مسؤولون سابقون يفتحون ملف نشاطات الفصائل فـي المناطق المحررة

تعمل جماعات شيعية مسلحة – ما زالت غير معروفة ــ على خطين متوازيين في العراق: استهداف منشآت حيوية ومصالح اجنبية داخل البلاد تحت شعار “المقاومة”، وادارة مفاصل اقتصادية غير شرعية لتمويل تلك الاعمال.

وتحدث اربعة مسؤولين سابقين في 4 محافظات في شمال بغداد طلبوا عدم ذكر اسمائهم، عن ابرز تلك الاعمال التي تديرها بعض الفصائل، واهمها عمليات تهريب النفط والسيطرة على الاراضي، كما اشاروا الى تصاعد محاولات اغتيال موظفين بالتزامن مع استعدادات مبكرة للانتخابات. وخلال الـ48 ساعة الاخيرة، استهدفت 4 هجمات منفصلة منشآت عراقية واخرى دبلوماسية وعسكرية غربية في مناطق متفرقة من البلاد. واعلنت تلك الفصائل المعروفة اعلاميا بـ”جماعات الكاتيوشا” مسؤوليتها عن الهجمات.

ونقلت مواقع تابعة لتلك الجماعات، وبعض الوكالات الغربية، ان انفجارا استهدف عجلة تابعة للسفارة البريطانية في العراق غربي بغداد.

وكانت القوات الامنية قد فرضت صباح الثلاثاء، طوقا امنيا بعد سماع صوت انفجار قرب حي القادسية القريب من المنطقة الخضراء والسفارة الاميركية.

وتبنت “سرايا المنتقم” الهجوم الاخير، وهو الثاني الذي تنفذه المجموعة التي اعلنت عن وجودها قبل اقل من اسبوع، وكان الهجوم الاول قد نفذته (المنتقم) يوم الاثنين الماضي، حين استهدف رتلا تابعا لقوات التحالف بين الديوانية وبابل، جنوب بغداد.

وفي وقت لاحق من يوم الثلاثاء، اعلنت تلك المجموعة مسؤوليتها عن هجوم استهدف رتلا لقوات التحالف ايضا في منطقة النيل شمال مدينة الحلة. وقال بيان لخلية الاعلام الحكومي ان العجلات التي تم استهدافها تابعة لشركة “نقل عراقية” تنقل معدات تابعة للتحالف الدولي “يقودها عراقيون”.

وفي وقت متأخر من يوم أمس اعلنت خلية الاعلام الامني استهداف منطقة القادسية ببغداد بصواريخ كاتيوشا.

وجاء هذا التصعيد عقب تغييرات اجراها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مواقع الدرجات الخاصة، واثارت جدلًا وانتقادًا واسعين من أغلب القوى الشيعية وبعض القوى السنية والكردية.

الهجوم على الحكيم

وكان لافتا وسط تزايد الهجمات، ادانة زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، استهداف البعثات الدبلوماسية في العراق. وقال الحكيم في تغريدة على (تويتر): “لا شك ان استهداف البعثات الدبلوماسية في العراق، وآخرها ما حصل لموكب السفارة البريطانية، ينطوي على مخاطر كثيرة وقد يدفع دول العالم الى تقليص حضورها وتمثيلها الدبلوماسي في العراق”.

وتعرض الحكيم، الى انتقادات لاذعة من منصات تابعة للفصائل المسلحة التي تتبنى الهجمات على المواقع الدبلوماسية والعسكرية في البلاد، واتهمت الاخير بانه “مترف” وبعيد عن المشاكل التي يعاني منها الشيعة.

وأضاف الحكيم في تغريدته “إذ ندين مثل هذا الاستهداف، فإننا نطالب الحكومة بأخذ دورها الفاعل في حماية البعثات الدبلوماسية وعدم السماح بالإضرار بسمعة البلاد المتطلعة الى ترميم وتوطيد شبكة علاقاتها الخارجية”.

وكانت “جماعات الكاتيوشا” قد اعلنت مساء الثلاثاء، تنفيذ هجوم قرب مطار بغداد الدولي، ضد عجلة تحمل عناصر مخابرات اميركية، الا انه لم يصدر بيان رسمي من الحكومة يؤكد صحة الهجوم.

تمويل الفصائل

حتى الان تعتبر تلك الجماعات “شبحية”، ولا تعلن عن شخوصها او ناطقين باسمها، فيما تنشطر بشكل مستمر وتولد عنها اسماء لفصائل جديدة.

ويقدر سياسيون ان تلك الاسماء، هي واجهات لجهات مسلحة معروفة في العراق، وتقوم ببعض الاعمال مستخدمة عناوين الحشد الشعبي.

ووفق ذلك فان مسؤول سابق في صلاح الدين، يقول لـ(المدى) ان “بعض الفصائل تقوم باعمال متعددة للحصول على التمويل، مثل انشاء احواض سمك عملاقة في احدى القرى في جنوب سامراء”.

وتستغل الفصائل، بعض المنتسبين (المقاتلين) في الحشد الشعبي لتفريغهم الى العمل في تلك البحيرات، التي تقع على ارض تابعة للدولة تم الاستيلاء عليها.

كذلك اكد المسؤول السابق ان “فصيلين– لم يذكر اسميهما- يقومان باستغلال بئر نفطية في جنوب سامراء ايضا، وتهريبه الى جهات من خارج المحافظة”.

كما اشار المسؤول ايضا، الى وجود شخصيات قيادية في بعض تلك الفصائل “استحوذت على اراضي تابعة للدولة قريبة من معسكر سبايكر، شمالي تكريت، وبدأت ببيعها على مساحات بين 200 و300 متر، باسعار تصل القطعة الواحدة الى 10 مليون دينار، وبدون سند قانوني”.

