التطبيع او التقطيع

نعني بذلك الدول التي رفضت ابرام معاهدة سلام او تطبيع العلاقة مع ( أسرائيل ) و كانت تشكل خطرآ على وجود الدولة اليهودية و ترفض وجود دولة ( أسرائيل ) اصلآ و لا تعترف بذلك الكيان الذي يعتبر غير شرعي و غير منسجم ثقافيآ و دينيآ مع المحيط العربي ذو الغالبية المسلمة و التي تقف بعدائية تأريخية مستمدة من تلك المواقف اليهودية و المؤامرات و الدسائس التي رسم فصولها الحاخامات اليهود في النيل من الدعوة الأسلامية و محاولة اغتيال النبي ( محمد ) بدس السم لكن تلك المحاولة فشلت الا ان الحقد و الكراهية على اليهود بقيت في النفوس و لم تغادرها و ظلت تلك الصراعات الغارقة في القدم حاضرة و ماثلة و بقوة في الأذهان .

كان العراق من اشد المعادين للدولة اليهودية و منذ نشأتها و على الرغم من اختلاف الحكومات التي تعاقبت على السلطة في هذا البلد الا ان المزاج الشعبي العارم و المعادي لأسرائيل كان على الدوام ما يوافق او يجبر الحكومات العراقية على الأخذ بالمزاج الجماهيري العراقي منذ حكومات العهد الملكي الى حكومات العهد الجمهوري و كان العراق البلد العربي الوحيد من غير دول المواجهة مع أسرئيل اشترك و بقوة و حماسة في كل الحروب العربية الأسرائيلية و هو يدفع بقواته العسكرية بأتجاه الجبهات الأردنية و السورية و المصرية و كانت المشاركة العسكرية العراقية في تلك الجبهات مؤثرة و مهمة في سير المعارك و بالأخص تلك التي كانت تدور على الأرض في الأردن و من ثم في سوريا .

خرج الجيش العراقي من الحرب الطويلة مع ايران منهكآ و متعبآ الا انه اكتسب المزيد من الخبرات و المهارات العسكرية الميدانية و كان العداء الغربي و الأمريكي على الثورة الأيرانية من جهة و كذلك في محاولة منع تصدير تلك الثورة الى الضفة المقابلة في الخليج العربي حيث مكامن النفط الشريان الحيوي للطاقة حينها اقدمت الدول الغربية و الشرقية و كذلك الولايات المتحدة الأمريكية على مد العراق بأحدث الأسلحة و المعدات المتطورة فأصبح هذا البلد ( العراق ) بما يملكه من خبرة قتالية ميدانية و معدات عسكرية حديثة و عقلية متوارثة و مستحكمة العداء لأسرائيل كان الخطر الأكبر على ( أسرائيل ) و بالأخص حين قصفت أسرائيل و للمرة الأولى في تأريخها بالصواريخ العراقية بعيدة المدى حتى و ان كانت تلك الصواريخ للغاية الأعلامية الا انها حطمت نظرية الأمن الأسرائيلي الذي لا يخترق .

ايقنت ( اسرائيل ) ان تفكيك العراق و تقسيمه هو الحل الوحيد في التخلص من الخطر الذي شكله هذا البلد على مختلف العصور و اختلاف الحكام و عقائدهم الا انه بقي مصدر قلق و عدم أمان للدولة اليهودية حينها بدأ ( السيناريو ) الذي كتب بعناية شديدة بالتطبيق فكانت اولى تلك الحلقات ( غزو الكويت ) و احتلالها و اسقاط نظام الحكم فيها و من ثم التمسك بها و عدم الأنسحاب رغم المناشدات ( و التوسلات ) و التي لم تنفع و بعدها تم تدمير القوة العسكرية العراقية و فيما بعد تم تدمير ما تبقى من تلك القوة في ذلك الحصار الأقتصادي الجائر وصولآ الى الحرب التي اسقطت النظام السابق و من ثم اندلاع الحرب الأهلية التي ادت الى الأنقسام القومي و الطائفي .

بعد ان تم اخراج القوة العراقية من المجابهة المحتملة مع أسرائيل او تحييدها بشكل كامل في تلك الأحداث التي دارت في العراق كانت الحلقة القادمة هي ( سوريا ) و التي لا تقل خطورة عن العراق ان لم تكن اكثر على ( أسرائيل ) و بحكم التماس الحدودي و الجبهة الطويلة و العداء المستحكم و ازداد الأمر اهمية وخطورة حين توثقت و تعززت اواصر الحلف السوري الأيراني اللبناني ( حزب الله ) و اصبح هذا الحلف يشكل تهديدآ حقيقيآ على أسرائيل فكان لابد من العمل السريع في تفكيك و تدمير هذا التحالف من خلال ضرب الحلقة الأضعف ( سوريا ) حينها فتحت الحدود التركية و تدفق الالاف من ( المجاهدين ) و هم معبئون و معززون بالتمويل المالي الخليجي الغير محدود و بالأفكار و العقائد التي تبيح قتل الآخرين المخالفين و توعد القتلة المجرمين بالجنان و النعيم فكان اولئك ( المجاهدين ) من اكثر المقاتلين وحشية و شراسة و تدمير .

دارت تلك الحرب السورية الأهلية الطاحنة و مازالت فصولها تتوالى و كاد الحكم السوري يسقط و يتهاوى لولا النجدة العسكرية الروسية الكبيرة التي اوقفت ذلك التدهور و التراجع و استطاع الجيش الحكومي حيناه من استعادة زمام الأمور من جديد و دحر الفصائل الأرهابية و المعتدلة المسلحة و حصرها في محافظة واحدة من محافظات البلاد السورية المتعددة لكن تلك الحرب حتى و ان انتهت بأنتصار احد الفريقين فأنها قد تركت ندوبآ وجروحآ غائرة في الضمير السوري و قسمت البلاد و ان كانت على الخارطة مازالت موحدة حين تحولت الى حرب طائفية لم تخلف سوى الدمار و الخراب و الكراهية و الالاف من المشردين و الملايين من المهجرين و المهاجرين و مثلهم من الفقراء و المعوزين بعد ان كانت البلاد السورية بأراضيها الشاسعة و الخصبة تعتبر السلة الغذائية الوفيرة .

هذا ما حل بأهم البلدان التي رفضت التطبيع مع اسرائيل ( العراق و سوريا ) و بقيت معاندة و غير مستعدة لأقامة العلاقة الطبيعية مع الدولة الأسرائيلية في حين ظلت تلك الدول و التي بدأت بالتطبيع العلني مع أسرائيل محافظة على كياناتها و وحدة شعوبها و على الرغم من التنوع الديني و الطائفي الذي يعم في ربوعها الا انها بقيت بعيدة عن الصراعات و النزاعاات الداخلية الا ما ندر حيث لم تشهد بلدانآ مثل مصر و الأردن و كذلك الدول الخليجية احداثآ او حروبآ كتلك التي حصلت في العراق و من ثم في سوريا و كانت الرسالة الأسرائيلية واضحة و صريحة و قد وصلت الى الحكام العرب ( اذا اردتم الحفاظ على عروشكم و رؤوسكم و كراسي حكمكم عليكم الأعتراف و التعامل و التطبيع مع أسرائيل ) و الا ……… .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here