رسالة المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الى رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي

وجه المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي في 11 تموز الماضي رسالة الى السيد مصطفى الكاظمي رئيس مجلس الوزراء، حمّلها تصورات ومقترحات في شأن “الاوضاع الصعبة والازمات المتفاقمة التي تعصف بعراقنا العزيز”، وداعيا الى مناقشتها “لما فيه مصلحة وطننا وخلاصه من دوّامة الإخفاقات والأزمات والفساد الملازمة لنهج المحاصصة”. واشار في هذا الصدد الى ان تجربة الحكم منذ عام 2003 اثبتت “أن اعتماد التقاسم المحاصصي في بناء الدولة جعلها ميدانا للتسابق والصراع بين القوى والكتل السياسية من اجل المواقع والمنافع، وعمل على تشظيها واضعاف تماسكها وأدائها وقدرتها على بسط سلطتها وصيانة السيادة الوطنية”.

واستطردت الرسالة تقول:
“إدراكا منا للأوضاع الصعبة والأزمات المتفاقمة التي تعصف بعراقنا العزيز، وانطلاقا من مسؤوليتنا الوطنية امام شعبنا، نضع امامكم تصورات ومقترحات، مبدين استعدادنا لمناقشتها معكم لما فيه مصلحة وطننا وخلاصه من دوّامة الإخفاقات والأزمات والفساد الملازمة لنهج المحاصصة. فقد أثبتت تجربة الحكم منذ عام 2003 أن اعتماد التقاسم المحاصصي في بناء الدولة جعلها ميدانا للتسابق والصراع بين القوى والكتل السياسية من اجل المواقع والمنافع، وعمل على تشظيها واضعاف تماسكها وأدائها وقدرتها على بسط سلطتها وصيانة السيادة الوطنية.
اننا بطبيعة الحال ندرك تماما الظروف بالغة التعقيد والصعوبة التي أحاطت بتكليفكم وبتشكيل الحكومة من جانب، والأزمات الحادة الموروثة والجديدة التي وضعت حكومتكم والبلاد أمام تحديات جسيمة من جانب آخر. ولعل أهم هذه التحديات هو وضع البلد على طريق الإصلاحات العميقة والتغيير، والاستجابة إلى المطالب المشروعة التي رفعتها انتفاضة تشرين الشعبية. وقد تضمن المنهاج الحكومي مجموعة من الأهداف والالتزامات التي تعكس هذه المطالب، كإحالة قتلة المنتفضين الى القضاء، والتصدي لوباء كورونا، وتنظيم انتخابات مبكرة نزيهة وشفافة وعادلة، وفتح ملفات الفساد، والتعاطي مع الازمة المالية وترابطها بالبعدين الاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق الإصلاح الاداري والمالي، وحصر السلاح بيد الدولة، وتعزيز مقومات القرار الوطني المستقل.
إن من شأن تحقيق هذه المهمات أن يحدث قطيعة مع المسارات الماضية، التي قادت إلى التدهور المريع في أوضاع العراق، وما يسببه هذا من معاناة شديدة وظروف معيشية قاسية لأقسام واسعة من أبناء شعبنا، ومن توزيع غير عادل للدخل والثروة في المجتمع. ولهذا السبب بالذات يصطدم تنفيذ المهمات المذكورة بعقبات جدية ومقاومة قوية متعددة الأشكال، من جانب قوى وكتل سياسية ومجموعات وشخصيات نافذة في الدولة والمجتمع، ترتبط مصالحها ببقاء الأوضاع على حالها فتناهض أي مسعى جدي للتغيير.
وانطلاقا من متابعتنا الدقيقة للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد وقراءتنا لها، ومن قناعتنا الراسخة بان البلاد تقف اليوم على حافة الهاوية، إن لم تكن تتدحرج فيها، نرى ان الأوضاع ستشهد مزيدا من التدهور ما لم يحدث انعطاف نوعي وجوهري في مسار منظومة الحكم. وان مسؤولية وضع البلاد على سكة انجاز هذا التغيير، تقع اليوم على عاتق حكومتكم عبر التنفيذ الجاد للالتزامات الواردة في منهاجها، والاستجابة للمطالبات الشعبية.

