حوار مفتوح مع الأكاديمي د. عامر حنا فتوحي

حاوره د. عامر ملوكا

د. عامر فتوحي شخصية كلدانية تمتد جذورها الى عمق تاريخ حضارة مابين النهرين فهو فنان تشكيلي وكاتب وأكاديمي مختص في تاريخ وحضارة وادي الرافدين.الثقافة لديه لم تكن ترفا فكريا بل تفاعلا حياتيا متكاملا مع كل مايدور حوله ليصل من خلالها الى الحقيقة وقلمه المبري هو سلاحه عندما يكون الهدف بناء أفكار وثقافة .عُرف في العراق في الساحة الثقافية منذ مطلع عقد ثمانينات القرن المنصرم وفي الولايات المتحدة منذ منتصف عقد التسعينات.

* دكتور عامر حنا فتوحي، هل من الممكن للقارئ الكريم ان يتعرف على شخص عامر المثقف والاكاديمي وايضا الانسان؟

– ولدت ونشأت في بغداد ما بين منطقتي العلوية والكرادة الشرقية مع فترة بضع سنوات قضيتها في منطقة بغداد الجديدة في منزل أبتناه والدي قبل أن نعود إلى منطقة سكننا في الكرادة، وكما يعرف المقربون بأنني قد قضيت سنوات من مرحلة شبابي مطارداً أو مكرهاً للعيش بعيداً عن بغداد بسبب تعاطفي مع قوى اليسار العراقي رغم أن مواقفي من النظام البائد كانت تنبع من رؤية معنية بالفكر الإنساني ودعم الثقافة العراقية، حيث قضيت القسم الأكبر من هذه الفترة في بابل والنجف والسماوة والعمارة والناصرية (أور) والبصرة، وبرغم عميق محبتي لهذه المدن إلا أنني أشعر بمحبة غامرة وأرتباط وجداني مع مدينتي بابل وأور اللتين أعتبرهما مدينتي الحلم والمعرفة!

في طفولتي كنت شغوفاً بالرسم والقراءة وكانت مكتبة الوالدة التي كانت شخصياً معروفة بإجادتها للعديد من اللغات وكنا ننظر إليها بمثابة موسوعة متحركة، حيث كانت كتبها تنتشر على رفوف تتوزع جميع

أرجاء البيت والسرداب، فنهلت من معارفها وتعلمت القراءة في الصف الأول الإبتدائي بتعليم مباشر من والدتي التي كانت تحثنا على التعلم وكان شعارها في الحياة مدرسة واحدة تغنينا عن ألف معسكر!

في الصف الثاني إبتدائي فزت بجائزة الرسم للواء بغداد / الرصافة (محافظة بغداد) وكانت جائزتي مجموعة فرش رسم وعلبة ألوان زيتية وثلاثة كتب عن الفن لا زلت أحتفظ بواحد منها هو كتاب مباديء الرسم والفن الحديث للأستاذ صادق العاني، كما كنت أتابع برنامجي الأستاذ الفنان نوري الراوي آفاق الفن وعالم الفنون من أجل تطوير أمكاناتي في مجال الرسم. في الصف الرابع الإبتدائي كنت أقرأ كتب أخوتي الكبار دون معرفتهم وذات يوم كنت أقرأ في كتاب أخي الكبير رياض (التاريخ القديم) للصف الأول المتوسط فقرأت عن ملحمة كلكامش فسحرتني بموضوعها، في ذلك اليوم ذهبت إلى الباب الشرقي مشياً على الأقدام وبحثت في المكتبات حتى وجدت كتاب الأستاذ طه باقر فأشتريته وعدت إلى البيت، وأذكر أنني كنت أقرأه في اليوم الواحد مرتين أو أكثر على مدى شهر كامل حتى حفظت محتواه عن ظهر قلب.

في الرابعة عشر من عمري كنت مهوساً بالمتحف العراقي وأقضي جلّ وقتي بين قاعاته أستنسخ المعروضات التاريخية وأسعى إلى فك طلاسم الكتابة المسمارية، وأذكر بأنني يوماً وقفت أمام تمثال (أسد أريدو) الساحر، لمسته بكفي الصغيرة فأنتابني شعور لا يمكن وصفه، يوم ذاك عهدت على نفسي أن أجعل العالم كله يتعرف إلى تاريخ وطني الأم وأعتقد بأنني ملتزم حتى هذه اللحظة بذلك القسم.

