الرواية الأجتماعية الأنكليزية

الرواية الأجتماعية الأنكليزية
ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد [email protected]
بقلم: د. صوفي راتكليف Dr. Sophie Ratcliffe
قام روائيون مثل تشارلس ديكنز Charles Dickens وأليزابيث كازكيل Elizabeth Gazkell وشارلوت برونتي Charlotte Bronte بتسليط الضوء على المشاكل الأجتماعية القائمة في بريطان1ذيا حينذاك من خلال الوصف المسهب للفقر والتفاوت الأجتماعي. وتبين د. صوفي راتكليف كيف أن الرواية الأنكليزية صورت المجتمع الأنكليزي ودعوات الأصلاح التي شهدها القرن التاسع عشر.
وقد كتبت اليزابيث كازكيل في مقدمة روايتها الموسومة (ماري بارتون) Mary Barton ( (1848 عن (الحالة البائسة للآوضاع أنذاك في بريطانيا الفيكتورية. وفي الصفحات التي تلت ذلك أشارت الى الأنقسامات في مابين أصحاب العمل والعمال. وقد تحدثت عن أولئك العمال الذين كانوا يعملون في المعامل في ظل ظروف عمل مزرية والذين كانوا يكافحون بقوة لضمان معيشة عوائلهم حيث كانوا يشاهدون أطفالهم أمام ناظريهم وهم يموتون بسبب مرض التيفوس. وقد ركزت على منطقة شمال بريطانيا الصناعية واستخدمت اللهجة المانكونية Manconian لتلك المنطقة مما جعل الرواية تتبؤأ مكانة مرموقة. وقد أدعت كازكيل أن محاولتها تلك في كتابة الرواية كانت بمثابة محاولة لكسر الهدوء وهو (نوع من البوح عن الألم المبرح الذي كان يهز بقوة أولئك الناس الصامتون بين الحين والآخر).
كانت كازكيل تكتب في فترة تاريخية شهدت كسادا أقتصاديا حادا عرف ب (الأربعينيات الجائعة) Hungry Forties. وقد شهدت منطقة شمال أوربا نقصا في المواد الغذائية نجم عن مواسم حصاد رديئة مما دفع المعامل الى تسريح العمال بشكل مؤقت. وعلى أثر ذلك أنهارت المصارف وهددت نقابات العمال بالقيام بتنظيم الأضرابات. ومثالا على ذلك عمد بنيامين دزرائيلي Benjamin Disraeli في أحد فصول روايته الموسومة (سيبيل: أو الأمتين) Sybil: Or, the two Nations (1845) الى تناول موضوع شعور الناس بالأغتراب حيث ترى أحدى شخصياته (أننا نعيش في امتين لايوجد بينهما ثمة علاقات أو تعاطف الواحدة منها تجهل عادات الأخرى وأفكارها ومشاعرها وكأن أفرادها يعيشون في مناطق مختلفة أو أنهم سكان كواكب أخرى ….)
قال أكريمونت Agremont بتردد:
– أنك تتحدث عن … الفقراء والأغنياء . (الكتاب الثاني ، الفصل 5)
وعمدت روايات كتبها كل من فاني ترولوب Fanny Trollope وهارييت مارتينو Harriet Martineau وفي رواية كازكيل الموسومة (الشمال والجنوب) North and South (1855) ورواية شارلوت برونتي الموسومة (شيرلي) Shirley (1849) وروايتي تشارلز كنكزلي Charles Kingsley الموسومتين (الزبد: مشكلة) Yeast: A Problem (1848) و (ألتون لوك) Alton Locke (1850) وروايتي تشارلس ديكنز الموسومتين (أوقات عصيبة) Hard Times (1854) و (المسكن الكئيب) Bleak House (1852) الى تسليط الضوء على أوضاع العمل المروعة وتحليل المشاكل الأجتماعية والعمل على تقريب فئات المجتمع المتباينة وجعلها تنسجم مع بعضها البعض.
وتشترك تلك الروايات جميعا بأهتمامها الكبير في الحاجة الى الأصلاح البرلماني الذي أستند الى فشل (لوائح أصلاح المصانع) لفترتي العشرينيات والثلاثينيات من القرن التاسع عشر وكذلك مظاهر الفقر المدقع الذي أنتشر حينذاك في أعقاب تقديم (قانون الفقر الجديد) في عام 1834. وقد أستعير العنوان المميز من توماس كارلايل Thomas Carlyle الذي طرح في روايته الموسومة (الميثاقية) 1 Chartism لأول مرة (القضية الأنكليزية) في الفصل الأول من الرواية.
صعوبة الحديث عن المشاكل المعاصرة
لقد واجهت الرواية الأنكليزية العديد من الصعوبات فحروف دزرائيلي الأستهلالية الكبيرة ، التي تمثل المكافيء المطبعي لصوت مرتفع ، توحي بصعوبة (التحدث عن القضايا المعاصرة). كان عصرا للآحصائيات فقد نشرت التقارير الحكومية التي كانت تناقش الأصلاح بصيغة (الكتب الزرقاء) Blue-books 2 . ومع وجود مثل هذه المعلومات والآراء لم يحصل سوى تغيير طفيف. وعلى أثر ذلك أشار عضو البرلمان وليام أيوارت William Ewart في عام 1865 قائلا: (لقد أمطرت الحكومة كتبا زرقاء لكن القليل منها فحسب تمت قراءته أما الكثير منها فقد أهملت في المخازن الحكومية ليتم بيعها بعدئذ بصفة ورق تالف)!