واسهاما منا في الجهد الرامي إلى رسم أنجع السبل والمسارات لمواجهة هذه التحديات، ولأجل التحديد الصائب للأولويات في خطوات وإجراءات الإصلاح والتغيير وترابطها، وتأمين متطلبات تنفيذها ونجاحها، ونظرا لأهمية التخفيف من معاناة الناس وتلبية مطالبهم الملحة، نقدم لكم في ادناه رؤيتنا الى ما يتطلبه ذلك:

أولا: تقديم الرؤية والمنهج

ان من الضروري طرح رؤية واضحة امام الشعب، ومصارحته بما يمكن ان تنفذه الحكومة، وهي حكومة يمكن اعتبارها من الناحية السياسية مؤقتة وذات مهام محددة، تهيئ شروط إقامة انتخابات مبكرة حرة ونزيهة وعادلة، وفتح مسارات الإصلاح السياسي للخلاص من منظومة المحاصصة والفساد، وتأمين مجال للتشاور الدائم مع القوى الشعبية والسياسية التي لها مصلحة في التغيير. وفي هذا الشأن طرحت الحكومة أولوياتها في البرنامج الحكومي، وهو أمر جيد وضروري، إلاّ أن ذلك غير كاف ما لم يقترن بخطوات لاحقة تتعلق بآليات التخطيط التفصيلي والتنفيذ والمتابعة، لكل مفصل من المفاصل والميادين التي يشملها الإصلاح، وأن يُحدد تسلسل تنفيذ الخطوات الإجرائية في ضوء نظرة وتحليل شاملين للترابط بين الإصلاحات المطلوبة. ذلك ان النظرة المجتزئة لأيّ اصلاح من دون الوضوح بشأن الخطوات الضرورية التي ينبغي أن تسبق ذلك الإصلاح او تعقبه، يمكن أن تكون نتيجتها الفشل، وردود فعلها معاكسة. لهذا تلزم الحكومة خارطة طريق تفصيلية لتنفيذ الإصلاحات في المجالات السياسية والمؤسسية والاقتصادية وغيرها، مع وجود جهة مركزية مرتبطة برئاسة الحكومة، لمتابعة التنفيذ وتدقيق وتصويب مساراته وتأمين مقومات النجاح لكل خطوة إصلاحية.
وفي هذا السياق تبرز أهمية التداول والتشاور مع القوى والجماعات والشخصيات السياسية والاجتماعية، التي لها مصلحة في التغيير ومواقف واضحة في الدعوة للإصلاح والعمل من اجله، ولا تحوم حولها شبهات التورط في ملفات فساد.

ثانيا: توفير متطلبات نجاح عملية الإصلاح والتغيير

من المعلوم أن الاقدام على اية خطوة جدية باتجاه تنفيذ الإصلاحات الأساسية الواردة في المنهاج الحكومي، وما يترجم النوايا والتوجهات التي تؤكدون عليها في تصريحاتكم ومواقفكم، ستستثير ضدها القوى المتضررة، وهي متنوعة وذات نفوذ وتمتلك عناصر قوة لا يستهان بها، ولها امتدادات متشعبة في الدولة وخارجها. وقد شهدنا خلال الأيام الأخيرة أحداثا وتطورات بالغة الأهمية والدلالة، تؤشر طبيعة ردود الفعل والمعارضة المحتملة، وتقدم دروسا واضحة بشأن أوجه الصواب أو الخلل في الإجراءات المتخذة. ونشير بهذا إلى بعض القرارات التي اتخذتها الحكومة، كالاستقطاعات من الرواتب والتغييرات التي شملت بعض القيادات العسكرية ورئاسات الهيئات المستقلة، والى عملية البوعيثة، كذلك الاغتيال الغادر للدكتور هشام الهاشمي، والذي يحمل رسائل سياسية صريحة ومضمرة.
ومن أهم ما بيّنته وأكدته هذه الأحداث، أنه ما لم يتم الحساب الدقيق لكل أبعاد وتداعيات أية خطوة وعملية جادة تتخذها الحكومة، وتحديد طبيعة القوى والشرائح الاجتماعية المتضررة او المستفيدة منها، ومدى قوة وقدرات القوى المتضررة، والتحسب المسبق لكل ذلك، فان من المشكوك فيه ان تحقق تلك الخطوات النتائج المرجوة، بل ويمكن إن تكون ذات مردود عكسي على الحكومة وعلى رصيدها الشعبي.
إن عملية التغيير تشتمل على «معارك» عديدة في مواجهة الدولة العميقة ومنظومة الفساد والجماعات خارج الدولة والقانون، وان النجاح في كل منها يتطلب حشد كل القوى الداعمة للتغيير والتي لها مصلحة فيه، وهي كثيرة وقادرة على كسب المعركة، في ما لو احسنت ادارة الصراع واحسن تشكيل جبهة متماسكة لجميع مؤيدي التغيير.
وفي المقابل فإن التردد والتراجع في بدايات المسار يبعثان إشارات ورسائل سلبية إلى الشعب الطامح للتغيير، ويزعزعان الثقة بقدرة الحكومة ورئيسها على وضع منهاجهما ووعودهما موضع التنفيذ.
ونحن ندرك تماما أن موازين القوى بعناصرها المختلفة هي التي ستحسم في المطاف الأخير الموقف، سواء لصالح عملية الإصلاح والتغيير أم ضدها.
وان من رأينا أن يتم النظر الى توازن القوى ليس فقط من زاوية ما تمتلك القوى المتنفذة من مواقع نفوذ قوية في السلطة وبين الجماعات المسلحة، وما تمتلك من مصالح مالية ضخمة واعلام موجه وسطوة في مجلس النواب وامتدادات في مؤسسات الدولة، ومن تغوّل في هذه الميادين، بل كذلك من زاوية موقف الشعب ومطالباته بإزاحة تلك القوى ومحاكمتها. فمصالح الشعب التي عبرت عنها الانتفاضة تتناقض مع مصالح القوى المتنفذة، ولا مجال للمواءمة بينهما. وأكدت انتفاضة تشرين الباسلة أن الشعب يختزن مصادر قوة جبارة، قادرة على فرض الارادة الشعبية، وأن هناك موازين قوى جديدة تتكون لصالح قوى الاصلاح والتغيير.
ومن هنا فإن عناصر النجاح تكمن في القدرة على جمع وتحشيد القوى الخيرة المناصرة للإصلاح داخل الدولة، والمضي في اتخاذ القرارات والإجراءات الإصلاحية الحازمة والمدروسة بعناية وفق خارطة الطريق، وبدعم ضغط شعبي مؤيد للعملية الإصلاحية. وقد بينت تجربة الاحداث الأخيرة إن التأييد الشعبي الواسع تحقق تجاه ما اتخذته الحكومة من إجراءات بوجه السلاح المنفلت خارج الدولة، وازاء التغييرات في القيادات العسكرية وبخصوص أصحاب الدرجات الخاصة ورؤساء الهيئات المستقلة، خاصة عندما تكون الخيارات مستوفية لشروط الكفاءة والنزاهة والاستقلالية. وفي المقابل عبرت الاوساط الشعبية عن استغرابها وعدم رضاها عن بعض الاختيارات لشخصيات جرى تعيينها أو تكليفها أو عدم محاسبتها.

