تركيا والازمات الاردوغانية المتعاقبة

تركيا والازمات الاردوغانية المتعاقبة

بعد مقتل العشرات من الجنود الأتراك في معركة إدلب بشمال غرب سوريا، وفي طرابلس بليبيا الم يحن الوقت لكي يراجع أردوغان اوراقه أمام الشعب التركي الذي كان يعده بأنّه سيحقّق له السلام والأمان، ولن يهدر دماء أبنائه، وهو وعد لم يستطع الوفاء به لحد الان ، ويعيش في وسط بؤر للتوترات والأزمات التي يرى فيها نظامه مناطق صيد له يصب الزيت على النار من خلال تصريحاته وسلوكياته على الأرض بدعم استدامة الفوضى وخوض اللعبة مع الطرف الذي يرى في دعمه مصلحة له ولأجنداته التوسعية في المنطقة وقد قام بنقل أكثر من 300 مقاتل من الفصائل الموالية لها، غالبيتهم العظمى من فصيلي “السلطان مراد” و”العمشات”، من بلدات وقرى بمنطقة عفرين شمال غرب حلب، حيث قالوا لهم بأن الوجهة ستكون إلى أذربيجان مقابل مبلغ مادي يتراوح بين الـ1500 إلى 2000 دولار وهذه البيانات تثير قلقا شديدا، لأن مثل هذا المسار للأحداث سيؤدي إلى كارثة إنسانية، ليس فقط إصابات بشرية، ولكن أيضا وحشية ودمار. وهناك جهات تتحرى هذه المعلومات في مشاركة مقاتلين من جنسيات مختلفة بالقتال نقلوا من جبهات سورية لزجهم في هذه المعارك للتخلص والتخفيف عن اعدادهم بعد ان ضاقت بهم جبهات القتال اثر تقدم الجيش السوري وتحرير مساحات واسعة من الارض وظهر هناك فيديو نشر يعلن عصيان اعداد من هؤلاء ” الجهاديين” من المشاركة في هذه المعارك الى جانب الجيش الاذربيجاني بعتبارهم من الشيعة .

من خلال هذه تصرفات يمكن الاستنتاج من ان حالة الحرب هي الحالة الأقرب لسلوكيات وممارسات وسياسات اردوغان على اقل التصورات للخوف من الجيش للانقلاب عليه واشغاله فيها ويظهره بمظهر الزعيم الذي يتلذذ بسفك دماء الجنود الأتراك في حروب عبثية دون حساب و يُبقي الأتراك متأهبين لأي صدمة، سواء اقتصادية أو سياسية، ويُبقي الجيش التركي في حالة تأهّب دائم ، في انتظار ما سيورّطه به أكثر كلّ مرّة، متجاهلا ما يوصف به من سلوك الاستهتار بأرواح الجنود وسلامتهم، ناهيك عن استخفافه بالمآسي التي تخلفها الأزمات الاقتصادية وانهيارات الليرة المتسارعة على حياة المواطنين.

ولكن السؤال الاكبر واللغزالمحير هو من الذي يدفعه لاشعال كل هذه الحروب؟ ومن يتواطأ معه؟ ولماذا؟ وإلى متى؟ لا أحد يملك الإجابة على كل تلك الأسئلة سوى الشعب التركي ويدفع بالدماء من ابنائه ، وفي القلب منها ايضاً الشعوب العربية القريبة منها جغرافياً ، إذا لم تفيق وتدرك الخلاص من هذه الدوامة المتمردة والمدمرة ولن يتأتى إلا بامتلاكها إرادتها الحرّة. والنتائج تأتي عكس التوقع حيث ان ظاهر السياسة التركية خلاف باطنها وتبيّن أنّ أردوغان يتقن سياسة الاحتيال والتلون في المواقف والاستفادة من النوم العميق لجيرانه الذي اشغلهم داخلياً في دوامة متابعة المجموعات الارهابية وبدء يمارس الخداع بإطلاق استراتيجية غير واضحة المعاني ليغري الآخرين بأن لا أطماع لديه بحقوق وثرواتهم كما في البحر المتوسط مع اليونان واستغلّ الخلافات العربية البينية في ظل وجود نزعة عربية للمشاركة في اقامة توازن إقليمي استراتيجي جديدة للغرب في المنطقة وجزء كبير منه قد استسلم تاريخيا إلى أسلوب غير راشد وهو الخضوع للكيان الاسرائيلي ، وارعابهم ليقوموا على الاستقواء بالسلاح بعيدا عن لغة العقل والحكمة والشعور بالمسؤولية وهي اللغة التي تنتج عن إقامة عقد اجتماعي يضمن سلامة الجميع.

