رسالة مفتوحة لاصلاح أحوال مسلمي فرنسا؟ 

ويل للمغلوب. ابن خلدون يقول أن المغلوب مولع دوما في تقليد الغالب. كلمات تتردد على شفاه الكثير من الواقعيين او اليأسين الذين فقدوا الامل واستسلموا لطغيان المستكبرين في هذه الظروف. بعد ان وجدوا أن قانون القوة هو المهمين على قوة القانون. هذه المعطيات هي التي دفعت الصهيونية العالمية والسلطات الأمريكية والغربية الاستهانة بالعرب والمسلمين. أن قوى الهيمنة تعتقد جازمة بان العرب في وضع سيء لا يمكنهم  أن يطالبوا باي شئ وليس لهم أي خيار. هذا هو منطق التاريخ والجغرافية فالمانيا واليابان والدولة العثمانية عندما خسرت الحرب فرض المنتصرون شروطهم المجحفة. فالتاريخ يكتبه القوي يعملق من يشاء بغض النظر عن الحق والباطل ويقزم من يشاء حتى لو كان سليل حضارة كبرى كالحضارة الإسلامية.
لا نريد أن نذهب بعيدا عن موضوعنا الأساسي المتعلق باوضاع مسلمي فرنسا وسياسية قادة جمعياتهم الكبرى.
من المؤكد إن تلك الجمعيات الإسلامية تتمتع بحرية واسعة ولم تفرض عليها السلطات الرسمية انتهاج اي اتجاه ولا تتدخل في أعمالها الداخلية. انها.تعيش في أجواء ديمقراطية كغيرها من مؤسسات المجتمع المدني. لكن الغريب في الامر ان بعض قادة الجمعيات الكبيرة يشعروا بالدونية والانهزامية دون اي مسوغ ولا مبرر. وكانهم نسخة مصغرة من الحكام العرب الذين استسلموا للاملأت الأمريكية والصهيونية. مع انهم غير مجبرين من احد وارتضوا بذلك صاغرين. رغم ان القران الكريم يقول ولا تزر وازرة وزر اخرى. على هؤلاء القادة أن يعلموا بأن مسلمي فرنسا لا يعانون من أي عقد أمام زملائهم الفرنسيين من غير المسلمين وليسوا بحاجة لتقليد دول اجنبية لممارسة دينهم والحفاظ على مصالحهم. لقد ولد اغلب المسلمين على الاراضي الفرنسية ويحملون جنسيتها. كما انهم يعيشون في بلد يحكمه قانون لا يفرق بين المواطنين بسبب دين أو قومية أو لون أو جنس أو عرق. فليس لاحد فضل على اخر الا بمقدار ما يقدمه من خدمات للمجتمع. ان اغلب قادة الجمعيات الإسلامية بحاجة إلى التحرر من امراض دكتاتوريات المنطقة العربية. اذ جلبوا معهم هذا المرض العضال إلى عمل جمعياتهم. فتجري بعض الانتخابات لاختيار مكاتب الجمعيات بصورة بدائية وصورية. فالابناء يرثون الاباء في القيادة وكان الجمعية ملك فردي صرف. كما ان التعصب المناطقي بين المغرب والجزائر او بين العرب وافارقة جنوب الصحراء لا يزال قويا. كان ينبغي أن يعودوا إلى أصل الاسلام الذي مارسه محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا يفرق بين معتنقيه. فالاصل هو المساواة بين الجميع فلا فرق بين مسلم فرنسي او جزائري أو مغربي أو بين مشرقي أو عربي أو اعجمي أو بين ذكر أو انثى.
يجب أن يتعلم قادة الجمعيات بأن المؤسسات الدينية اليهودية أو المسيحية قد تخلصوا من توريث القيادة أو التعصب بكل اشكاله لذلك تمكنوا من تأسيس منظماتهم الدينية والثقافية بأنفسهم دون تدخل خارجي.
ان استمرارية العمل الفردي لاي جمعية دون النظر لمصالح الجالية الحيوية هو الذي شجع بعض السياسيين الفرنسيين التدخل في شؤون المسلمين. إذ وجدت أن قادة جمعيات مسلمي هذا البلد غير قادرين على إيجاد قواسم عمل مشتركة مع الجمعيات الإسلامية الأخرى. فمن الطبيعي أن يفرض ساركوزي أو غيره مؤسسات على مثل المجلس الفرنسي الديانة الإسلامية لتقودهم.
ان من لا يستطيع التعايش مع أهل دينه ولا يشعر بالافتخار بهويته لا يستطيع ان يقدم شيئا إيجابيا الى جاليته.
لعل اهم اهداف الجمعيات الإسلامية بان لا تسمح لنفسها الدخول في اتون السياسة الحزبية الفرنسية. كما يجب أن لا تكون طرفا في سياسات الدول العربية والاسلامية. كما يجب ان تركيز جل اهتماماتها الدفاع عن مصلحة المسلمين في فرنسا. وان تنفتح على بقية الفرنسيين من غير المسلمين دون تعصب أو فوقية أو دونية وتتعامل معهم وفق مبدأ الند للند. ينبغي ايضا ان يعود بعض قادة الجمعيات إلى رشدهم ويعتمدون على أنفسهم وعلى جاليتهم بغض النظر عن التيار الفكري السلفي أو الصوفي.
مسلمي فرنسا اليوم بحاجة إلى مشروع لبناء مؤسسة اسلامية رصينة تنظم امور المسلمين دون تدخل خارجي تحضى بثقة الدولة الفرنسية وتراعي قوانينها. لقد سبق ان قدمنا لبعض تلك الجمعيات برنامج واقعي يعتمد على ادواة واليات عملية جاهزة لرفع شان المسلمين ويعطي كل ذي حق حقه من جميع الجمعيات الكبرى. أمام قادة الجمعيات اليوم امتحان مهم بين الانانية والعمل الفردي المؤدي إلى التهميش وبين النية الحسنة والتوكل على الله وامكانيات الجالية الكبيرة. كما ان أي اصلاح لا يمكن أن يرى النور دون عون السلطات الرسمية التي ينبغي طمئنتها بأن المسلمين جزء من المجتمع الفرنسي الكبير ويريدون الخير لفرنسا ويعملون مع غيرهم لسعادة شعب هذا البلد دون اقصاء أو تعصب ديني أو قومي.
الدكتور نصيف الجبوري
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here