أذكر أيضاً، بأنني في مرحلة الإبتدائية كنت نشيطاً جداً، فعلاوة على مساعدتي لمعلم الفنون في ترتيب المرسم ومراقبته وهو يرسم بالألوان الزيتية أو يقوم بعمل قوالب النحت كنت كابتن فريق كرة القدم وقائد فريق الكشافة. وفي المرحلة المتوسطة أشرفت على مرسم المدرسة وأنجزت وأنا في مرحلة الأول متوسط أول عمل نحتي كبير (الجندي) وضع في واجهة المدرسة لسنوات حتى أنني خلال زيارة للمدرسة بعد تخرجي من الجامعة شاهدته منتصباً أمام غرفة المدرسين.

على الصعيد الأكاديمي، درست الهندسة والفن التشكيلي والتاريخ والرافدي وتدربت لموسمين في مختبر المسماريات في المتحف العراقي على يدي أستاذتي الفاضلة د. بهيجة خليل إسماعيل كما تتلمذت على يد هامة العراق الشامخة أستاذي وأبي الروحي د. فوزي رشيد بخاصة في حقل الكتابة الصورية وأيضاً مساعدته الأبوية لي عند كتابتي لرسالة الماجستير. وفي مجال الفن التشكيلي تتلمذت على يد النحات الكبير عيدان الشيخلي، وفي مجال الرسم والتصميم كانت لخبرة الفنانين الكبيرين علي طالب ومحمد مهر الدين تأثيركبير في رسم ملامح شخصيتي الفنية، كما لا أنسى الخبرة التقنية التي أكتسبتها من الأستاذين الفنانين البولونيين ﭙيوتر كاتشبشاك (رسم) والفنان ديدي (طباعة / زنكوكراف)، كما أرتبطت بصداقات مع رواد الفن الحديث في العراق ومنهم شيخ الرسامين الفنان الراحل عيسى حنا دابش والنحات الكبير إسماعيل فتاح الترك وجون نقاشيان وآخرون. أما في مجال العلوم التكنولوجية وهندسة الطيران فقد درست على يد العالم يحيى المشد الذي صمم المفاعل النووي العراقي وهشام الشيباني الذي يعد أحد النوابغ في هندسة الطيران، وفي مجال قيادة الطائرات الصغيرة ذات المحرك الواحد تدربت على يد الطيار طالب كركوكلي الذي شاركت معه في التحليق بطائرة البرافو قبل إبعادي من دورة الطيران ونقلي إلى الجبهة قبل حصولي على إجازة الطيران وذلك لعدم إنتمائي للحزب الحاكم.

على صعيد الرسم والنحت شاركت في عدد من المعارض الجماعية وفزت بجائزة النقاد العالميين عام 1984م عن لوحة (شرق) التي تم نهبها مع عدد آخر من لوحاتي من المتحف بعد تغيير عام 2003م (تم إستعادة عملين منها)، وفي عام 1985 فزت بمسابقة تصميم شعارات وأعلام المحافظات العراقية عن محافظات (بابل ونينوى وميسان والبصرة)، وفي عام 1986م تم منحي رسمياً هوية الرابطة العالمية للفنانين المحترفين التابعة لليونسكو، وقد أنجزت أربع معارض شخصية هيّ (الزمن الصعب) و (بيت الجنون) و(الحجرة) و(البحث عن فردوس آخر) كما قدمت معرضاً مشتركاً بعنوان (حصار) مع الفنان برهان صالح، يمكنكم الإطلاع عليها وعلى التفاصيل الأخرى من خلال زيارة موقعي الإلكتروني أدناه:

www.AmerFatuhiArt.com

كما قمت مع مجموعة من الفنانين المحترفين الشباب بتأسيس (آخر جماعة فنية عراقية) هيّ جماعة (أفق) التي كتبت لها بيانها التأسيسي (أتبع حلمك) الذي نشر بمناسبة إقامة معرضنا الأول في قاعتي الرواق وجمعية التشكيليين العراقيين وقد أثار البيان ومحتويات المعرض التي أتسمت بالجرأة حالة من القلق لدى زبانية النظام ولاسيما المتزمتين حيث تم إعتقالي والتحقيق معي، بخاصة بعدما قام التلفزيون العراقي بتسجيل حلقة عن المعرض مدتها ساعة كاملة، كما كنت المسؤول الأول عن إزالة النافورة (المسخ) التي وضعتها أمانة العاصمة أمام (نصب الحرية) وكتب عليها (نفذ هذا النصب في عهد القائد صدام) بأكثر من لغة، حيث كتبت موضوعاً بعنوان (أفكار حول قاعات العرض التشكيلية) نشر في جريدة الجمهورية طالبت فيه بإزالة هذه النافورة المسخ وبناء متحف للفنان الخالد جواد سليم، وأثر نشر المقال تم التحقيق معي من قبل لجنة في وزارة الثقافة والإعلام برئاسة وكيل الوزارة نوري المرسومي الذي أمر بمنعي من كتابة عمودي الأسبوعي في الجريدة ومنعي من الكتابة والنشر وكافة النشاطات الثقافية والفنية الأخرى لمدة نصف عام، كما قمت رغم معارضتي للنظام البائد بالإشراف على معرض الفن العراقي المعاصر في عمان الذي كان ريعه مخصص لمساعدة أطفال العراق وقد قمت أيضاً بتصميم بوستر المعرض، علماً بأن المعرض ضم عمالقة الفن التشكيلي العراقي وكان من بينهم عدد كبير من الفنانين اليساريين المعارضين ومنهم أخي الروحي زياد مجيد حيدر. وفي عام 1994م تشرفت بلقاء ملك أسبانيا الذي زار معرضي وأقتنى عملي المعنون (حصار) ، كما أقتنى متحف ثيرفانتث للفن الحديث في مدريد عملاً آخر بعنوان (لا أحد يجيب)، أثر تلك المقابلة تمت دعوتي لحضور اليوم الوطني الأسباني الذي كان مناسبة طيبة لبناء صداقات في مجال العمل الإبداعي.

ومن أهم منجزاتي على الصعيد الفني، فوزي لمرتين بمسابقتين عالميتين لتصميم (علم العراق الوطني) عام 1986م وعام 2008م وقد تم في كلتا المسابقتين حرماني من فرحة الفوز بسبب رفض صدام المصادقة على إقرار تصميم عام 1986م بسبب تواجدي رهن الإعتقال آنذاك فألغى المسابقة بحجة الإحتفاظ بالعلم المستخدم الذي لفت به أجساد ضحايا حرب الثمان سنوات، علماً بأن ذلك العلم الديني (الإسلاموي) الشوفيني الذي صمم نسخته الاولى البريطاني مارك سايكس في 22 شباط عام 1917م ، يتعارض مع القيم الوطنية العراقية، كما تم حرماني من فوزي بمسابقة عام 2008م بسبب تدخل الأحزاب الإسلامية والعروبية التي عارضت فوز (مسيحي كلداني) بالمسابقة!

علماً أن رئاسة الجمهورية كانت قد أصدرت مرسوماً عام 2008م بإبطال إستخدام العلم (المستخدم حالياً) وإعتماد العلم الفائز مع مطلع عام 2009م، لكن هذا لم يتحقق بسبب ضغوط الأحزاب الإسلامية

والعروبية التي سوفت الموضوع وتجاوزت حقيقة فوزي بالمسابقة ومن ثم فرضت إستخدام (العلم الملغي) دستورياً.

كما أعتبرفكرة تصميم العلم القومي الكلداني التي نفذتها عام 1985م (وسام فخر على صدري) لأنني من خلال هذا العلم المتميز عن كل أعلام العالم من خلال إعتمادي لإنشاء بنائي خاص أساسه النسبة الهندسية الماسية وإعتمادي للخطوط العمودية بدلاً من المستطيلات التقليدية والعناصر اللونية الأساسية علاوة على تبني الشمس الكلدانية البابلية بعد تحديثها، إنما يعد واحداً من أهم الأعلام المتميزة في العالم. ناهيكم عن أن غايته الأساسية والنبيلة هيّ وحدة صف الكلدان على تنوع مكوناتهم الدينية والطائفية.