ديكنز
رغم أن ديكنز قد أبدى أمتعاضه من رجال الأحصاء الذين يقفون وراء الكتب الزرقاء ، الرجال الذين يقتصر عملهم على الأرقام والمعدلات فحسب فأنه كان يشعر بالقلق من محتويات البعض من تلك الكتب الزرقاء. وقد اشار مايكل سليتر Michael Slater الى أن عام 1843 كان عام (احباط كبير لديكنز) بفعل (التقرير الثاني الخاص بلجنة تشغيل الأطفال). وقد كتبت رواية (ترنيمة عيد الميلاد) Christmas Carol (أثر أنفعال شديد) في السنة ذاتها في اطار أستجابة جزئية لمحتويات التقرير بهدف (فتح قلوب الأثرياء والمتنفذين حيال الفقراء والمحتاجين). وكان التحدي الذي يواجه الروائي من منظور كل من ديكنز وكازكيل يتمثل في كيفية نقل مشكلة وطنية ما دون فقدان التواصل مع الأفراد. وبعد نحو عقد من الزمان تقريبا ركزت رواية ديكنز الموسومة (أوقات عصيبة) ، التي أتخذت منحى هجائيا ، على مثل هذه القضايا مرة أخرى حيث أبرزت أوجه تعرض عمال المصانع الى الأعمال اللآانسانية والقهر. وقد كتب بأن أولئك الناس كان يطلق عليهم على نحو مميز ب (الأيدي). وكان أولئك العمال بمثابة عناصر وجدت حظوة أكثر لدى بعض الناس أذا شاء الله أن يجعلهم مجرد أيد أو مثل المخلوقات الدنيا في ساحل البحر – مجرد أيد ومعدة (الفصل 10). وقد سعى ديكنز لتجميع أشكال الحياة المجزأة تلك من خلال تجسيد محنة الطبقة العاملة.

الأدعاء لم يكن ملاذا
كانت رواية (أوقات عصيبة) واحدة من الكثير من روايات القرن التاسع عشر التي صدرت على شكل حلقات في أحدى المجلات. وقد تنافست سلسلة ديكنز الأسبوعية التي نشرت في مجلة Household Words مع المقالات المنشورة الأخرى في أيجاد مكان على الصفحات لنشرها. وعمدت أحدى المقالات بعنوان (بلهاء مرة اخرى) الى (امتداح التحسن الكبير الذي حصل في معالجة … المجانين) في السنوات الأخيرة. والمقالة الموسومة (درس في عملية الضرب) سلطت الضوء على علم السكان في القرن التاسع عشر حيث تشير الى (أن عدد السكان في عام 1851 كان يزيد على 21 مليون نسمة). وحثت مقالة لاذعة عن الأوضاع في المدينة ، وهي تتناغم مع ماتحويه رواية (أوقات عصيبة) من عواطف ، القراء على (عدم التركيز على أنفسهم والأهتمام بالفقراء الصامتين). أن تصميم المجلة وتنوع المادة المنشورة فيها يدللان على أن قراء الروايات الأنكليزية الأجتماعية قد أكرهوا على تحويل أهتمامهم من الرواية الى الأخبار.
ومن السمات الأخرى المميزة للرواية الأنكليزية الأجتماعية تصويرها الوقائع الخاصة والتفصيلية لحياة الطبقة العاملة فرواية تشارلس كنكسلي (الزبد) على سبيل المثال تتناول عدم جدوى عمليات التنظيف الفاشلة في الأحياء الفقيرة. تقول أحدى الشخصيات: (من أين نأتي بالماء لتنظيف المكان؟ بمقدورنا أن نملأ غلايات الشاي فحسب!) (الفصل 13).ويقوم ديكنز بألتقاط هذا الموضوع في الفصل 30 من رواية (مسكن كئيب) حيث تقوم مبشّرة أنجيلية متطفلة بزيارة كوخ رجل فقير يعمل في صناعة الآجر. ويشير صانع الآجر الى ان القواعد الصحية الأخلاقية تبدو غير ذات صلة بوجه القذارة الفعلية بعد أن رفض رسالة المبشرة الخاصة بالخلاص الروحي.