لقد اتضح وبلا شك للعالم اجمع ان التدخل التركي في سوريا هو عدوان سافر علي بلد عضو في الأمم المتحدة، وأن كانت سوريا قد مرت بوقت صعب منذ الحرب الأهلية، وفي حالة لزوم الأمر لتركيا كما يقول اردوغان أن تسيطر علي بعض المناطق حتى تؤمن حدودها فهو أمر ليس عقلاني اصلاً والان قد يبدوا أنه غير مقتنع بالانسحاب واصبحت احلامه اكبر دون ان يحسب حساب من ان الجيش العربي السوري عاد لقوته، وسيطر على اكثر من 95% من ربوع لوطنه وهو كفيل بحماية اراضيه ولم يتبقي له سوي أدلب، فلماذا لا تنسحب القوات التركية من الاراضي الباقية التي سيطرت عليها وتعود للحدود المعترف بها علي أن تتعهد سوريا بالسيطرة علي الأمن وتأمين الحدود وتضمن عدم حدوث ما يهدد أمن تركيا. الغريب هو ما حدث فالأتراك يوجهون اللوم علي سوريا لأنها تريد إعادة السيطرة علي أدلب مرة أخري وهذا من حقها فهو جزء لا يتجزء منها، بل ويرسل تعزيزات للمجموعات الارهابية الموالية له ويفتح النيران على الجيش العربي السوري من داخل الأراضي السورية.

في ليبيا المساعدات التي تُقدّمها الحكومة التركيّة لحكومة الوفاق — المُعترف بها دوليًا — واطماع اردوغان التي لم تقف عند هذه الفلتات وصلت الى ليبيا بالتدخل العسكريّ المباشر من مستشارين ميدانيين يُوفّرون التدريب والدعم التشغيلي فضلًا عن الدعم الجوّي من خلال الطائرات بدون طيار في سبيلِ مواجهة ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي تحتَ قيادة المُشير خليفة حفتر، و بحلول الثاني من كانون الثاني/يناير 2020، أقرت الجمعية الوطنية الكبرى التركية التي يسيطر على الاكثرية فيه (البرلمان التركيّ) تفويضًا لمدة عامٍ من أجل نشر القوات في ليبيا، ثمّ بدأت بعدها بثلاثة أيام انقرة وبشكل رسميّ في نشرِ قواتها على الأراضي الليبيّة.

ومن جانب اخر فقد اتهمت حكومة ارمينيا السلطات التركية، بتقديم الدعم العسكري مباشر لأذربيجان وسط تصاعد للاشتباكات بين الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين بسبب إقليم ناغورني قره باغ وفي استمرار إذكاء النار بين البلدين، بعد ان استخف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالجهود الدولية لوقف إطلاق النار بين البلدين، حيث المواجهات الدامية بين أذربيجان وأرمينيا ،وقالت ارمينيا في بيان إن تركيا لها “وجود مباشر على الأرض”. وأضافت أن خبراء عسكريين من تركيا “يقاتلون جنبا إلى جنب” مع أذربيجان وإنها تستخدم أسلحة تركية من بينها طائرات مسيرة وحربية. وعن مشاركة مسلحين نقلتهم تركيا من سوريا في الأعمال القتالية في ناغورني قره باغ كما تحدث السفير الأرميني لدى روسيا، انالمخاوف بشأن الاستقرار في منطقة جنوب القوقاز، وهي ممر لخطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية، ومن احتمال استدراج القوتين الإقليميتين روسيا وتركيا في هذه الحرب، اللتين تقفان على طرفي نقيض في الأزمة كما الحال بالنسبة لسوريا وليبيا.

ان هذه الفوضى أنتجت وضعا غير عقلاني اوصل إلى ما نحن فيه اليوم من جنون مغال فيه من اردوغان و أنّ سياسته الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ستبقى على حالها و يصار ذلك الى ان يطبق على عدد كبير و كثير من الدول ويعتقد بأنها الوسيلة الوحيدة التي تتم من خلالها السيطرة على الأمور وتصريفها لصالحه .

على الشعب التركي ان يعلن عن التعبير في رفضه لهذه السياسات والممارسات العبثية و الذي يغوص في رمال الحرب المتحرّكة في كلّ من سوريا وليبيا ليضاف لها قره باغ التي لا يعرف حدود العملية وسقفها ومراحلها ولعلها ستكون شديدة وقابلة للتطوير وفق التطورات الميدانية والسياسية ، والرئيس التركي لا يمتلك أيّ تصوّر للخروج من هذه الأزمات التي ألقى بتركيا فيها.

عبد الخالق الفلاح باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here