الحق، كان من المفترض أن أقدم في عام 2009م معرضي الفني (العراق … حب وموت وما بعد) والذي يتضمن علاوة على أعمالي الفنية الأخيرة ثلاثة كتب شعر هيّ: (كتاب الحب / حديقة شذى) طبعة 2011م، كتاب الزوال / ﭘازوزو)، وكتاب (ما بعد / ضربة فرشاة) لكن ظروفاً إستثنائية منعتي من تقديمه في نيويورك، برغم ذلك فأنني أعمل اليوم في مرسمي (آتليه أي) من أجل تحقيق معرض عام 2009م وفق رؤية جديدة. كما أن من بين مشاريعي الفنية تحويل عدد من قصائد كتابي الشعري الصوتي (دندنة) إلى أعمال فنية، علماً بأن الفنان التشكيلي والمخرج الإذاعي والتلفزيوني المعروف جان رومي، يقوم ومنذ أكثر من عامين ببث عدد من قصائد المجموعة الشعرية (دندنة) بصوتي عبر (راديو بغداد أونلاين) و موقع (مجلة أور) الألكترونية على الرابطين أدناه:

www.UR-mag.com | www.FMRadioBaghdad.com

من الجدير بالذكر هنا، أن أول قصيدة نشرت لي كانت بدعم شخصي مباشر من أستاذتي الرائعة الشاعرة الكبيرة وواحدة من أعمدة الحداثة في العراق لميعة عباس عمارة، التي نشرتها لي أواخر عقد السبعينات وذلك بعد أن توطدت صداقتنا رغم فارق العمر والتجربة أثر إقتنائها لوحتي المعنونة (أوهام شاعر) التي أثارت إعجابها.

من الجدير بالذكر أيضاً إختياري بين أهم عشرة مبدعين في العالم ممن واجهوا دكتاتوريات قادة بلدانهم وتم تعذيبهم وحكمهم بالإعدام وذلك في عدد تشرين الثاني / كانون أول من المجلة الأكاديمية (وورد لترجير تودي) لعام 2009م، كما قامت المجلة الدولية (ملتي كلجرال ريفيو) بأختيار ونشر عملي (البحث عن فردوس آخر) على صدر غلافها الرئيس وهو شرف لم يحظ به إلا عدد قليل من الفنانين الدوليين.

* د. عامر، لديك الكثير من الاصدارات الخاصة بالقومية الكلدانية واصدارات خاصة بالوطن الام العراق هل يمكننا أن نتعرف عليها؟

في عام 1977م أجري الإحصاء السكاني، وكان ما أثار إستغرابي أن أبي الإنسان البسيط الذي لم يكمل تعليمه والذي كان ملاحظاً فنياً بدرجة (فورمن) في شركة الكهرباء الوطنية أن يدرج في إستمارة الإحصاء في حقل القومية (كلداني)، وعندما إعترض مدونو الإحصاء على ذلك، خيروه بين أن يكتب (عربي أو كردي) إلا أنه رفض وبعناد أهل بخديدا المعروف (على الحق) لم يغير حرفاً واحداً، وعندما أخبروه بأنهم عندما سيخرجون من بيتنا سيبدلون كلمة كلداني بكلمة عربي، قال لهم أنا كتبت ما أريد وأنتم أفعلوا ما تريدون! … عندما خرجوا من بيتنا سألت أبي ألسنا سريان؟ فضحك وقال أبني (أبري) السريانية كنيسة لكننا كلدان، أنت مهتم بالتاريخ أذهب وأبحث وستتأكد من كلامي، بعد أكثر من عامين من البحث والتمحيص تأكد لي بما لا يقبل الجدال بأننا جميعاً (كلدان) قومياً، وكانت تلك هيّ الإنعطافة الكبيرة الأخرى في مسيرة حياتي، حيث دفعتني للكتابة من أجل التعريف بقوميتنا الكلدانية التي تجمعنا على تنوع طوائف كنائسنا الرافدية.

