطرا ً وتهدد بشكل مباشر التيار الرئيسي للدول العربية. سيخلق التحالف العربي – الإسرائيلي المستقبلي جدارًا منيعًا يمنع أردوغان من المزيد من التدخل في شؤون الشرق الأوسط.

يعارض أردوغان أيضا ً اتفاقية السلام الإماراتية – الإسرائيلية لأنه يعلم أنه بمرور الوقت سيضم تحالف عربي- إسرائيلي واسع دولة قطر (حيث يوجد لتركيا وجود عسكري) التي تريد العودة إلى حظيرة دول الخليج حيث تكمن مصالحها الوطنية النهائية. وبمجرد إنشاء التحالف ، ستضعف أيضًا علاقات تركيا مع السودان الذي يتوق إلى إحلال سلام مع إسرائيل. ومن المحتمل أن يُلغي السودان اتفاقه مع تركيا لاستئجار جزيرة سواكن في البحر الأحمر التي يريد أردوغان استعادتها كوجهة سياحية (على الرغم من أنه من الواضح تمامًا بالنسبة لي أنه يخطط لنشر قوات تركية على مقربة من شبه الجزيرة العربية) كجزء من خطته الشاملة لتأسيس عصر عثماني جديد.

كل ما يمكن أن تقوله تركيا هو أن “تاريخ وضمير شعوب المنطقة لن ينسى ولن يغفر أبدًا هذا السلوك المنافق. إنه لأمر مقلق للغاية أن الإمارات العربية المتحدة ، من خلال عمل أحادي الجانب ، تحاول التخلص من خطة السلام العربية التي وضعتها جامعة الدول العربية “. ومع ذلك ، فإن هذا خطأ في كلا الأمرين: فاتفاقية السلام الإسرائيلية – الإماراتية لها آثار إقليمية إيجابية للغاية ، ولا تزال متسقة مع مبادرة السلام العربية لأن أيا من الدول العربية لا تتنكر لضرورة إقامة دولة فلسطينية ، باستثناء أن عليها تغيير الاستراتيجية لتحقيق نفس النتيجة.

وعلى الرغم من حقيقة أن ترامب ونتنياهو قد لعبوا دورًا مهمًا في وضع الصفقة معا ً ، غير أنّ أساس اتفاق السلام هذا قد وضع قبل عدة سنوات. لقد ضغط ترامب بشدة لإنجاز ذلك الآن ، لأنه يتوق بشكل ٍ يائس لتحقيق فوز من نوع ما قبل الإنتخابات مباشرة. ونتنياهو ، تمامًا مثل ترامب ، بحاجة ماسة إلى إظهار حنكته السياسية كرجل دولة بارع في هذا الوقت ، ليس فقط بسبب احتمال أن تنهار حكومته في أي يوم ويريد أن يستمر في تحقيق سجل قوي ، ولكن أيضًا لأن الوقت على وشك النفاد قبل أن يُحاكم في ثلاث تهم جنائية.

سنشهد في الأشهر القليلة المقبلة كيف سيتشكل التحالف العربي – الإسرائيلي. فبفضل إيران ، هناك شيء واحد واضح وهو: التحالف سيصبح حقيقة لا رجعة فيها لأنه تحت أي ظرف من الظروف ، لن يخدم هذا التحالف فقط مصالح الأمن القومي الجماعي للدول العربية التي هي بالطبع في أذهانهم أولاً وقبل كل شيء ، بل وعد الأمن والازدهار والسلام.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here