السنة

السنة، الدكتور صالح الورداني
———
دار جدل كبير في تاريخ المسلمين حول الروايات المنسوبة للرسول (ص) التي أطلق عليها فيما بعد ــ في العصر العباسي ــ لفظ السنة ..
ويحدثنا التاريخ عن حالات كثيرة لمنع الرواية في عصر الخليفة الأول والثاني ..
وهناك روايات منسوبة للرسول تحظر تدوين الرواية كما أن هناك روايات أخرى تأمر بتدوينها كما جاء في مقدمة مسلم الكتاب الثانى بعد البخاري ..
ومن أشهر روايات كتب السنن رواية أوصلها فقهاء الحديث إلى درجة التواتر وهي قول الرسول (ص) : من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار..
وكان الحنابلة الذين برزوا في العصر العباسي هم أول من قنن الرواية ودعمها وجعلوها أساس مذهبهم وأطلقوا على أنفسهم أهل الحديث ..
ولما ازدادت الحملة العدائية ضدهم من قبل المذاهب والتيارات الأخرى رفعوا شعار الكتاب والسنة حتى يضفوا القداسة على الروايات بربطها بالكتاب ..
وانبثقت من خلال طرح الحنابلة فكرة أهل السنة التي التصقت بهم طوال العصر العباسي – خاصة في عصر المتوكل-إلى أن جاءت حكومات لاحقة وانتزعت هذه الفكرة منهم وألصقتها بمذاهب أخرى ..
وكان الأشاعرة والماتريدية وهما من الفرق الكلامية، قد تم الصاقهما بالمذاهب الفقهية ،حيث تم ربط الأشاعرة بالشافعية والأحناف بالماتريدية، وأصبح الأشعري هو شافعي والحنفي هو ماتريدي..
أما الحنابلة أهل السنة الأوائل فلم يجدوا موقعاً بين حكومات ما بعد العصر العباسي التي سادت فيها المذاهب والتيارات المخاصمة لهم حتى برزت الحركة الوهابية، فبعثت تراثهم من جديد وعممته بدعم من حكومة آل سعود ..
ومن ذلك الحين عمم شعار الكتاب والسنة وأصبح شعار المذاهب السائدة المشروعة التي سميت بأهل السنة أيضاً ..
وقد برزت العديد من الروايات التي تهدد الذين ينادون بفصل الكتاب عن السنة وإخضاعها للكتاب والعقل، كما جاء في سنن الدارمي جـ 1 باب السنة قاضية على كتاب الله، وسنن أبو داود كتاب السنة، ومفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطى..
ودار الجدل أيضا حول الروايات المنسوبة لأهل البيت في وسط الشيعة..
والموقف الذي تبنته التيارات الأخرى من السنة وتم التعتيم عليه ليس هو الإنكار المطلق لها وإنما تحكيم الكتاب والعقل فيها لا أن يطلق لها العنان بدون ضوابط، ..
وهو الموقف الذي كان يرفضه الحكام ويبطشون بأصحابه بدعم من الفقهاء أنصار الروايات ..
وهذا الموقف أساسه ذلك الكم الهائل من الروايات المتناقضة التي تتصادم ببعضها والتي جاءت نتيجة للنقل العشوائي للرواية، مما دفع بأهل السنة إلى محاولة حل هذه المشكلة بتضخيم كتب السنن وعلى رأسها البخاري ..
وحسم التناقض بين الروايات عن طريق التأويل تارة واستثمار فكرة الناسخ والمنسوخ تارة أخرى ..
ومن هنا ظهرت كتب تحمل عنوان مشكل الحديث مثل مشكل الحديث لابن قتيبة وابن فورك ، ودرء تناقض النقل مع العقل لابن تيمية..
وقام ابن حجر بوضع مقدمة طويلة لكتابه فتح الباري في شرح البخاري يدفع فيها الطعون التي وجهت للبخاري وأسماها : هدى الساري..