إذا ما وضعنا جانباً عدداً من مقالاتي ولقاءاتي المنشورة في الصحف العراقية والعربية منذ مطلع ثمانينات القرن المنصرم والتي أؤكد فيها على هويتي القومية الكلدانية قبل نشوء أية حركة أو حزب سياسي كلداني، فأن أهم كتبي ودراساتي المنشورة بهذا الصدد هيّ: أور الكلدان … رؤية عراقية 1988م، آلهة وشياطين 1989م، الكلدان … شمس لا تنطفيء 1997م، الآشوريون … سكان دولة أم قومية 2001، وكتاب الكلدان منذ بدء الزمان في طبعة الولايات المتحدة لعام 2004م وطبعة العراق لعام 2008م. كما أصدرت كتاباً لغوياً هو قاموس كلداني إنكليزي عربي مع الأب يعقوب يسو عام 2002م، وأيضاً ساهمت في إعادة إصدار كتاب القراءة الكلدانية للمبتدئين للشماس يوسف ميري بدعم من الأب يعقوب يسو عام 2003م، وفي عام 2013م وبطلب من الأخوين سام ﮔمو والصديق العزيز وضاح دلو وعبر واجهة مؤسسة ستارس كتبت دراسة تؤكد الهوية القومية الكلدانية تم تبنيها من قبل دائرة الهجرة الأسترالية والإعتراف بالهوية القومية الكلدانية في إحتفالية حضرها سيادة المطران أميل نونا عام 2015م، كما أن لدي ما يزيد على مائة مقال ودراسة في الجانب القومي الكلداني، إضافة إلى كوني أحد الإعلاميين الكلدان الذين أصدروا مجلات ثلاثية اللغة تعنى بالشأن القومي الكلداني منذ منتصف تسعينات القرن المنصرم إما شخصياً أو عبر واجهة المركز الثقافي الكلداني الأمريكي، هيّ الحارس الكلداني / بابل اليوم / كلدو / ومجلة المطرقة، كما أصدرت باللغة الإنكليزية مجلة (أور) الإلكترونية ومجلة (جيني)

المطبوعة بشكل ينافس أشهر المطبوعات الأمريكية، كما أنني صاحب فكرة ومصمم ومنفذ (التقويم القومي الكلداني) الذي بدأنا العمل به في المركزالثقافي الكلداني الأمريكي عام 2000م وصدرت نسخته الأولى عام 2001م، وما زلت أواصل نشر التقويم ألكترونياً عبر واجهة صفحة التواصل الإجتماعي (نبوخذنصر) التي أطلقها مجموعة من الناشطين الشباب الكلدان.

أما عن عملي في مجال الصحافة فقد بدأته وأنا في المرحلة الإبتدائية عندما كنت أصمم وأرسم وأنفذ عدداً محدوداً من نسخ مجلات من 21 صفحة، أصممها وأرسمها وأنفذها بأقلام الحبر والألوان المائية ويقرأها أخوتي وأقاربي وأصدقائي لقاء أجر محدود ومن بين تلك المجلات (الأبطال) و(المغامرون) و(طرزان) و(الأصدقاء الخمسة – ألغاز ومغامرات بوليسية)، أما عملي محترفاً في مجال الصحافة فقد بدأ أبان دراستي الجامعية بصحبة زميلي وأخي الروحي علاء الدين محسن جودي التميمي، حيث عملنا بمساعدة الكاتبين الصحفيين سعيد القدسي وجهاد زاير في جريدة العراق ثم في الملحق الأسبوعي لجريدة الجمهورية تحت إشراف الصحفي المخضرم محمد الجزائري كما ساهمنا في نشر أول ملحق للأطفال هو (مجلة تموز)، قبل أن يعهد إليّ وأنا في مطلع العشرينات من عمري برئاسة قسم الفنون التشكيلية والعمارة والتاريخ في مجلة فنون التي كان يرأس تحريرها الأستاذ محمد الجزائري وكان سكرتير تحريرها الأستاذ الصديق محمد شمسي. في مجلة فنون ترسخت أواصر صداقتي مع د. صفاء صنكور ود. إرادة الجبوري ود. خزعل الماجدي و د. علي عبد الأمير وغيرهم كما عمل معنا قسم من الشباب الذين لمعت أسماء بعضهم ومنهم الشاعر كريم العراقي الذي كان يعد صفحة بريد القراء. وقد مُنحت أيضاً فرصة تصميم المجلة عام 1981م، علماً بأنها كانت تصدر ملونة وبربع مليون نسخة أسبوعياً.