ثالثا: الإصلاح والتغيير ضرورة وليسا خيارا والزمن ليس مفتوحا

يواجه العراق أزمة بنيوية مركبة على صعيدي منظومة حكم المحاصصة، والطبيعة الريعية غير المنتجة لاقتصاده الوطني. ازمة فاقمتها شدة جائحة كورونا وتداعياتها وانهيار أسعار النفط العالمية، ما أوصل البلد الى حالها اليوم تحاصرها أزمات خانقة. وتسبب هذا في اشتداد معاناة أوساط متزايدة من الشعب، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتهاوي الخدمات العامة وتداعي قدرة مؤسسات الدولة، بحكم واقعها المعروف، على إدارة هذه الأزمات، ناهيك عن ايجاد الحلول لها.
ومما يكتسب اهمية خاصة وملحة في مواجهة هذه الأزمات والتحديات الكبيرة، اضافة إلى ما سبق ذكره من ضرورة الإرادة السياسية والحزم والوضوح في ترتيب الأولويات، أن ترسل الخطوات الملموسة إشارات واضحة لا يشوبها التباس، إلى عزم الحكومة السير على طريق يختلف عن الحكومات السابقة، ومراعاة عامل الزمن، والانحياز الواضح الى الشعب وتبني مطالبه واولوياته، والابتعاد عن المماطلة والتسويف في الاستجابة لها. فليس هناك أفق حقيقي لوقف التداعي والانهيار في إطار منظومة الحكم القائمة على منهج المحاصصة الطائفية، المسؤولة عن تشظي الدولة وضعفها وعن حصر السلطة والمال والسلاح والاعلام بيد القلة.
لقد اقدمت الحكومة على خطوات أتسمت بالجرأة ووجدت صدى شعبيا قويا، إلاّ أن بعضا منها لم يبعث الرسائل المناسبة، وهو بحاجة إلى تصويب والى مراجعة المنطلقات والحسابات السياسية والاقتصادية التي تقف خلفه.
وفي ضوء ما تقدم نرى أن هناك أهدافا والتزامات ووعودا أطلقتها الحكومة، وتؤكدونها في تصريحاتكم، غير قابلة للتأجيل من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وان هناك أخرى تتطلب الشروع، أو على الأقل التوجه الجاد نحو تأمين متطلبات تنفيذها. ومن ذلك ما يلي:
• الكشف عن نتائج التحقيقات بشأن قتلة المتظاهرين والمحتجين، وإحالة المسؤولين عن ارتكابها إلى القضاء، وإزالة الغموض الذي يلف ادعاءات وجود طرف ثالث تعجز الأجهزة الأمنية عن تحديده.
• اطلاق سراح الموقوفين فورا وبدون اي قيد او شرط، والكشف عن المفقودين والمغيبين، واجراء تحقيقات جدية في جميع عمليات الاغتيال التي طالت ناشطين مدنيين واعلاميين وحملة فكر وثقافة، ومن مناصري مشروع بناء الدولة واستعادة هيبتها على أساس المواطنة، وبعيدا عن الانقسامات والعصبيات الدينية والطائفية والقومية والمناطقية والعشائرية. وآخر تلك العمليات اغتيال الباحث هشام الهاشمي.
• تفعيل دور الأجهزة الأمنية المختلفة وضمان انصياعها لأوامر القائد العام للقوات المسلحة في ملاحقة السلاح المنفلت خارج القانون وضبط حركته، وتوفير الحماية لحرية التعبير التي تهدف عمليات الاغتيال والترويع إلى تكميمها.
• المباشرة بضرب رؤوس الفساد ومنظومته، وضرب شبكة المصالح التي تربط كبار المتنفذين مع المفسدين، وإحالتهم الى النزاهة والقضاء، وفتح ملفات الفساد وعدم الخشية من أي فاسد، فهو مهما بلغت قوته ونفوذه ضعيف امام الشعب.
*اعادة القرار الامني حالا الى الجيش والشرطة، وحصر السلاح والعمليات العسكرية بيد الدولة، وتطبيق قانون الحشد الشعبي دون تأخير، وعدم السماح بأي وجود للتشكيلات العسكرية الخارجة عن القانون، أيا كانت مسمياتها وتحت اي مبرر كان. فمن غير الممكن ان تجري اعادة بناء الدولة وان تفرض هيبتها، في ظل تعدد للسلطات وانتشار للسلاح وتجاوز على القانون واضعاف لدور المؤسسات الرسمية.

