لماذا تصر الكويت على حرمان العراق حقه في الملاحة التجارية بخور عبدالله

عندما وقع العراق هذا البلد العظيم في يد قيادة لا تحترم شعبها. همها الوحيد اما بناء مجدها الشخصي كما هو حال النظام السابق. أو سرقة ثروات البلاد كما هو شان النظام الطائفي الحالي. لا يمكن أن نتوقع غير المزيد من التخلف والاستعباد. فمنذ احتلال الكويت عام 1990 بدأ الانهيار الكبير في مفاصل الدولة حيث فقدت سيادتها على اراضيها. لقد بدأت أمريكا تنفذ ماربها لاضعاف العراق وخلق الأزمات المتواصلة وتعميق الخلافات الحدودية مع الجيران. لقد استغلت امريكا غزو النظام العراقي السابق الكويت لعزله ومعاقبته. فقد قررت الامم المتحدة باوامر امريكية وتوصية اسرائيلية فرض حصار اقتصادي ظالم وقاسي ضد الشعب العراقي. فشرعت فورأ في تنفيذ مشروعها لخلق إسفين دائم بين العراق والكويت. فنفذت رغباتها الشيطانية وفق ما تشتهيه إذ فرضت عليه بالاكراه ترسيم حدود برية وبحرية خسر فيها الكثير لصالح الكويت.
لا نريد أن نعالج في هذه الاطلالة المشكلة تاريخيا أو جغرافيا أو سياسيا او حتى من الناحية القانونية لكن نكتفي الحديث عن مشكلة خور عبدالله فقط. تلك المشكلة التي تعتبر كشجرة تخفي ورائها غابة كبيرة من التنازلات العراقية للكويت. ففي عشية الحرب التدميرية ضد العراق عام 1991 وعد وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر طارق عزيز بأن العراق سيعود الى العصور الوسطى. لذا فقد تم العمل مباشرة بعد تقهقر قوات النظام السابق تطبيق سلسلة قرارات ظالمة باسم الامم المتحدة.
اذ صدرت عشرات القرارات الاممية خلال أشهر قليلة لمحاصرة العراق في التعاملات السياسية أو التجارية أو العسكرية. بل اوصت باستخدام القوة العسكرية لردع العدوان وطرده وتحطيم قوته.
لكن ما يدعوا إلى الحيرة والتعجب والاستغراب كيف تحولت هذه المنظمة الاممية بين ليلة وضحاها إلى مؤسسة فعالة ونشطة وتتخذ قرارات سريعة من جميع النواحي ضد العراق. في الوقت الذي غابت قراراتها تماما ضد الصهاينة اليهود الذين استولوا على دولة فلسطين. وعملوا فيها المجازر والجرائم من تهجير وقتل واحتلال اراض كثيرة منذ عام 1947 واستمر عدوانها دون توقف ليشمل دول عربية أخرى اضافة إلى فلسطين كمصر وسوريا ولبنان والاردن والعراق وتونس. رغم كل تلك الانتهاكات والتطهير العرقي والديني المناقض لمباديء القانون الدولي فان هذه المنظمة لم تحرك ساكنا وظلت في سباتها العميق.
تحولت منظمة الامم المتحدة بعد غزو الكويت في وقت قياسي إلى محكمة دولية تخطيط حدود اعضائها لأول مرة في تاريخها. وجعلت نفسها مكان حلف النيتو لتبعث جيش عسكري عرمرم لتحرير الأرض. ومراقبين امميين للبحث عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة. وصندوق مالي لتوزيع اموال العراق بكل حرية إلى اسرائيل وأمريكا والكويت ومصر. فقد صدر القرار المرقم 687 الذي أنشأ أربع هيئات اولها لمراقبة الحدود واخرى لتدمير أسلحة الدمار الشامل وثالثة لتخطيط الحدود بين العراق والكويت ورابعة لإدارة صندوق التعويضات.
نريد أن نعرج اليوم على مشكلة تخطيط الحدود البحرية والخط الملاحي في خور عبدالله لعام 1993 الذي يعتبر أساس المعضلة البحرية العراقية. فمن المعلوم أن النظام العراقي السابق انهزم مثخنا بالجراح ولا يملك من الأمر شئ. ضمن هذه الأجواء فرضت وخططت حدود ظلمت العراق بغياب نظامه. الذي كان همه الاعظم بقاء سيطرته على السلطة.