أنظر الى الماء. قم بشمه ، هذا هو الماء الذي نشربه. مارأيك فيه؟ وكيف ترى
(الجن) بديلا عنه؟ الاترى المكان هنا قذرا … كان لدينا خمسة أطفال قذرين ومعتلي
الصحة ماتوا جميعا وهذا من حسن حظهم وحظنا أيضا! هل قرأت الكتاب الصغير الذي
تركته؟ كلا لم أقرأ ذلك الكتاب …
هناك مايدعو للضحك في هذه الرسالة الطنانة — أنها كوميديا أدركها الرسام المعاصر هابلوت براون نايت Hablot Browne Night في تصميمه المصاحب على السطح النحاسي الذي يسلط الضوء على (تعدد الأستخدامات) التي لبى هذا المكان المحدود متطلباتها أبتداء من الطبخ الى الغسيل الى الأسترخاء أو تعهد الطفل بالعناية. أما بالنسبة للمبشرة ذات الوجه الصلب السيدة بارديكل Mrs. Pardiggle فالمكان يبدو قاعة أستقبال تجلس فيه بأطمئنان محاطة بأتباع من الشباب اليافعين الذين يعتمرون قبعات رسمية. لكن هناك مأساة أيضا فقد جلست زوجة صانع الآجر بالقرب من النار وهي تمسك بجثة أبنها المتوفي بذراعيها ، فقد توفي الطفل بمرض التيفوس بسبب المياه الملوثة. و (الكتاب الصغير) الذي تم رفضه بقوة يضم كراسات دعاية دينية تهدف الى تحسين الحياة الروحية لصانع الآجر. غير أن الأشارة الى كتاب تم طرحه جانبا تنبيء عن صدى أوسع ينعكس على الرواية ذاتها ، كما انه يطرح تساؤلاعن ماأذا كانت كتب مثل (المسكن الكئيب) ربما لاتكون في صميم الموضوع أزاء المعاناة الجسدية.
الحذر حيال التغيير
تلازم قضايا الغاية الروائية والفائدة الروائية مجموعة الروايات التي تدور عن حال أنكلترا ففي تصوير جوانب الرعب المرتبطة بعمل الأطفال في المصانع وما يعانونه من فقر مدقع تبرز هناك في العادة المجازفة بالأسهاب النبوئي. ثم أن الملل العادي والمبتذل للفقر الشديد نادرا مايحفز الكتاب على الكتابة عنه ويتم في بعض الأحيان رفعه من خلال مايسميه أحد النقاد (الطرق المختصرة للميلودراما والمجاز). وأذا أخذنا في الحسبان التكرار الممل ترى ماالذي ينبغي عمله حيال نهايات الروايات التي مثلت تحديا لمؤلفيها. ومن الممكن أن يتسم الكتّاب بالتطرف في تصويرهم للمصاعب التي تواجه الطبقة العاملة ، غير أنهم أظهروا في العادة الحذر في طرح مقترحاتهم المتعلقة بالتغيير من خلال الأصطفاف يشكل ضمني مع الرأسمالية الداعية الى سياسة عدم التدخل الحكومي في الشؤون الأقتصادية فرواية يرونتي (شيرلي) تنتهي برؤية تخص الأهتمام المثالي ب (المشردين والجياع والعاطلين عن العمل). غير أن الناقد جان جاك ويبر Jean Jacques Weber يرى (بأن مثل هذا المستقبل الآفضل لن يتحقق من خلال أي تغيير متطرف في النظام الأجتماعي – الأقتصادي ، لكن من جراء أنتهاء الحروب النابوليونية. وكان الروائيان ديكنز وكازكيل يتسمان بالأعتدال ولم يشجعا ماتقوم به نقابات العمال من نشاطات ويحثان قراءهما على أقامة روابط في ما بين الطبقات وتشجيع الناس الآثرياء على التحلي بنظرة أبوبة مبنية على الخير تجاه الفقراء – وهو مادعته كازكيل ب (تعاطف السعداء). وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر تحسنت الأصلاحات والتشريعات فأبتداء من خمسينيات القرن التاسع عشر (بدأ الناس يقرأون الروايات التي توقفت عن حمل رسالة تتعلق بالأحداث الجارية حينئذ ومن ضمنها أن القراء على أستعداد لدفع مبالغ بهدف القراءة. مع ذلك شعر كتاب متأخرون من أمثال جورج كيسنك George Gissing وجورج مور George Moore وأي أم فورستر E. M. Forster وجورج أورويل George Orwell بالتركة التي ورثتها الرواية التي جسدت حال بريطانيا في منتصف القرن التاسع عشر وأن ماتتسم به الروايات من توترات وقناعات ماتزال ماثلة حتى يومنا هذا.

https://www.bl.uk/romantics-and-victorians/articles/the-condition-of-england-novel
——————————————————————————————————————
* تعمل د. صوفي راتكليف محاضرة للغة الأنكليزية في جامعة أوكسفورد في أختصاص أدب القرن التاسع عشر. وقد نشرت بحوثا عن أفكار ذات صلة بالتعاطف والعواطف في الكتابة الفكتورية. وتعمل في الوقت الحاضر على السبل التي يمثل فيها كل من الضمير والكياسة في النصوص التي كتبت في القرن التاسع عشر.

هوامش
1 الميثاقية: حركة عمالية أنكليزية نشطت في القرن التاسع عشر وهدفت الى تحسين أوضاع الطبقة العاملة أجتماعيا وصناعيا (المترجم).
2 كتاب تصدره الحكومة حول قضية ما (المترجم).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here