كما قمت برئاسة تحرير وتصميم مجلة (الرسام الصغير) في الأردن ومن ثم تحرير وتصميم وإخراج مجلة (النورس) التي كانت تصدر بالتعاون ما بين وزارة السياحة الأردنية ومؤسسة الأفيوني، وذلك في عهد الفنان الوزير محمد رفيق اللحام. وبعد إلغاء حكم الإعدام الغيابي الصادر بحقي وهو أحد ثلاثة أحكام إعدام موثقة في منظمة العفو الدولية، قمت بدعم من الصديق الشاعر (فارق سلوم) الذي أدين له بنجاتي من حكم الإعدام في العراق بالعمل بصفة مساعد مدير النشر ومسؤول قسم التصميم في دار ثقافة الأطفال، التي كان الأستاذ فاروق سلوم مديرها العام، وقد رفضت وقتذاك عرضاً شخصياً من رئيس تحرير جريدة الجمهورية سعد البزاز بالأشراف على القسم الثقافي للجريدة وبينت له بأنني في صدد إعتزال العمل الصحافي والتفرغ للرسم والكتابة للأطفال.

مع أن سؤالك كان عن الإصدارات القومية، إلا أنني أحب أن أضيف بأنني كنت أول من فكر منذ عام 1997م بأنجاز أول متحف قومي تاريخي كلداني، وهو ما تمكنت من تحقيقه عام 2000م عبر واجهة المركز الثقافي الكلداني الأمريكي، ويمكن لمن يشاء الإطلاع على هذا المتحف (بابل) الذي تمت محاربته بضراوة من قبل بعض رئاسات الجالية في ولاية ميشيغان حتى تم غلقه قبل أن يكمل العام الأول من عمره. هذا الإنجاز الذي لم يكتب له الإستمرار كان نواة قاعة العرض التاريخية التي أفتتحتها في قاعة (ميسوبوتاميا للثقافة والفنون) في مدينة فرينديل.

www.MesopotamiaArtGallery.com |http://www.chaldean4u.org/babylon-museum

* كتابكم الكلدان منذ بدء الزمان واحد من اهم الكتب التي وثقت الكثير من التاريخ المشرق للكلدان وبشكل اكاديمي كيف ترون استقبال ابناء شعبنا بشكل خاص والمثقفين بشكل عام وتفاعلهم مع هذا الكتاب ؟

– كتاب الكلدان منذ بدء الزمان كان خلاصة جهد متواصل أستمر لما يقرب من ربع قرن. أكدت مادة الكتاب على التعريف بالكلدان قومياً كما فندت وبشكل حاسم أربعة عشر إدعاءً مزيفاً أشاعته الأحزاب السياسية المعادية للكلدان. يمثل الكتاب إنعطافة حاسمة في مجال العمل القومي الكلداني حيث سهل آلية مواجهة الكلدان لمن لا يحب الخير لنا ولقوميتنا المباركة، لاسيما وأن مادته العلمية الرصينة ساعدت على نقلنا من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم الكاسح للواجهات السياسية التي كانت تراهن على تشويه وإحتواء هويتنا القومية الكلدانية، لذلك أستقبله القوميون الكلدان الحقيقيون وعلى رأسهم سيادة المطران د. سرهد جمو والمرحوم د. حبيب تومي والأستاذ أبلحد أفرام ساوا و د. نزار ملاخا و الشماس د. كوركيس مردو والأب الفاضل نوئيل كوركيس مدير المركز الإعلامي لاحقاً والأحبة في أستراليا وكندا وغيرهم من القوميين الكلدان بالفرح والإستبشار بيوم مشرق جديد، فيما أستقبله الإنبطاحيون والإنتهازيون وأعداء الكلدان ما بين الوجوم وإنعقاد اللسان وما بين التهجم بأساليب معدومة الرجولة. شخصياً أعتقد بأنني قد أديت جزءاً بسيطاً من واجبي نحو أمتي ووضعت النقاط على الحروف (الكلدان أمة قومية منذ القدم) و (الكلدان هم سكان العراق الأصليين) ولو أنطبقت السماء على الأرض فلن يستطيع الكارهون أن يفندوا هاتين الحقيقتين الناصعتين اللتان هما مثل شمس بغدادية في منتصف شهر تموز!