وإذا كان الفقهاء يعرفون السنة بأنها ما ورد عن الرسول (ص) من قول أو فعل أو تقرير أو صفة فهذا يوجب فرز السنة للتمييز بين نصوص الرسول ونصوص الآخرين الذين نقلوا لنا أفعاله ومواقفه وصفاته ..
ومن جهة أخرى فإن الفقهاء قد ضبطوا السنة عن طريق السند أو علم الرجال الذي هو علم وضعي من صناعتهم وأوجه الخلل فيه واضحة ..
ولو كانوا قد ضبطوا السنة عن طريق المتن لأراحوا المسلمين وحفظوا الإسلام من صور الخرافة والإرهاب والتشويه التي لحقت به عن طريق هذه الروايات ..
وما زاد الطين بلة ما اضيف إلى السنة تحت مسمى الحديث القدسي الذي يعرفونه بأنه كلام الله المنقول على لسان النبي غير القرآن وأسموه بالقدسي نسبة إلى الله القدوس ..
وقد قرر الفقهاء أن معناه من الله ولفظه من النبي إلا أنه لا يجوز التعبد به بمعنى أنه لا يجوز أن يتلى في الصلاة كما هو حال القرآن ..
وهذا الأمر يقودنا إلى الاعتقاد بأن النبي (ص) جاء بثلاثة ألسن :
الأول لسان القرآن ..
والثاني لسان الروايات أو السنة ..
والثالث لسان الأحاديث القدسية ..
وهو أمر لا يجوز عقلاً ويفتح الباب للطعن في القرآن ..
وما هو الفرق بين كلام الله المنزل على الرسول وهو القرآن، وكلام الله المنزل عليه على هيئة حديث قدسي ..؟
وإذا كان الفقهاء قد وضعوا الحديث القدسي في درجة أقل من القرآن وقالوا بعدم جواز التعبد به فما هى قيمته إذن..؟
وهل كلام الله درجات أو مستوى أول ومستوى ثان ..؟
وهل يقبل أن يبلغ الرسول كلام من عند الله ثم يوضع في دائرة متساوية مع كلام البشر..؟
وقد ظهرت اتجاهات معاصرة لتصحيح الرواية على مستوى السنة والشيعة فبرز الألباني في الشام وأصدر سلسلة الأحاديث الصحيحة وسلسلة الأحاديث الضعيفة..
وبرزت العديد من الفرق السلفية التي اعتكفت على الروايات المنحازة للألباني والمخاصمة له..
وصحح الألباني روايات تحرم لبس الذهب للمرأة وأكل لحم البقر وذم الصحابة..
وبرز من هاجمه من الفرق الأخرى ورفض هذه الروايات..
وبرزت تلخيصات للكافي عند الشيعة..
والموضوعات في الآثار والأخبار الحسنى..
إلا أن هذه المحاولات قامت بتصحيح الرواية على أساس السند لا المتن فوقعت في متاهات الرواة، وهذا كله يؤكد لنا بطلان دعوى إضفاء العصمة على السنة..
والسؤال هنا : ماذنب الذين اعتنقوا وتعبدوا بروايات في الماضي ثبت بطلانها أو ضعفها في الحاضر؟
أو الذين اعتنقوا وتعبدوا برويات كانت صحيحة في الماضي وتبين وضعها أو ضعفها في الحاضر؟
وهل يمكن بهذه الصورة أن يربط القرآن بالروايات أو السنة كما يسمونها؟
وهل حال القرآن هو حال السنة؟
وما يجب ذكره هنا هو أن فكرة ربط الكتب السماوية بالروايات هى فكرة تبناها اليهود الذين اخترعوا التلمود وربطوه بالتوراة ..
وهو ما أدى لانقسامهم لفرقتين: فرقة القرائين التي لا تعترف بشرعية دولة إسرائيل وفكرة الصهيونية وتحصر التوراة في محيط الأسفار الخمسة الأولى فقط وهى: سفر التكوين وسفر الخروج وسفر اللاويين وسفر العدد وسفر التثنية ..
وفرقة الربانيين التي تنادى بضرورة التمسك بالتوراة والتلمود معًا….

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here