الانتخابات المبكرة

في الوقت الذي تؤكدون فيه حرصكم على تنظيم انتخابات مبكرة عادلة ونزيهة، وعلى توفير البيئة الصحية لها لتشجيع أوسع مشاركة فيها ولضمان أن تعكس إرادة الناخب الحقيقية، يتزايد الحديث عن تعذر اقامة الانتخابات حتى في موعدها نهاية الدورة النيابية الحالية. وذلك لأسباب مهمة تتمثل في عدم استكمال تشريع قانونها، وعدم اكتمال هيكلة مفوضية الانتخابات، والنقص في قوام المحكمة الاتحادية، تضاف اليها الكوابح المالية، وعدم وجود احصاء سكاني يحدد عدد سكان كل دائرة انتخابية صغيرة، كما ينص على ذلك القانون الجديد، إلى جانب الحاجة الى التطبيق الدقيق لقانون الاحزاب وابعاد تأثير المال السياسي والسلاح خارج الدولة. لذا فان الحكومة مدعوة للتحرك بشكل ملموس، لتذليل هذه المعوقات حسب تعهدات المنهاج الحكومي، مع علمنا بعدم رغبة معظم القوى السياسية النافذة في إجراء الانتخابات المبكرة.
ومن وجهة نظرنا فان القانون الجديد بحاجة إلى تعديل لصالح اعتبار العراق دائرة واحدة، أو (كخيار آخر) الابقاء على المحافظة كدائرة واحدة. ففي ذلك تجسيد أفضل لمبدأ المواطنة، وضمان لأوسع مشاركة ممكنة، كما انه يوفر مبادئ العدالة، ويحفظ التنوع في المجتمع العراقي، ويؤمن حق الأطياف الأخرى في التمثيل، ويؤمن التمثيل النسوي، ويحفظ تمثيل الشباب بما يناسب حجمهم في المجتمع. ومن جانب آخر ينبغي تأمين اشراف دولي فعّال على عملية الانتخاب.
إن الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة وتهيئة مستلزمات إجرائها، تنطلق من ضرورة الاستجابة إلى الصوت الشعبي المتطلع إلى التغيير. والانتخابات تمثل أداة سلمية ودستورية رئيسة لإحداث التغيير.
وبموازاة هذه الخطوات يتوجب على الحكومة مواجهة الأزمات الصحية والاقتصادية والمالية، وتداعياتها وآثارها الاجتماعية الوخيمة. وهذا ما نرى ضرورة مواجهته برؤية إستراتيجية، وليس بمنطق إدارة أزمة عابرة تتطلب حلولا آنية وحسب، لا سيما وأن الكثير منها من شأنه أن يزيد معاناة قطاعات شعبية واسعة، ويعمق ارتهان الدولة للقروض الداخلية والخارجية.

