الدولار المجمد.. تجارة مزدهرة لغسيل الأموال

تقرير/ حيدر آل حيدر الاجودي* – مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية

تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة منشورات دعائية لمجهولين كثيرين يروجون لبيع الدولارات (مجهولة المصدر)، في غالب الأوقات يوضع لها نصف أو ثلث السعر الحقيقي للدولار، بحيث كل 100 دولار يباع بـ 50 دولار أو أقل من ذلك!، أو أشتري 10 آلاف دولار بقيمة 5 آلاف دولار فقط!، فهل لهذه الدولارات مصدر معين؟، ولماذا تباع بنصف القيمة الحقيقية لها؟، ومن يقف وراء ترويج هذه التجارة؟.

الدولار المجمد

ظهر مصطلح الدولار المجمد لأول مرة خلال حرب الخليج الثانية، فبعد اجتياح جيش صدام حسين إلى داخل الأراضي الكويتية، تمت السيطرة على ملايين الدولارات من البنوك الكويتية، وبهدف منع تداول الدولارات المسروقة، تم تجميد أرقامها التسلسلية من قبل أنظمة مالية غربية، ما يعني منع تداولها في أي من البنوك الحكومية لحكم افتقادها لقيمتها الحقيقية في الأسواق التجارية، فالدولار المجمد لا يعد مزورا إطلاقا، فمثله كمثل أي دولار آخر، ولا يمكن تفريقه عن الدولار الصحيح، إلا أنه متوقف عن العمل لفترة، ولا يصرف في البنوك الرسمية، لذلك يضخ بالسوق السوداء بحكم عدم دراية أصحاب الصيرفات بتلك الأرقام المجمدة، ما يعني أن عمليات النصب والاحتيال عبره قد تكون سهلة للغاية، لكن ليس كل ورقة خضراء يمكن أن تكون دولارا، لذلك هو مختلف تماما عن الدولار السليم وعملية شراءه وتداوله قد تكون مشاركة في غسيل وإعادة تداول تلك الأموال.

سماسرة وعصابات

عصابات وشبكات كبيرة لغسيل الأموال وإعادة قيمة ما نهب من البنوك، ملايين الدولارات نهبت من مناطق الصراع، لتصل إلى جيوب العرب في أحد أكبر عمليات النصب والاحتيال، فلن يتمكن أحد من إدخال هذه العملات رسميا إلى البنوك الحكومية، ولإعادة تصريفه يجب أن يدخل بطريق غير مشروع قانونيا، فهي ليست موزورة أو سليمة 100% لكن لن يستطيع أحد أن يشتري بها شيئا إلا عن طريق السوق السوداء!.

ولتصريف هذا الدولار المجمد ينتشر سماسرة مختصون لهذا الغرض في كلا من تركيا والأردن والعراق وليبيا وسوريا ودول عربية أخرى يكون فيها النظام الرقمي المالي العالمي ضعيفا نوعا ما، ما يسهل عملية تداول تلك العملات والنصب والاحتيال عبرها بسهولة كبيرة.

ماهو مصدره؟

تتعدد مصادر الدولار المجمد، لكن الأكثر انتشارا في العالم العربي يكون مصدره مناطق الصراع في المنطقة، ووفق محللين اقتصاديين فأن ليبيا تعد أبرز المصادر للدولار المجمد، فمع سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا عقب الثورة التي أطاحت بنظام حكمه عام 2011، وقع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أمرا تنفيذيا بتجميد كل أصول القذافي وعائلته، بالإضافة إلى كبار الشخصيات في الحكومة الليبية وقتها ومعهم البنك المركزي وصناديق الثروة السيادية

للبلاد، مما أدى إلى تراكم ملايين الدولارات في الخزينة الليبية، ومع تدهور الأوضاع الأمنية أكثر في البلاد تم تهريب هذه الأموال إلى عدد من الدول العربية ليتم تصريفها بأقل من سعرها الحقيقي، فيما تعود بعض تلك الأموال إلى البنوك العراقية، وذلك عقب الاجتياح الأمريكي للبلاد عام 2003، حيث تمت سرقة كميات كبيرة من الدولارات من البنوك الحكومية، والتي بدورها أبلغت واشنطن من أجل تجميدها حتى لا يستفيد أحد من تصريفها أو إدخالها إلى حسابات بنكية ثانية، بالإضافة إلى ذلك، تذكر بعض المواقع المختصة أن بعض تلك الأموال تأتي من إيران وفنزويلا اللتان تخضعان لعقوبات الإدارة الأمريكية، وتم تجميد حسابات ضخمة لديهم ما أدى إلى تراكم كميات كبيرة من الدولارات المجمدة.

عاصمة الدولار المجمد

عاصمة الدولة التركية اسطنبول تحولت إلى عاصمة الدولار المجمد في العالم، حيث يزدهر فيها بيع تلك الدولارات وذلك منذ سنوات طويلة، بعدما كانت مقرا للأموال العراقية المسروقة وغيرها من دول الصراع، ومع اندلاع التوتر في ليبيا وتدخل تركيا في المشهد الليبي وبعد تحولها إلى حليفة لحكومة الوفاق التابعة للإخوان المسلمين، ازدهرت تلك التجارة بقوة في العاصمة التركية وخصوصا بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد مؤخرا، وتذكر بعض المصادر من ليبيا أن عقب الأزمة الاقتصادية التي ضربت تركيا في العام الحالي والتي أودت إلى انكماش الاقتصاد التركي بنسبة 9,9% في الربع الثاني من العام الحالي وانهيار العملة التركية بشكل كبير، اتجه بعض رجال الأعمال الأتراك لنقل كميات كبيرة من الأموال من ليبيا، ولكن تلك الأموال تم تجميدها قبل وصولها إلى الأراضي التركية ما حولها إلى أموال دون قيمة حقيقية لها، وبدلا عن ضخها في البنك المركزي التركي تم ضخها في السوق السوداء لتلقب اسطنبول بعد ذلك بثلاجة أموال ليبيا، ما حولها إلى سوق مزدهرة للأموال الليبية وسط تغاضي حكومي كبير عن عمليات البيع والشراء، فهل يتم كل ذلك بأشراف الحكومة التركية؟، أم أنها عاجزة عن ضبط تلك التجارة المزدهرة؟.

العراق وغسيل الأموال

على الرغم من تحذيرات البنك المركزي العراقي لمنع تداول الدولار المجمد في السوق السوداء، إلا أن ضعاف النفوس من أشخاص مجهولين ربما يكونون مدعومين من تجار يواصلون نشر إعلانات على مواقع التواصل الإجتماعي لترغيب الناس بشراء هذه الدولارات بسعر اقل من قيمتها الحقيقية، ولأن العراق يعتبر واحداً من البلدان التي تعاني من جرائم غسيل الأموال وتهريب العملة عبر الحدود، وتتورط عصابات بذلك مستغلة استشراء الفساد المالي المستشري، ليطرحوا بضاعتهم في سوق الصرف العراقية. فهل سيتم السيطرة على هذه الأموال في العراق ومحاسبة المروجين لها والعاملين فيها؟.

…………………………

* مهندس زراعي وكاتب صحفي

07817238211 – 07715864569

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here