كذلك يسيطر فصيل على عدد من المحال التجارية في شارع في وسط تكريت ايراداته الشهرية لا تقل عن 100 الف دولار. ويؤكد المسؤول: “اصحاب المحال متهمون بالانتماء الى داعش، وهذا الفصيل جلبهم من خارج المحافظة للتوقيع على التنازل عن تلك الاملاك واعادهم بسيارته الخاصة لتجنب التدقيق في السيطرات”.

التحضير للانتخابات

وتقيم بعض الفصائل في صلاح الدين، علاقات بمسؤولين متنفذين في المحافظة من اجل اضفاء شرعية على تلك الاعمال، فيما يقومون بالتحضير ايضا الى الانتخابات. ويشير المسؤول السابق ان “بعض السياسيين المعروفين يقدمون وجوها جديدة في المحافظة مدعومة من الفصائل”، مبينا ان احد السياسيين -لم يذكر اسمه- “يدفع شهريا 2000 دولار لبعض الناشطين في صلاح الدين تحضيرا لمعركة الانتخابات”.

وسبق ان اعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، اجراء انتخابات مبكرة في البلاد في حزيران من العام المقبل. وفي كركوك، يؤكد عضو سابق في مجلس المحافظة لـ(المدى) ان “بعض الفصائل استحوذت على اراضي زراعية، وقامت ببيع القطعة الواحدة بسعر يصل الى 70 مليون، ضمن ارض كبيرة تقدر مساحتها بنحو 20 دونما”. وتفرض بعض الفصائل “اتاوات” على دخول العجلات في كركوك من بعض السيطرات.

ويضيف المسؤول “احد الفصائل -لم يذكر اسمه- انشأ نقطة تفتيش وهمية في جنوب كركوك لفرض رسوم على العجلات”، مبينا ان “الاحمال الاجنبية يصل سعر تمرير الشاحنة لأكثر من 1000 دولار”.

كذلك تدير بعض الفصائل مشاريع – تمت السيطرة عليها بطرق غير واضحة- لوزن الشاحنات التي تحمل بضائع على الطرق السريعة، حيث يؤكد المسؤول ان “ايرادات المشروع يوميا تصل الى 30 مليون دينار”. واعتبر الكاظمي، في تموز الماضي، أن هناك “اشباحا” متواجدون في الحرم الكمركي يبتزون التاجر ورجال الأعمال، فيما أكد بدء مرحلة إعادة النظام والقانون في المنافذ.

تضخم الثروات

اما في ديالى، فيؤكد مسؤول سابق آخر، انه في احدى المناطق المحاذية لصلاح الدين، “يقوم قيادي في احد الفصائل المسلحة في تلك الفصائل بتهريب النفط، ما ادى الى تضخم ثروته وشراء 3 منازل كبيرة، مساحة الواحد منها 800 متر، يصل سعر الواحد الى 3 ملايين دولار”.

واغلب هؤلاء القادة جاءوا من خارج المحافظة، او من قرى بعيدة ومن اطراف ديالى. ويضيف المسؤول: “فصيل آخر -لم يذكره- قام باجبار نازحين على ترك المخيمات في شمال بعقوبة، بسبب مشاريع دواجن”.

وكان رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، قد حاول العام الماضي، اغلاق عدد من المكاتب التابعة لتلك الفصائل في شمال بغداد، المتهمة بتهريب النفط، والسيطرة على مفاصل اقتصادية في المحافظات التي كانت محتلة من داعش، لكنه لم يغلق سوى عدد قليل من تلك المكاتب.وفي اقصى غربي البلاد، يؤكد مسؤول سابق في القائم غربي الانبار لـ(المدى) ان “بعض الفصائل التي تسيطر على الحدود مع سوريا، تقوم بفرض رسوم على السيارات الحمل الكبيرة التي تمر من المنفذ الحدودي، وتقف في ارض مفتوحة، يدعي ذلك الفصيل بانها ارض مملوكة له”. واعيد افتتاح منفذ القائم مع سوريا، نهاية ايلول العام الماضي، بعد نحو 6 سنوات من الاغلاق بسبب سيطرة داعش على الحدود.

ويشير المسؤول الى ان الفصيل يفرض مبلغ “150 الف دينار على كل سيارة تقف في تلك الاراضي”، مقدرا عدد العجلات التي تقف يوميا بين 80 و100 شاحنة.

حوادث اغتيال

كذلك يوضح المسؤولون الاربعة، انه خلال الاسابيع القليلة الماضية، تصاعدت عمليات الاغتيال في المحافظات الاربعة، حيث تعرض احمد الدوري وهو مسؤول امني في محافظة صلاح الدين الى هجوم فاشل بالرشاشات على عجلته جنوبي المحافظة، وهي المحاولة الثانية في غضون عامين، حيث استهدفت سيارته في 2018 بعبوة ناسفة، لكنه لم يكن بداخلها.

وفي آب الماضي، تعرض محمود السامرائي، قائممقام سامراء الى محاولة اغتيال حيث تعرضت السيارة التي يقودها في وسط المدينة الى اطلاقة نارية حطمت نافذة السيارة ولم يصب القائممقام بأي اذى . وقبل اقل من اسبوع، نجا العميد قحطان إبراهيم الضابط في عمليات شرطة ديالى، من محاولة اغتيال بتفجير عبوة لاصقة مثبتة أسفل سيارته، انفجرت أثناء مروره في مجسر المفرق غربي مدينة بعقوبة.

وفي الاسبوع الماضي، تعرض منزل مدير الشباب والرياضة في ناحية العلم، شرق تكريت، جواد الجبوري الى اطلاقات نارية بعد وصول الاخير الى المنزل، فيما لم يصب الجبوري بالحادث.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here