التداعيات الكارثية لاتفاقية الجزائر عام 1975, ما علق بذاكرة سشاهد عيان

التداعيات الكارثية لاتفاقية الجزائر عام 1975,
ما علق بذاكرة سشاهد عيان:

د. عبدالحميد العباسي

جانبا الاتفاقية, العراقي والايراني يعلمان ان الإتفاقية ابرمها طاغيتان لا يعترف شعبيهما بشرعية تسلطهما وان ما اتيا به كله غير شرعي وباطل *والباطل باطل الى يوم الدين*. وارى, الآن لزاما علينا التذكير بما أحدثته تلك الاتفاقية من تاثيرات مفصلية في مجرى الاحداث في المنطقة وصاغت و تصيغ مستقبل العراق لسنوات طويلة قادمة. وهي مؤشرالى الخطأ الفادح الذي يرتكبه الساسة في نزواتِهم وتدفع ثمنه الاجيال.
في آذار عام 1975 ابلغتني عمادة كلية الطب بان عليَّ أن ارافق مسؤولين في سفرهم الى الخارج, لان الاطباء الذين يكونون في ركب الرؤساء وذوي الشأن, في ترحالهم كانوا, آنذاك خارج العراق, اولائك هم فئة مُصطفاة من اطباء إختصاصيين ينطلقون بين فَينة وآخرى, كالحمام الزاجل ومن المرجح ان هذا ماكانوه فعلا, هولاء هم مَن ُتناط ُ بهم مرافقة لمسؤولين او امور أخر. ذهبت الى المطار في اليوم التالي ولا علم لي مَن سارافق والى أين. وفي الطائرة فقط عرفت ان الوفد كان برآسة صدام حسين (نائب رئيس الجمهورية, آنذاك ومعه طارق عزيز رئيس تحرير صحيفة الجمهورية وشاذل طاقة (وزير الخارجية) وعزة مصطفى (وزير الصحة) وسعدون غيدان (وزير الداخلية) والاستاذ عبدالودود الشيخلي (رئيس التشريفات في وزارة الخارجية) ورئيس الدائرة العربية في وزارة الخارجية (وكان كرديا إ) وعدد من الحاشية (مرافقين وحماية).
وعند وصولنا الى مطار الجزائر دُلفنا الى سيارات مُعدّة ودون مظاهر استقبالٍ واضحة وأسكنّا فيما كان يُسمى *دار المفتي*.
كانت ُتخيم على الجو حالةٌ من الجدّية ومسحة من الكآبة. وخلال الثلاثة او اربعة ايام التي مَرّت لم تكن هناك مظاهر إحتفاء ولا مقابلات صحفية.
اطلق الجزائريون إطلاقتي تحذير, لم تفُتْ حاشية الوفد العراقي ولافاتهم مَغزاها.
الاولى: عندما نشرت صحيفة *المجاهد الجزائري*, ان العراق ظل يضخ النفط َ *سِرا* الى اوروبا عندما أوقفت الدول العربية ضخه عام 73, دعما لمصر في حربها. وكأني بهم يقولون *إن نظام يخون تطلعاتِ أمته هو نظام لا يؤتمن*
النانية: عندما حجزوا لنا على الساحل شاليه برقم (101) وكان ذلك تذكيراً بالكيلو 101, حيث وقَّعَ المصريون ما سُمي ( فك الارتباط) بين قواتهم المتشابكة مع جيش اسرائيل, في منطقة القنال عام 73 وكأني بالجزائريين يهمسون في آذاننا *ها انتم تأتون الفاحشة نفسَها*. لم أدر, (أنا) حينها, حقيقة ما جرى ولكني أحسست ان امرا خطيرا يُدبر ولابد ان الاخرين كانوا على بيِّنة وطارق عزيز كان ادراهم, ام انا فقد كنت دخيلا عليهم. وبعد عودتنا صار المستورمكشوفا وان صفقة عُقدت بين الشاه وصدام وبوساطة بوميدين. وقال فلاسفة الهزائم ان صدام ضحى بالماء في سبيل الارض وكأن في الوطن ما يُمكن أن يُضحى به. فماذا كانت الصفقة وماذا كان دور كلٍ مِن هولاء وماا جناه كلٌ منهم منها؟
الصفقة: يتنازل العراق, الى ايران عن النصف الشرقي من شط العرب ويوقف الشاهُ, مقابل ذلك, دعمَه للمسلحين الاكراد, بالأعداد والعُدد. أما ما جناه الثلاثة:
الشاه: قدم الى شعبه, لامتصاص نقمتهم, *مكسبا* دفع شعبه ثمنه, ما يقرب من مليون بين قتيل وجريح, مكسبا لم تعُد إيران, الان تكترث به, فقد حوَّلته (شط العرب) الى مبازِلَ لمياه الصَرف وما شاكل. لماذا؟ هذا ما قد تُلقي الضوءَ عليهَ سيناريوهاتٌ قادمة صادمة.
صدام: كان يرى ان (سُنَّة) العراق, هم الغطاء العددي لحكمه ومن سُنة العراق يُشكل الاكراد الاكبرعددا والتزاما, تلكم فئة ٌما كان بوسع صدامَ التفريط ُ بها. أما الارضُ فكم وهَب صدامُ منها, لهذا الجار (الحائر) أو ذاك.