مواجهة وباء كورونا
على الصعيد الصحي بات انتشار الوباء وازدياد عدد الاصابات والوفيات بمعدلات سريعة، يثير قلقا متناميا لدى عموم المواطنين، وينذر بانهيار النظام الصحي الذي يعاني أصلا من مشاكل سوء الادارة والفساد.
لذا تبرز الحاجة إلى مراجعة وتدقيق الإجراءات الصحية الضرورية للوقاية من جائحة كورونا، وتجنب حالة التعدد والتباين في التصريحات، وتوحيد الموقف الرسمي بشأن الاجراءات، وضمان التطبيق الدقيق لها من قبل الجهات المعنية.
ونظرا لضعف التزام نسبة كبيرة من المواطنين بالإجراءات الوقائية، فلا بد من مضاعفة الجهود التوعوية باستخدام وسائل الاعلام المختلفة وبطرق عرض واضحة وجاذبة، مع اشراك المتطوعين من منظمات وأفراد.
ولن يكتب النجاح للخطط المهيئة ما لم ترتبط وثيقا بتوفير متطلبات العيش والحياة لملايين العراقيين، الذين تتقطع بهم السبل عند فرض الحظر سواء كان جزئيا أو شاملا.
فلا بد من أن تتضمن مواجهة الأزمة الصحية إجراءات متكاملة ومتوازنة، تشمل الجوانب الصحية والمعيشية والخدمية، وبضمنها خصوصا تطوير البنى التحتية والضمان الصحي للمواطنين، وتأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين ومستحقات الرعاية الاجتماعية.

السيد رئيس مجلس الوزراء الموقر

يقف العراق اليوم على مفترق طرق، وانتم تتحملون المسؤولية في ظروف بالغة الصعوبة والدقة، وعلى خياراتكم وقراراتكم وتوجهاتكم يتوقف ما اذا كان العراق يتوجه نحو الخروج من دوّامة الأزمات وفتح افق واعد للمستقبل، أم يستمر في الانحدار نحو مآلات مفتوحة على أسوأ الاحتمالات، وبضمنها ما قد يعصف بالدولة، وبوحدة البلاد ونسيجها الوطني، وبالسلم الأهلي. لذلك نقول ان نهج الإصلاحات العميقة والتغيير الذي اشّرنا ملامحه ومتطلباته ومحطاته هو طريق خلاص العراق، وان انتهاجه بثبات ووعي كفيل بكسب تأييد شعبي واسع، وباستنهاض وحشد القوى السياسية والاجتماعية بمختلف أطيافها المتطلعة إلى التغيير والإصلاح، من أجل بناء دولة الدستور والقانون والمواطنة والعدالة الاجتماعية.
إن حزبنا يواصل عمله ونشاطه متعدد الأشكال من اجل التنفيذ الفعلي والملموس للإجراءات والخطوات الإيجابية، التي وعدت الحكومة بتنفيذها لتصب في مصلحة الشعب، وتستجيب لمطالب الانتفاضة والمواطنين، وتمهد للانطلاق على طريق التغيير. نحو انهاء نظام المحاصصة الطائفية والاثنية، وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية، وإرساء قواعد دولة المواطنة الديمقراطية.
وتقبلوا خالص التقدير

المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي
بغداد
١١-٧-٢٠٢٠

ملاحظة: نرفق برسالتنا هذه ملحقا تفصيليا بالإجراءات المقترحة في المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والأمنية، ونسخة من التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية لحزبنا في ٧ حزيران ٢٠٢٠.

