مكافحة الفساد: الثقة جيدة، لكن رقابة الشعب أجود!

كاظم حبيب
مكافحة الفساد: الثقة جيدة، لكن رقابة الشعب أجود!
الفساد في العراق لم يعد ظاهرة سطحية يمارس بين الحين والآخر، أو من هذا الشخص أو هذا الحزب أو تلك الجهة الحكومة أو الخاصة أو من هذه الدولة أو تلك، بل تحول الفساد عبر السنوات المنصرمة، منذ الاحتلال الأمريكي-البريطاني للعراق وتشكيل مجلس الدولة الانتقالي بقيادة بول بريمر، لاسيما في الفترة الواقعة بين 2006-2014، أي في فترة ولايتي نوري المالكي لرئاسة مجلس الوزراء العراقي، وعدم توقفها حتى ألان، نظاماً (System) متكاملاً وفاعلاً يمارس بجرأة وبلا حياء واستمرارية من قبل سلطات الدولة الثلاث ومؤسساتها وهيئاتها المستقلة وعموم الأجهزة المدنية والقوات المسلحة العراقية بكل صنوفها بصورة سافرة بمشاركة جميع الأحزاب الإسلامية السياسية، الشيعية منها والسنية، وتشكيلاتها المسلحة المعلن عنها أو المستترة، ومنها بشكل خاص الحشد الشعبي والميليشيات الطائفية المسلحة، وكذلك الأحزاب القومية، العربية منها والكردية، وكذلك القطاع الخاص الاقتصادي والتجاري والعقاري والبنوك المحلية الخاصة والحكومية، وبمشاركة قسرية من جانب المجتمع لتسيير شؤونه الخاصة والعامة، إضافة إلى مشاركة مستمرة من جانب الدول والشركات الأجنبية، لاسيما دول الجوار، وكذلك الدول الكبرى وتلك التي يتعامل معها العراق. هذا التشخيص الواقعي لا يعني عدم وجود أشخاص أو دوائر في هذا النظام لا يتسمون بالنزاهة والعفة والضمير والحس الوطني. إلا إن هؤلاء الأشخاص أو المجموعات لا يشكلون سوى القلة غير المؤثرة والمركونة جانباً والمكروهة من قبل الغالبية الفاسدة الفاعلة والمهيمنة على الحكم والمال والنفوذ الاجتماعي.
هذا الواقع يؤكد حقيقة مهمة إن محاربة هذا النظام، وأن كان غير مستحيل، ولكن صعب للغاية ومصحوب بمحاولات جادة للإجهاز على من يحاول التحرش بهذا النظام أو استدعاء شخوصه ومحاسبتهم، فهم يملكن أسلحة عدة وليس سلاحاً واحداً، ليس الميليشيات المستعدة للخطف والتغييب والتهديد والقتل في كل لحظة، بل وأيضا لهم قوى الدولة (السلطة التنفيذية ومجلس النواب والقضاء) التي تحميهم وتدافع عنهم، كما لهم في الخارج من يمارس كل الضغوط لإفشال كل محاولة لفتح ملفات الحيتان الكبار التي أتت ليس على مئات المليارات من الدولارات الأمريكية وسرقت الخبز واللقمة من أفواه الفقراء والمعوزين وأوقفت عملية التنمية الوطنية وزورت بتلك الأموال الانتخابات النيابية العامة والمحلية وغطّت على القتلة والمزورين ..الخ, فحسب، بل أن نظام الفساد المالي والإداري والسياسي قد صادر كامل حقوق الإنسان المثبتة في لائحة حقوق الإنسان الدولية لعام 1948 وبقية الوثائق واللوائح الدولية والإقليمية الخاصة بحقوق الإنسان والشرعة الدولية. من هنا تبرز حقيقة أن الفساد يعتبر من الجرائم الكبرى التي يجب ألَّا تسقط بالتقادم، بل يجب ملاحقة مرتكبيها حتى تحقيق العدالة. ومن هنا جاءت المطالبات الشديدة والمستمرة من جانب بنات وأبناء الشعب المخلصين بمحاربة الفساد والفاسدين وتجلت في أغلب المظاهرات والتحركات المدنية خلال السنوات المنصرمة، والتي تبلورت في هتافين صارخين “باسم الدين باگونة الحرامية”، باسم الدين والمذهب باعوا وطنه”، ثم تبلورت في شعارين مهمين: “نازل أخذ حقي”، و “أريد وطن” مستقل، يكون الشعب فيه هو صاحب الكلمة العليا والمصلحة.
قبل يومين نشرت وسائل الإعلام العراقية خبراً مهماً مفاده تشكيل رئيس مجلس الوزراء لجنة مسؤولة عن التحقيق في ملفات الفساد والقضايا الكبرى، التي طالما طالب الشعب بفتحها والتحقيق بالحيتان الكبرى التي أذلت الشعب العراقي وأفقرته وعطلت عملية التنمية والتقدم وأشاعت الرثاثة في جميع جوانب حياة المجتمع. وأوكل رئاسة اللجنة إلى الفريق الحقوقي السيد أحمد طه هاشم، معتمداً بهذا التكليف على عمله معه ومعرفته به وثقته بأمانته، كما وضعت تحت تصرفه ما يحتاج له من إمكانيات مادية وإدارية وملفات محفوظة منذ سنوات. ثم أوكلت للجنرال عبد الوهاب الساعدي، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، مهمة اعتقال من ترى اللجنة ضرورة تقديمه للمحاكمة.
لا شك إن هذه اللجنة ستحتاج إلى عدة مسائل جوهرية:
1) تأييد الشعب وقوى الانتفاضة والأحزاب الوطنية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني لهذا الإجراء ومتابعة تنفيذه.
2) تأمين مشارة خبرة مجموعة من الحقوقيين العراقيين والقضاة النزيهين، إضافة إلى الخبرة الدولية في مجال التحقيق بقضايا الفساد المالي، وقضية اجتياح الموصل ونينوى، وشهداء معسكر سپايكر، وأحداث الأنبار عام 2011، وشهداء انتفاضة تشرين الأول 2019، وقضايا المغيبين والمختطفين والاغتيالات، …الخ.
3) ليس الهدف من التحقيق والمحاكمات هو الانتقام ونشر الأحقاد والكراهية في صفوف المجتمع، بل تحقيق العدالة واستخلاص الدروس منها ومن تجارب السنوات المنصرمة والخبرات التي يفترض الاستفادة منها والأسس التي يستوجب أن تسود في الدولة والمجتمع، وسيادة القانون وهيبة الدولة ومنع التجاوز على الدستور وحماية حقوق الإنسان والمجتمع وثروة البلاد.
4) إشراك الشعب من خلال نشر الوثائق والشفافية في التعامل مع الملفات وتأمين رقابة الشعب ومنظمات المجتمع المدني، ومنها منظمات حقوق الإنسان، والنقابات، على مجرى التحقيق والمحاكمات، مع الاهتمام بسرعة ودقة إنجاز الملفات بهدف الَّا تمتد طويلاً بحيث يتسنى للفاسدين الهروب من وجه العدالة أو تمييع القضايا، لاسيما لأولئك الذين ما زالوا يلعبون دوراً كبيراً في إدارة دفة السياسة في البلاد والتحكم بمجلس النواب وأجهزة الدولة والحشد الشعبي…الخ. 
5) إن الثقة باللجنة التحقيقية وشخوصها أمر ضروري جداً، وإلا فالعملية لا تستحق الذكر، ولكن رقابة الشعب ومتابعته لها هي الأجود، التي لا بد منها للوصول إلى النتائج العادلة والمرجوة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here