الحسين الذي فينا!!

الحسين إبن علي (ع) وفاطمة الزهراء , سيدة نساء العالمين بنت الرسول الكريم (ص) , أخوه الحسن (ع) ريحانة جده وثاني أئمة المسلمين , الذي آثر حقنَ دمائهم ووحدة الدين على غيره من الرغبات والطموحات.

الحسين الوضاء الطلعة الزكي النفس والقلب , الطهور العريق النسب والأصول , تربى في كنف الرسول لمدة تسعة أعوام , وتوفت أمه وهو في العاشرة أو أقل من ذلك بقليل.
وتوفى أبوه وهو في السادسة والثلاثين .
وتوفى أخوه الحسن (ع) وهو في السادسة والأربعين.
وأستشهد وعمره يناهز السابعة والخمسين.
وتولى الإمامة ما يقرب من أحد عشر عام.

الحسين
سيد الشهداء , الذي سقى شجرة الدين من دمه ونزيف مواقفه الصادقة الأبية السامية , فأصبح رمزا للإسلام ورايةً للحق المبين.
أبو عبدالله المُعلى , الذي عظّم في روحه وسلوكه قيم جده الرسول (ص) , الذي تعهده بالرعاية وأطعمه من فيه الكريم , وضمّه في حضنه المبارك الأمين.

الحسين
سبط الرسول (ص) , الذي وقف شامخا بكبرياء الحق والإيمان , وقوة التفاعل النقي الطاهر مع إرادة السماء , ومعاني القرآن ونهج جده خاتم المرسلين.
ثالث الأئمة , الذي عطش ليُسقي العَطاشى , وجاع ليطعم الجياع , واستشهد ليحي القلب والروح والضمير في الإنسان , ويستنهض الغافلين من رقدة الضياع.

الحسين
كذلك سمّاه النبي (ص) وهو من أهل الكساء وأحد ريحانتي رسول الله من الدنيا , الذي صال على معاقل الضلال والبهتان ليُذكّر بنور القرآن وقدرات الإيمان , وليبقى الإسلام ساطعا منيرا في أرجاء الأرض إلى أبد الآبدين.
الحسين الذي استشهدَ معه سبعة عشر من إخوانه لأبيه في وقعة الطف , والذي نقش على خاتمه “إن الله بالغ أمره”.
هو راية الإسلام وتاج المؤمنين الصادقين الذين يجاهدون في سبيل الله , والساعين إلى إحقاق الحق وإزهاق الباطل ولو كثرت حشوده وتعاظمت قدراته ,لأن الباطل في يقينهم لزاهق , وأن الحق لساطع وبالغ أمره بإذن الله.

الحسين
محبّة الله في قلب كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله , لأنه يحب رسول الله ومن يحبّه أحب سبطه وآله أجمعين.
فهو رمز المحبة والألفة والصدق والرحمة والشفقة والنجاة من سوء الأفعال , والسعي إلى خيرها وما يقرّب الناس من بعضهم ومن ربهم الخالق الرحمن الرحيم.

الحسين
أبو الأحرار , رمزنا ومَثلنا , أينما كنا وكلما ذكرنا نبي الرحمة وإمام المرسلين.
هذا الرمز الإسلامي الكبير, والروح النبوية المحلقة في دروب المسيرة الإنسانية , شاهد إشراق وضوء نور للمحبة والوئام الإنساني الكبير.
لقد ضحى بنفسه وأهله من أجلنا , واستشهد في سبيلنا , لكي نعي حقيقة معاني الدين والحياة , ولنسلك الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه ولا إنحراف .
فهو إرادة الحق المطعم بالنبوة ومعاني جواهر الدين القويم.

الحسين
الوتر الموتور , نور في قلوبنا , ومعرفة وهّاجة في عقولنا , وصوت أبدي مجلجل في أعماقنا, يذكرنا بنصرة الحق والوقوف بوجه الباطل.
وهو دعوتنا الكبرى المدوية للإعتصام بحبل الله جميعا , والإقتراب الواعي من القرآن وفهمه والعمل بما جاء فيه , وإتباع نهج جده وأبيه في التفاعل مع الحياة واللغة والفقه لأنه سليل البلاغة ونهجها الرصين.