ملحق الرسالة
حول الاجراءات المقترحة في المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والأمنية
إجراءات في خصوص العدالة الاجتماعية
كشفت الازمة المالية والنقدية عمق التفاوت في الدخل والثروة في المجتمع العراقي، وتعاظم الصعوبات الحياتية لمعظم شرائح المجتمع، مقابل مظاهر غنى وترف هائل ونمط عيش باذخ لشريحة اجتماعية ضيقة ذات طبيعة طفيلية، ما يجعل من تحقيق العدالة الاجتماعية مطلبا ملحا، إلى جانب توفير فرص العمل والعيش الكريم، خصوصا للشباب الذين تجاوزت نسبة البطالة في أوساطهم 30 في المائة، فيما تتراوح نسبة مشاركة النساء في قوة العمل بين 13 و 17 في المائة لا اكثر.
لهذا يتوجب ان يكون بُعد العدالة الاجتماعية حاضرا في جميع الاجراءات المالية التي تتخذها الحكومة في مواجهة شحة ايرادات الموازنة، إلى جانب ايلاء اهتمام خاص لتفعيل وحسن ادارة وتنفيذ التشريعات والانظمة المتصلة بها، كالبطاقة التموينية وشبكة الحماية الاجتماعية.
فالبطاقة التموينية تعاني من فساد وسوء إدارة كبيرين، بحيث تقلصت مفرداتها إلى ثلاث أو أربع مواد، وهي لا توزع بانتظام، وإن وزعت فبنوعيات غالبا ما تكون غير جيدة. وفي ظروف الأزمة الخانقة الراهنة، تزداد أهمية التوزيع المنتظم لمواد البطاقة، وضرورة المعالجة الحازمة لعناصر الخلل والفساد في الدوائر االمعنية بها. كذلك الأمر بالنسبة لشبكة الحماية الاجتماعية التي ينبغي ضبط وصول اعاناتها إلى المستحقين، لا سيما الفئات المهمشة في المجتمع.
وعلى الصعيد التشريعي من الضروري حث مجلس النواب على إيلاء الأولوية لإصدار التشريعات الخاصة بقوانين الضمان الصحي، والمتعلقة بتقاعد العاملين في القطاع الخاص، والضمان الاجتماعي، وتوفير الموارد المالية للصناديق ذات العلاقة، وضبط مساهمة ارباب العمل والحكومة إضافة إلى استقطاعات العاملين.

تفعيل مجلس الخدمة الاتحادي
لقد تشريع قانون مجلس الخدمة الاتحادي رقم (4) لسنة 2009 في 06/04/2009 ، وبقي بدون تنفيذ لمدة عشر سنوات ليقر مجلس النواب تشكيله في 28/10/2019 . ورغم تشكيله ، ظل المجلس مهمشا وغير مفعل حتى الآن وتستمر التعيينات والتكليفات تتم وفق المحاصصة والولاءات ما عدا بعض الاستثناءات.

عجز الموازنة العامة
إن معالجة الخلل في الموازنة العامة يمر عبر ترشيد الانفاق العام وزيادة كفاءته الانتاجية في المجالات التي يذهب اليها، واعادة ترتيب اولوياته لصالح قطاعات الصحة والتعليم والخدمات العامة والنشاطات المنتجة. وان من الواجب اجراء مراجعة واصلاح لنظام اعداد الموازنة وسياستها، فطوال السنوات الماضية كانت تخصيصات المشاريع مُبالغا فيها، وتتضمن تضخما في الانفاق على الأثاث والعجلات والايفادات والدورات التدريبية قليلة المردود، ويمكن أن يشمل تقليص الانفاق جميع هذه الأبواب، أضافة إلى الفوارق الكبيرة في الرواتب والمخصصات والامتيازات لصالح موظفي الرئاسات وأصحاب الدرجات الخاصة. كما يمكن إعادة النظر في عدد بعثاتنا الدبلوماسية في الخارج وفق معايير تشمل مستوى علاقات العراق مع الدول المعنية وحجم المبادلات الاقتصادية والتجارية واعداد الجاليات العراقية.
وفي مجال تنمية الموارد العامة، شخّص كثيرون المجالات والميادين والآليات الكفيلة بزيادة موارد الموازنة العامة، التي تعتمد حاليا على عوائد النفط بنسبة تفوق 90 في المائة. فأمام الدولة مساران لتغطية العجز المتوقع في الموازنة: أما زيادة الايرادات غير النفطية المتأتية من الضرائب والرسوم وأرباح الشركات العامة وشركات الهاتف النقال، أو اللجوء إلى الاقتراض الداخلي أو الخارجي.