الأهم من هذا وذاك كان صدوره عام 2012م باللغة الأنكليزية منقحاً ومزيداً في 550 صفحة، حيث وصلت رسالة الكتاب إلى صناع القرار الغربيين وهذا ما أجج كراهية الحاقدين على الكلدان ضدي حتى تجاوز الأمر مرحلة الإتهامات غير الأخلاقية وحملات الطعن الشخصي إلى مرحلة تهديدي بالتصفية الجسدية، متناسين هؤلاء الفاشلين بأن تصفية الجسد مسألة واردة لكن تصفية الأفكار الصحيحة هيّ مسألة مستحيلة!

هنا يهمني أن أتقدم بشكري الجزيل لأخي الوفي الفنان المهندس الكلداني جون رومي وهو من أبناء الديانة الصابئية وأيضاً الأخوين المهندسين العزين توماس الكاتب ورائد ميري لمساعدتهم التقنية في دعم الكتاب.

* كونكم احد المهتمين والمدافعين عن القومية الكلدانية كيف تقيمون الوعي الكلداني الان وهل هو بمستوى الطموح؟

– قد ينظر الآخرون إلى نصف القدح الفارغ ويعتقدون بأن ليس ثمة من أمل أمام الكلدان، لكنني أنظر في العادة إلى النصف المملوء وأثق بقدرة أبناء هذه الأمة العصية على الفناء على مواصلة مشوار الإبداع والعطاء. المصاعب والعراقيل كثيرة، ولكنني كما أوردت في دراستي لعام 2000 الموسومة (المبادرة القومية لحل الأزمة الكلدانية … إعادة ترتيب البيت الكلداني) التي أعدت نشر آخر تحديث لها في موقع كلدايا الذي تم غلقه مؤخراً، فأن حتمية (نهضة الكلدان) لا جدال عليها لأن عمر الكلدان هو عمر الحضارة الإنسانية ذاتها، نعم نحن مثل غيرنا من البشر قد نكبو مرة وقد نخبو مرة أخرى، لكننا قدرنا أن

ننهض ونمضي قدماً أكثر إشراقاً وأشد تأثيراً كما في كل مرة يواجه الكلدان فيها قوى الشر وعواصف المتغيرات الجيوسياسية.

أن قدر الكلدان أن يكونوا دائماً، طلائعيين في مجال العمل الحضاري، وسواء كان الوعي القومي الكلداني متردياً أو مشجعاً فأننا في حقيقة الأمرة (شعب حضاري حي) عركته التجارب ونحن قادرون ولاسيما الأجيال الجديدة من مواصلة مشوار الرقي والتحضر. نصحيتي للكلدان جميعاً، لا تضيعوا طاقتكم الإيجابية في المهاترات ومحاولة إثبات ما هو ثابت، وإنما ركزوا على المبادرات الإيجابية لأن القافلة مقدر لها أن تسير، نعم قد يتوهم البعض بأنهم يستطيعون أن يحجبوا الشمس بأصبع ولكن الشمس تبقى شمساً والأصبع أصبع!

.

* في ظل العولمة وانحسار الكثير من المفاهيم المتعلقة بمفهوم الكيانات ضمن الوطن او الاقاليم هل مفهوم القومية لازال مؤثرا ويلعب دور في حياة الفرد والمجموع؟

– العولمة ليست أكثر من زاوية نظر مفردة ورؤية أحادية، أما الحياة فأنها لا يمكن أن تتطور إلا من خلال الرؤية البانورامية المتعددة الزوايا لشتى مناحي الحياة. الكثير من النظريات والرؤى الأحادية قامت ثم تلاشت وتوارت في غياهب النسيان، فيما بقي الكلدان محافظون على هويتهم القومية وطموحهم الإنساني. أن ما يميز الكلدان عبر الزمان هو قدرتهم على التكيف مع المتغيرات (دون التنازل عن أرثهم الحضاري والإنساني). القومية عامل مهم في الحفاظ على هويتنا من الذوبان في المجتمعات الحديثة ولا يمكن لأي نظرية سابقة أو لاحقة أن تنال من حضورنا الإنساني أو ريادتنا الحضارية.

