الامير كاميران بدرخان .. مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج44

الامير كاميران بدرخان
مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج44
أ.د. فرست مرعي
وأثناء الحرب الكردية ضد الحكومة العراقيىة (الثورة الكردية 1961-1970م)، يذكر أحد الباحثين الكرد:” ذهبت وفود كردية الى مقر الامم المتحدة في نيويورك سبع مرات: الاول والثاني في الاعوام 1962م 1963م برئاسة الامير كاميران عالي بدرخان، والوفد الثالث في ربيع 1965م بقيادتنا نحن ( الدكتور عصمت شريف وانلي)، والرابع، برفقة السيد سعدي أمين دزه يى(= شقيق السياسي الكردي المحامي محسن دزه يى)، والخامس في صيف 1965م برئاسة شفيق أحمد(= شفيق قزاز)، والسادس في عام1967م برئاسة الدكتور محمود عثمان، والسابع في العام 1986م برئاسة الامير بدرخان مرة أخرى. ينظر: عصمت شريف وانلي، كردستان العراقية هوية وطنية ( دراسة في ثورة 1961)، ترجمة: سعاد محمد خضر، مؤسسة زين لاحياء التراث الوثائقي والصحفي الكردي، السليمانية، 2012م، ص435.
ويعلق السيد وانلي حول تلك الإتصالات التي حاولت الوفود الكردية المارة الذكر إقامتها مع الامم المتحدة، بالقول:” وبتجرد نقول عن تلك الاتصالات التي استطاعت تلك الوفود اقامتها مع الدول الاعضاء في الامم المتحدة، ومع مختلف الاوساط السياسية والثقافية والصحفية، ولكن لم يستطع أي منهم المساعدة في ادراج نزاعنا في جدول أعمال أي جهاز تابع للامم المتحدة…”. كردستان العراقية هوية وطنية، المرجع السابق، ص435.
ولما كانت بريطانيا ترسل شحنات الاسلحة وبضمنها طائرات الهوكر هنتر القاصفة، لذا كان الامير كاميران بدرخان المتواجد في العاصمة الفرنسية باريس” يعارض شحنات الاسلحة المرسلة الى العراق من بريطانيا”. وقد نشر هذا التصريح في جريدة دو لوزان السويسرية في 15 يوليو/ تموز عام1963. وعلى الرغم من ذلك ففي 28 من شهر آب/ اغسطس عام1963 توصلت الولايات المتحدة الامريكية مع الحكومة العراقية على تزويد العراق بقرض بقيمة اكثر من ستة ملايين دولار أمريكي.
وفي مجمل القول كانت التدخلات العراقية في الصحافة عموماً يجافيها الذكاء والمهارة. وفي رد أرسله السيد حكمت سليمان سفير الجمهورية العراقية في باريس، أرسله الى الامير كاميران عالي بدرخان، يؤكد فيه على أنه ” لا يوجد تمرد كردي في واقع الامر، بل تحركات حفنة من الاكراد الانفصاليين”. راجع: جريدة لوموند الفرنسية الصادرة في 30 تموز/ يوليو 1965م. نقلاً عن عصمت شريف وانلي، المرجع السابق، ص391.
وتجدر الاشارة الى أن بعض الجامعات الفرنسية كانت تعتمد دراسات متخصصة في اللغة الكردية في باريس، وكان الامير بدرخان بصفته باحثاً ومدرساً، يقدم مرحلة دراسية في اللغة في المعهد الوطني لللغات الشرقية الحية، وعلى الشاكلة نفسها كان السيد عصمت شريف وانلي المقيم في سويسرا،”وكذلك ما قدمناه في الاعوام (1960 -1962م) من مراحل دراسية حول ( حضارة كردستان)، تعتبر الاولى من نوعها التي تقدم في الغرب”. بعد أن طلب منا أن نمثل ثورة كردستان العراق في الخارج، قررنا التخلي عن تدريس ذلك. المرجع السابق، ص41، هامش(37).
إن القاموس الكُردي – الروسي الذي أعده البروفيسور الكردي الارمني السوفياتي قناتي كوردوييف(1909 – 1985م)، المنشور في عام1960م، بواسطة أكاديمية العلوم السوفيتية، فيحوي (34) ألف كلمة. بينما القاموس الذي يعده الامير كاميران بدرخان، يحوي على (55) الف كلمة ولم ينته بعد. ففي حين لا يزال البروفيسور بدرخان ينتظر التمويل الذي سيساعده على نشر قواميسه الفرنسي – الكُردي، والكُردي – الفرنسي.عصمت شريف وانلي، المرجع السابق، ص31، 48، الهامش (30).