المنافذ الحدودية والكمارك والضرائب
من المعلوم أن العديد من المصادر الإيرادية المهمة للدولة غير متاحة حاليا بسبب خضوعها إلى سيطرة جهات من خارج الدولة، وبسبب تفشي الفساد فيها وسوء الادارة وتخلف آليات العمل، ما يضعها ضمن أولويات الاصلاح المنشود. وينطبق هذا بشكل خاص على المنافذ الحدودية والموانيء ودوائر الضريبة والخدمات البلدية في بغداد والمحافظات.
وفي ظل الأوضاع القائمة على الأرض، لن تكون السيطرة على المنافذ الحدودية وايراداتها أمرا يسيرا، وتتطلب المعالجة حزمة من الاجراءات والخطوات السياسية والفنية والإدارية والأمنية.
فالمطلوب هو تغيير في طواقم إدارة هذه المنافذ، وتكليف عناصر مشهود لها بالنزاهة والكفاءة، والاسراع في الأتمتة والحوكمة الألكترونية في إدارتها، وتوفير حماية أمنية لمرافقها والعاملين فيها وانتزاعها من قبضة الجماعات الخارجة عن القانون والفاسدين، والتوصل الى تفاهمات وحلول بالنسبة لمنافذ اقليم كردستان.
ويجدر التأكيد أنه بدون ضبط المنافذ الحدودية يتعذر تنفيذ سياسة حماية المنتج الوطني، وتطوير قطاعي الصناعة والزراعة، وزيادة المصادر غير النفطية لتمويل الميزانية الحكومية.
ويحتاج الجهاز الضريبي وادارته إلى اصلاح عاجل، يشمل تعزيز إدارته بقيادات إدارية كفوءة ونزيهة، وتخليصه من العناصر المتورطة بالفساد، والتعجيل بإحالة عقود الأتمتة الألكترونية لعمليات الاحتساب والجباية الضريبية وغيرها من الأنشطة الضريبية. ومن الضروري أن يشمل الاصلاح تطوير وسائل مكافحة التهرب الضريبي، واعتماد الضريبة التصاعدية الأكثر عدالة، وتوسيع الوعاء الضريبي ليشمل الأنشطة والفئات عالية الدخل غير الحكومية، وحصر الاعفاءات بالفئات والشرائح ذات الدخل المحدود والضعيف، والتدقيق في الإعفاءات التي تشمل الانشطة والمواد.
وهناك ايرادات يعتمد استحصالها على توفر الارادة والقرار السياسيين، كإنهاء الفساد في عقارات الدولة ودوائر العقاري ودوائر الضريبة، واسترداد القصور الرئاسية والدور الحكومية من سيطرة المتنفذين، والتصدي الناجع للفساد، واسترداد الأموال المنهوبة واستحصال ديون الدولة على شركات الهاتف النقّال.
ومن الاصلاحات الواجبة ذات الطابع التشريعي، مراجعة وتخفيض الرواتب العالية والمخصصات والامتيازات، وتشريع قانون موحد للرواتب عادل ومنصف، ومراجعة عقود التراخيص بما يضمن مصالح العراق ويؤمّن تجنيبه تبعات التذبذب في أسعار النفط، كذلك إنشاء الصناديق السيادية.
كما يتوجب التدقيق في عمل نافذة بيع العملة في البنك المركزي، ووضع حد لحالات الفساد فيها ولتسرب الأموال إلى الخارج.

معالجة أزمة الكهرباء والمشتقات النفطية
ومن الواجب العمل بصورة مكثفة على وضع نهاية عاجلة لأزمة الكهرباء المستمرة، والكشف عن المعوقات الحقيقية التي تحول دون تطور قطاعها، والتعامل بحزم مع حالات الفساد ومنظومته، وتطبيق العقود مع الشركات العالمية مع التأكد من سلامتها. كذلك الاتفاقات مع دول الجوار التي عقدت مؤخرا.
ويشكل استيراد المشتقات النفطية عبئا كبيرا على الموازنة العامة، ونقطة ضعف استراتيجية في الاقتصاد الوطني، حيث تتوفر عندنا كل مستلزمات الصناعات البتروكيماوية، بما يمكن العراق من تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاجها. فتصنيع النفط من الأولويات الاستراتيجية التي تتطلب الاسراع في توفير مستلزمات اكمال مشاريع المصافي قيد الانشاء، وفسح المجال لشراكات سليمة مع القطاع الخاص وبهدف تطويره.

الاقتراض الخارجي والداخلي
يعتبر الاقتراض بشقيه الخارجي والداخلي خيارا غير محبذ، لأنه يرتب أعباء مستقبلية ترهق الموازنة على حساب تمويل الخدمات والاستثمار والرواتب والأجور، خصوصا عندما يستخدم لأغراض تشغيلية واستهلاكية غير منتجة للثروة والدخل. وفي حال الاضطرار، تكون الأولوية للاقتراض الداخلي مع حصر الاقتراض الخارجي بتمويل البرامج الاستثمارية.