فالمادة 90 حول خور عبدالله من القرار المرقم 833 الصادر من الامم المتحدة في تاريخ 27 ايار 1993 تقول “خلصت اللجنة إلى أن الحدود القائمة التي ستخطط هي خط الوسط على اساس أن يكون المنفذ البحري ممكنا الدولتين بمختلف أنحاء اقليم كل منهما المتاخم الحدود المخطط”. كما اكدت المادة 97 أيضا على حرية الملاحة للسفن العراقية في كل مياه الخور العميقة حتى لو مرت ضمن المياه الاقليمية الكويتية وفق الترسيم الجديد. أي يمكن للبواخر والسفن العراقية تجاوز خط الوسط لان ذلك الخط ضحل المياه ولا يمكن أن يكون ممرا ملاحيا للسفن التجارية الكبيرة.
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ومجيء حكومة تأتمر باوامر واشنطن وقع وزير النقل العراقي معاهدة اخرى في نيسان 2012 اكد فيها تنازله عن خور عبدالله وفقا لمعاهدة عام 1993 التي فرضت على النظام السابق آنذاك.
لقد كان تخطيط الحدود بين البلدين ترسيما سياسيا ثاريا انتقاميا ليس له أي علاقة في الواقع الجغرافي أو التاريخي أو السياسي. لعل قراءة بسيطة لترسيم الحدود البحرية تظهر مدى الظلم والحيف الذي وقع على العراق. عندما اختارت اللجنة بأن تكون الحدود البحرية في خط الوسط. مما يعني تجريد حركة الملاحة العراقية وغلق الممر البحري لموانئه. لان خط الثالوك يقع في أعمق النقاط في المجرى المائي الذي يقع ضمن الاراضي الكويتية المكتسبة.
ولمزيد من الفوضى والتناقضات القانونية قررت اللجنة منح حرية الملاحة البحرية للعراق عندما تمر سفنه في المناطق العميقة من الخور دون اخذ اذن الكويت. هنا ارست اللجنة فتنة واشكالية دائمة بين الدولتين من الممكن ان تنفجر في كل لحظة.
بعد سقوط النظام السابق وبدلا من اجبار الكويت لتغيير مسارها واعادة غنائم الحرب التي استحوذتها عام 1993 من اراض ومياه عراقية. عملت حكومة الاحتلال الأمريكي في بغداد كما ذكرنا على تقديم المزيد من التنازلات فوقعت معاهدة بائسة كتبت على عجل وفي الغرف المظلمة عام 2012 . من الملاحظ بان محرر نلك المعاهدة يجهل أبسط المصطلحات البحرية المتعارف عليها كما ان لغتها ركيكة وبدأئية وغير قانونية مما يبين مدى ضحالة وسذاجة كاتبها من جهة. واستهانة المسؤولين العراقيين في معالجة مصالح البلاد والعباد في هذه المنطقة الحيوية من جهة اخرى.
تعمل الكويت ودول الخليج الأخرى بما فيها ايران بجد من ابعاد العراق من الخليج العربي وان يصبح بلدا مغلقا ونافذته البحرية غير صالحة للملاحة الدولية واستقبال سفن اعالي البحار. كما يريدون ان يعتمد في تجارته على موانيء الكويت لذلك يطالب الكويتيون اليوم العراق بالربط السككي معهم. أي ربط ميناء مبارك الكبير مع السكك الحديدية العراقية لتصريف ونقل البضائع من والى الميناء باتجاه اوربا عن طريق تركيا او باتجاه آسيا عن طريق ايران. ولكي لا نضع اللوم على العامل الخارجي فقط ينبغي أن نعلم بان السبب الأساسي لمحاصرة العراق بحريا هو الطبقة السياسية الحاكمة. التي قبلت رشوة الكويتيين وعقدت معهم معاهدة جائرة وعملت بنفس الوقت على افشال ميناء الفاو الكبير لصالح الغير.

الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here