* كيف تقيم علاقة ودور الكنيسة في دعم وترسيخ الايمان القومي لشعبنا وماهية العلاقة الامثل لكلا الطرفين؟

– إبتداء للكنيسة مفهومان، كتابي بمعنى شعب المسيح ومؤسساتي وهو ما يخص المؤسسة الكنسية التي واجبها لا يتعدى حدود الإهتمام بإداء الطقوس الدينية وصيانة الحصانات الروحية للمؤمنين. أعضاء المؤسسة الكنسية (الأكليروس) هم جزء من الشعب الكلداني لهم حقوق وعليهم واجبات لا تتعارض مع إداء رسالتهم الروحية. أعتقد أن مباركة المؤسسة الكنسية للعمل القومي لا يتعارض على الإطلاق مع الرسالة الروحية للأكليروس، نريد مباركتهم ولكن من دون تدخل في التفاصيل التقنية للعمل القومي، وكما قيل في الكتاب في أنجيل مرقس 12 : 17، فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ.

ذلك أن مفهوم الكلدان قومياً يتجاوز الحدود الضيقة للإنتماء الديني، فالكلداني يمكن أن يكون منتم طائفياً لأحدى الكنائس الرافدية، وعلى سبيل المثال: الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية أو الكنيسة السريانية العراقية، كما يمكن أن يكون أنجلياً وحتى ملحداً، كما يمكن أن يكونا مندائياً أو شيعياً (ضمن مكون مستعربة العراق من المذهب الجعفري) تحديداً، علماً أن لكل من ذكرت تفاصيل تحدد بكل وضوح تفاصيل إنتمائه القومي التي لا جدال عليها. الأهم من هذا وذاك أن مفهوم وولاء الكلدان قومياً كان قبل نشوء المسيحية بما يقرب من 5300 عام، وهم باقون ما قدر لهم ذلك. تصوري المتواضع هو أن تلعب المؤسسة الكنسية

الدور الروحي المناط بها وأن يلعب العلمانيون الكلدان الدور القومي المناط بهم بتضامن ومحبة ولكن من دون أن يتدخل طرف ما في عمل الطرف الآخر.

* د. عامر، نسمع ونقرأ منذ فترة عن كتاب (مآثر الكلدان) باللغة الإنكليزية، فهل لك أن تعطينا فكرة عن الكتاب ومتى تتوقع نشره؟

صفحة من القطع الدولي بتجاوزه حدود 200يتميز كتابي الجديد الذي سيكون بحجم يزيد قليلاً عن -صبح حقيقة مفروغ منها إلى التأكيد على طرح التعريف التقليدي بالكلدان (سكان العراق الأصليين) الذي أحقائق يجهلها عامة القراء بل أن بعض ثقاة المتخصصين لا يلمون بمعظمها. علماً، بأن بعضاً من هذه الحقائق دعت كبار الأكاديميين إلى تعريف وادي الرافدين بأنه (مهد الحضارة البشرية) كما أن بعض الباحثين ومنهم لاندز بيرﮔر وصامويل نوح كريمر قد دعت المنجزات التي أشار إليها عدد من المؤسسات الأكاديمية إلى إطلاق صفة (بلد أولى الأشياء) فما بالك إذا ما أطلع العالم اليوم على منجزات % من القسم 90ومآثر الكلدان التي لا يلم بها الغالب الأعم من المتخصصين، ذلك أن نسبة أكثر من يحتوي على معلومات نادرة أو غير معروفة حتى بين ثقاة المتخصصين، كما يحتوي الخاص بالمنجزات الكتاب الجديد على رسوم ومصورات مبتكرة لم يسبق نشرها، لأنها من بين مجموعة جديدة من تصميمي وهذه التصاميم الفريدة هيّ نتاج دراسة وتمحيص أستمر لمدة سنوات طويلة زاخرة بالبحث والتنقيب. من حري بالذكر هنا، أن القسم الأول من الكتاب يتناول وبأسلوب فريد وعميق حقيقة أن الكلدان هم رواد الالمعرفة الإنسانية وبأنهم سكان العراق الأصليين.

أخيراً أشكر مجلة بابلون على إستضافتي متمنياً لأسرة التحرير وأبناء الأمة الكلدانية وأصدقاءنا وكل ل الخير والمحبة والسلام والعافية.الطيبين في العالم ك

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here