مكافحة البطالة وتحريك النشاطات الاقتصادية
لا شك أن البطالة والبحث عن عمل والمطالبة بالتعيينات كانت ولا تزال من الأسباب الرئيسة التي تدفع الشباب إلى مواصلة التظاهر والاحتجاج. وفي ظل الأزمة المالية الخانقة وترهل الدولة، لا يمكن استيعاب المشكلة بإجراءات متسرعة غير مدروسة، عن طريق التعيينات غير الممولة كما فعلت الحكومة السابقة. فإلى جانب التعيينات التي تتيحها حركة الملاك، وعدد محدود من الدرجات الجديدة في بعض القطاعات الخدمية التي تعاني نقصاً، لا بد من إجراءات تشجيعية وتحفيزية، لتنشيط القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والخدمية.

وفي ما يلي مقترحات باتخاذ بعض التدابير الضرورية الاخرى:
• قامت الحكومة السابقة بتعيين ما يزيد على 300 ألف متقدم بعقود واجور يومية من دون أن تخصص لها وزارة المالية المبالغ اللازمة، وقد رافق هذه العملية ممارسات فساد وابتزاز للمتقدمين. لذا تندرج ضمن الأولويات تأمين مصادر تمويل رواتب واجور هؤلاء المتقدمين، وزجهم وحسب الاختصاص في مشاريع تقيمها الوزارات او اكمال المشاريع المتوقفة حسب مقتضى الحال، كما يمكن دراسة امكانية نقلهم للعمل في القطاع الخاص او المختلط بالتنسيق مع اتحاد الصناعات العراقي ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية لإيجاد الفرص المطلوبة .
• توفير الحماية الفعلية للمنتجات الزراعية حسب المواسم، وتشديد الإجراءات الرقابية والأمنية لمنع التهريب والالتفاف على القرارات الحكومية.
• توفير الدعم للصناعات الغذائية وتشجيع تطويرها وتوسيعها وإقامة المزيد منها.
• تشغيل الشركات الصناعية المملوكة للدولة والتي تم تأهيلها، وإلزام الوزارات ومؤسسات الدولة بشراء المنتوج الوطني المستوفي لشروط الجودة من القطاعين العام والخاص.
• إعادة النظر في شروط الإقراض من طرف المصارف المتخصصة للمستثمرين الصناعيين، التي تمثل اليوم عاملا رادعا للمستثمرين، وتيسير الإجراءات الإدارية وتشديد الإجراءات الرقابية للحيلولة دون ابتزاز المستثمرين ومساومتهم على منح القروض.
• تعاني البلاد نقصا شديدا في الوحدات السكنية، يتراوح في بغداد بين مليون وسبعمائة وخمسين ألفا وثلاثة ملايين وحدة سكنية. ويعتبر قطاع البناء والسكن من القطاعات كثيفة العمالة، ومحركا لعشرات الأنشطة الاقتصادية من خلال الارتباطات الأمامية والخلفية. وقد سبق لمجلس النواب أن صوّت في 11 تموز 2019 على قرار نيابي يقضي بمعالجة أزمة السكن وحل مشكلة العشوائيات، وقد تضمن العديد من المقترحات الملموسة التي يمكن للحكومة النظر في تنفيذها.
• الإسراع في صرف التعويضات للنازحين، والنظر في صرفها جزئيا بشكل حصص من مواد البناء لإعادة بناء المنازل المهدمة.

القطاع النفطي
لقد فشلت الحكومات المتعاقبة في توظيف المورد النفطي لأغراض التنمية الاقتصادية، ولتنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، لأنها تعاملت مع المورد النفطي الناتج عن ثروة طبيعية ناضبة، وليس كثروة تحت الأرض يجب تحويلها إلى اصول واستثمارات مادية ومالية وبنى تحتية فوق الأرض. كما جرى التركيز على انتاج وبيع النفط الخام، واهمال عملية تصنيعه ورفع قيمته.
ويتطلب الامر الإسراع في إعادة هيكلة القطاع النفطي ليكون أحد وسائل التنمية الاقتصادية، عبر اعادة النظر في التراخيص النفطية، وتوظيف الريع النفطي لأغراض الاستثمار والتنمية بالدرجة الأساسية، مع التجديد والتحديث التقني، وانشاء صندوق سيادي أو أكثر لأغراض تمويل المشاريع التنموية، أو للتحوط للتقلبات في أسواق النفط العالمية ولحفظ حصة الأجيال القادمة.

التواجد العسكري الأجنبي
ان إنهاء كل تواجد عسكري أجنبي على أرض بلادنا مطلب وطني، وهدف ينبغي العمل الحثيث بثبات وجدية لتحقيقه، بجانب توفير جميع الشروط والمستلزمات التي تمكن العراق من الحفاظ على أمنه وسيادته واستقراره ذاتيا، وتعزيز قدرات قواتنا المسلحة تسليحا وتدريبا وجاهزية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص1 + 5 + 6 + 7
الجمعة 4/ 9/ 2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here