بوميدين: أرادَ إنقاذ بلد شقيق في مأزِق, كما صورهُ له صدام, فجيشه (صدام) لا يملك ولا إطلاقة مدفع (هكذا قال له صدام) وشمال العراق مُهدَد بالانفصال وقد شكل المسلحون الاكراد رأس النفيضة لتدخل عسكري ايراني سافر ودخل الاسرايليون على الخط بشكل فاعل. قال د. محمود عثمان, سياسي كردي مُحَنَّك مستقل لا يرى دمار العراق من اولوياته على عكس صَحبِه (انا ارى), قال *اسرائيل لا تعطينا السلاح لسواد عيوننا بل لنقاتل جيش العراق*. وتقول المعلومات ان عدد القتلى من الجنود العراقيين قد وصل الى حوالي .225 ومنهم من قال 350 قتيل في الاسبوع, قبل اتفاق الجزائر. اما لماذا كانت الخسائر بهذه الكثافة, فهناك اسباب, منها: 1. كان المسلحون مزودين ببنادقَ إسرائيلية مداها, قيل 4500م ومع ناظور والمسلح متحصن خلف الصخور في حين كان مرمى بنادق الجيش العراقي لا يزيد على 3000م وليس بها ناظور, معنى هذا ان هناك مسافة 1500.م يكون فيها الجندي العراقي هدفا مكشوفا, حالة تسمى في السياقات العسكرية sitting duck الهدف الساكن. ومن المفارقات, كما اخبرني ضابط كان في حرب فلسطين عام 48 أنه كان لليهود مدافع هاون يصل مداها 4500 م وهاونات الجيش العراقي 3500م وقد زاد ذلك من عدد الاصابات بين الجنود العراقيين, بسبب هذا الفرق في فاعلية الاسلحة لدى الطرفين. 3. لقي المسلحون دعما غير محدود من الجيش الايراني ذي التسليح والتدريب الغربي.. 4. فتوى السيد محسن الحكيم في (حُرمة مُقاتلة الاكراد). ومع ان السيد الحكيم اراد حقن الدماء الا ان تحريمه قتل المسلحين الاكراد, فهَمَهُ البُسطاء والسُذَّج, جواز قتل العرب والذين كما يَعرف الكثيرون, كانوا من العرب الشسيعة سواء أكان ارسالهم الى الشمال إنتقائيا ام بحكم كونهم غالبية المُجندين والذين صاروا, بسبب الفتوى في حيرة تردد بين الاوامر القتالية والفتوى مما جعلهم اكثرَ عُرضة للاصابة. ماذا لو ان السيد الحكيم قد الزم الاكراد باصدار توجيه او فتوى من رجال مذهبهم بتحريم (تحاشي) استهداف الجنود وغالبيتهم لم يكونوا مخيريين في التواجد في سوح القتال. ربما يقول قائل وقد قال فعلا: ان الاكراد ليس عندهم مرجعية دينية, فاقول ان المرحوم الملاّ مصطفى البارزاني كان شخصية دينية (المُلَّا) ونفوذُه الديني ربما فاق نفوذَه السياسي. وهنا نحن امام لغز اخر فيما جرى.
وتوسعت, كما هو مُتوقع, مقابرُ النجف وإزدهرت ومازالت, صناعة حفر القبور. كنت في اللجان الطبية التي تنظر في قضايا الشهداء والعوق الجسدي عندما كنت رئيس القسم الباطني في مستشفى الرشيد العسكري وقد أذهلني العدد الهائل من الخسائر البشرية, التي كانت تعرضُ على اللجان المختصة في مستشفى الرشيد العسكري وبعدها في مدينة الطب لتقدير عجز اولياء الشهداء. ويبقى هناك سؤالان ظلاّ يلاحقاني: كيف وافق بومدين وهو من هو ان يُتنازَلَ عن جزء من الوطن العربي ولماذا (1). لم يطلبْ صدامُ من بومدين ان بمدَّه بألفٍ من أسوود الجزائر ليُقلم أظافرَالشاه ويكسر ادواته. وجاء الجواب فيما ذكره سفير الجزائر السابق في العراق ونشرفي وسائل الاعلام من أن الرئيس بومدين إحتج, عند لقائه الرئيس نكسون, في واشنطن على مساندة امريكا لشاه ايران الذي, (قال الرئيس بومدين) يعمل على اقامة اسرائيل ثانية في شمال العراق. وفي طريق العودة الى بغداد من الجزائر التقى صدامُ التقى العقيدَ القذافي وكان بامكانه ان يقترض مالا لشراء اسلحة ولا اظن ان المرحوم القذافي كان سيضن عليه بما يطلب ولربما فتح له ترسانة الجيش الليبي. ترك الاتفاق في كبرياء صدام جرحا لا يندمل, فهاهو شاه ايران, عدوه التقليدي يجبره على تقديم جزء من وطن طالما إدَّعى انه حامي حماه وهاهم الاكراد الذين طالما حاباهم يغدرون به, فأراد ان يداوي الجُرح بحرب ايران فخرج من الحرب مثخن الجراح مثقل الديون, اراد مخرجا مما آل اليه حاله فغزا الكويت, شرك اعِدَّ له باحكام. فكان دماره والعراق وانتهى السيناريو , ضاع شط العرب وبقي الشمال مزعزعاً, *فلا مصرُ اسقرت على حالٍ ولا السودان داما*. واليوم, ربما حان الوقت لمراجعة هذه الظلامة, فالاخوة الايرانيون الملتزمون بشرع الله لا يمكنهم الاحتفاظ بما اغتصب. والله على كل شيء قدير.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here