الحسين
شعارنا وهدفنا وعقيدتنا ومنهاج عملنا كمسلمين , فهو المعبّر الصادق , والواهب الأكبر, والمترجم الأقدر لمعاني الدين ورسالة جده سيد العالمين , الذي أطعمه بالمعرفة الإلهية والإيمان مثلما أطعم أباه وأمه من قبله.
إنه مرآة المسلم , ومنار المؤمن وصوت وجود إيماني مطلق , سيبقى منيرا ما سطعت شمس وأنار قمر في دجى أيام البشرية المتعاقبة في بحر السرمد.

الحسين
حسيننا وصوتنا , وبه تتوحد قلوب المسلمين حول راية سيد الإشراق والحق والعدل , لأنه عنوان كبير من عناوين الإسلام الطيب الرحيم , وقمر إنساني لا يغيب , ويكون بدرا في تمامه في يوم عاشوراء , التي فجرت في الأرض ينابيع الإرتقاء إلى آفاق المعاني العالية , والمباهج الغالية , والتصورات الإيمانية السامية , وحوّلت الأوجاع والآهات إلى ميادين للرحمة والرجاء.

الحسين
حسيننا وإمامنا وولينا وسيدنا , وعنوان وحدة إسلامنا ومحبتنا , ورعايتنا لبعضنا ورأفتنا على المحتاج منا , وبه وبمبادئه تتحقق قوتنا وقدرتنا وكرامتنا.

وهو شعلة الإسلام المنيرة ومجد التسامي الخلاق , وقد أوصاه أبوه ” وكأنه يوصينا , بقول الحق ومخاصمة الظلم ونصرة المظلوم , وبتقوى الله وصلاح ذات البين “فإني سمعت جدكما (ص) يقول ( صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام). وألله ألله بجيرانكم فإنها وصية نبيكم وما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم”
الحسين الذي أوصاه علي (ع) قائلا: “وعليكم بالتواصل والتباذل. وإياكم والتدابر والتقاطع. لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فيولّى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم”

ولكي نعرف الحسين ومعاني إستشهاده , علينا بالمحبة والرحمة والأخوة ولمّ الشمل وإتباع القيم والأخلاق النقية الطاهرة , التي تزيدنا تقربا من الله ونبيه وأحفاده الأطهار , وأن نعمل بوصية أبيه له ولأخيه.

الحسين رسول سلام وحق وإيمان وبرق كبرياء , ووميض إنتصار على قوى الظلام والبهتان , وقوة في أعماق البشرية , تستنهضها للوقوف بوجه الباطل والإعتصام بالحق والقرآن , وأن

“وأطيعوا الله والرسول ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين” الأنفال 46.

وفي الختام أشارككم قول الجواهري في عاشوراء:

“أقول لأقوامٍ مضوا في مُصابه
يسومونه التحريف حتى تغيّرا
دعوا روعة التاريخ تأخذ مَحلها
ولا تُجهدوا آياته أن تحورا
وخلوا لسان الدهر ينطق فإنه
بليغٌ إذا ما حاول النطقَ عبَّرا”

تحية إجلال وتقدير للحسين (ع) في ذكرى إستشهاده وآل بيته الكرام , وأرجو أن تعود علينا هذه الذكرى ونحن في تماسك وتعاضد وتوحد وأخوة ومحبة وإنسجام , فقوتنا ترضي سيد الشهداء وضعفنا يُغضبه , وألفتنا واعتصامنا بحبل الله المتين يبهجه ويسعد آل بيته وجده.
أما غير ذلك فأنه يبعدنا عنه وعن المبادئ التي جاهد في سبيلها , وهو يرفع راية الإسلام عاليا , بقوة الصابرين الأفذاذ الذين يصنعون التأريخ وينيرون دروب السماء.

“واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا…” آل عمران 103

هذا حسيننا القدوة السرمد , فهل نحن ضد الحسين بسلوكنا وأفعالنا وأعمالنا أو مع الحسين؟!!
لنتساءل ونجيب بصدق وعقل طاهر مؤمنٍ مبين!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here