ومن جهة أخرى يذكر وزير التخطيط العراقي الاسبق الدكتور جواد هاشم(1938- ؟) في مذكراته، بأن الحكومة الفرنسية وجهت له دعوة لزيارة فرنسا على رأس وفد وزاري لتسليم رسالة من الرئيس العراقي احمد حسن البكر الى الرئيس الفرنسي شارل ديغول تتعلق بتعزيز التعاون بين الجانبين في مختلف المجالات، وكان الوفد الرسمي برئاسته باعتباره وزيراً للتخطيط ، ويضم في عضويته كل من: خالد مكي الهاشمي وزير الصناعة، والعقيد شفيق الدراجي أمين السر العام لمجلس قيادة الثورة وشخصيات أخرى. وفي الاسبوع الثاني من شهر ديسمبر/ كانون الاول عام1968م وصل الوفد العراقي باريس، وبعد اكمال مهمته هناك، غادرالوفد الى لندن، حيث وجهت الحكومة البريطانية دعوة له لزيارة بريطانيا. وبالفعل وصل الوفد العراقي الى لندن في 15 ديسمبر/ كانون الاول عام1968م، وتضمن برنامج الزيارة الاجتماع بوزير الخارجية البريطاني ( مايكل ستيوارت) من حزب العمال البريطاني، ولقاءات أخرى مع ممثلي شركة نفط العراق ( البريطانية). وفي صباح اليوم التالي 16 ديسمبر/ كانون الاول، يذكر الدكتور جواد هاشم في مذكراته ما نصه:” ذهبت وخالد مكي الهاشمي وشفيق الدراجي، يرافقنا السيد كاظم الخلف (= السفير العراقي في بريطانيا) الى ووزارة الخارجية البريطانية، استقبلنا الوزير في مكتبه ورحب بنا. ويبدو أنه كان على إلمام لا بأس به عن أعضاء الوفد، ماضيهم، وحاضرهم، وقد يكون مستقبلهم… تحدث وزير الخارجية البريطاني عن العلاقات العراقية البريطانية، وعن رغبة حكومة صاحبة الجلالة بتوطيدها ومعالجة ما اعتراها من فتور. وأشار من طرفٍ خفيٍ الى ضرورة سد الثغرات التي أحدثها عبدالكريم قاسم. وتحدث بإسهاب وبمعرفة تامة عن القانون رقم (80) الذي كان قد صدر أيام قاسم، وهو القانون الذي تمت بموجبه سيطرة الحكومة العراقية على معظم الاراضي التي كانت تحت سيطرة شركات النفط الاجنبية العاملة في العراق، وقبل أن نختتم اجتماعنا… وهنا انبرى خالد مكي الهاشمي ليقول للوزير البريطاني، بأن لديه احتجاجاً يود أن يسجله، يتعلق بالموسوعة البريطانية (= دائرة المعارف البريطانية) وما ورد فيها حول الاكراد في العراق وعن زعيم الحركة الكردية الملا مصطفى البارزاني ومطامح الأكراد في إقامة وطن قومي لهم امتداداً لجمهورية مهاباد، ولأنهم – أي الأكراد – يشكلون نسبة لا يستهان بها من سكان العراق. واستمر الهاشمي في القول بأن ما ورد في الموسعة البريطانية من القول بأن البرزاني هو زعيم ثائر، إنما هو انحياز للحركة الكردية وموقف معاد للعراق! وبكل برود، أجاب الوزير البريطاني موضحاً:(( إن الإنسكلوبيديا البريطانية، إنما هي موسوعة معارف ومعرفة.. وليس للحكومة البريطانية سلطة في حذف أو إضافة معلومات للمؤلفات التي تصدر.. فبريطانيا بلد ديمقراطي.. وتمسكنا بالمبادىء الديمقراطية لا يسمح لنا أبداً إملاء رغبة الحكومة على دور النشر ومؤسساته…))”. ينظر: جواد هاشم، مذكرات وزيرعراقي ذكريات في السياسة العراقية 1967 – 2000، بغداد – دمشق – بيروت، دار المدى للإعلام والثقافة والفنون، الطبعة الثانية، 2017م، ص137 – 138.
وفي سياقٍ آخرففي المنفى الباريسي كتب الامير الكردي كاميران بدرخان تعليقاً على بيان الحادي عشر من آذار عام1970:” في حين لم تحاول الحكومة العراقية سابقاً أن تخفي ولا لمرة واحدة عدوانها، فهي اليوم تتصرف بنفاق. وإذ تعلن إعطاء كردستان العراق استقلالاً ذاتياً، ها هي تحاول أن تخضع المنطقة الكردية بكاملها للنفوذ العسكري والسياسي لحزب البعث. والحكومة تحاول أيضاً أن تتصالح مع الرأي العام العالمي بعدما عرضت الشعب الكردي للابادة على مدى العقود التي مضت. ينظر: غنثر ديشنر، الكرد شعب بدون دولة تاريخ وأمل، ترجمة: جورج كتورة، دار الفارابي – دار ئاراس، بيروت – أربيل، 2014م، ص312.
وفي 1/7/1970م عقد الحزب الديمقراطي الكردستاني مؤتمره الثامن تحت شعار(مؤتمر السلام والوحدة الوطنية) في قرية ناوبردان التابعة لناحية كلالة الواقعة على طريق هاملتون الاستراتيجي بالقرب من الحدود الايرانية، وحضره ما يقرب من خمسمائة مندوب حزبي يمثلون مختلف التنظيمات الحزبية ومن مختلف الفئات، بالاضافة الى الضيوف من الاحزاب والمنظمات من داخل العراق وخارجه، وكذلك حضر المؤتمر الشخصية الكردية المعروفة الامير الدكتور كاميران بدرخان والسيدة عقيلته قادمين من باريس. والقى فيها الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني كلمة رحب بها بالحاضرين وأشاد فيها بالاتفاقية الجديدة (= بيان 11 آذار/ مارس) وطلب العمل والتعاون لتنفيذها ونسيان سلبيات الماضي وغيرها من النصائح. محسن دزه يى، أحداث عاصرتها، ج2، ص205. وكان الامير كاميران بدرخان قد حضر الى المؤتمر المار الذكرعن طريق مطار بغداد الدولي، ولكنه عندما غادر العراق غادر عن طريق إيران، مما أغاظ هذا التصرف مسؤولي الحزب الحاكم (= السلطات العراقية). ينظر: زوزان صالح اليوسفي، وفاة سماحة آية الله السيد محسن الحكيم، الحلقة الثامنة والأربعون، موقع: comonist Kurd.
ويذكر السيد سيف الدين بدرخان سليل الاسرة البدرخانية في لقائه مع شبكة روداو الاعلامية، أنه في الشهر الثامن لعام 1970 حضر كاميران بدرخان إلى بيروت وكان في طريقه إلى كردستان العراق لحضور مؤتمر الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة القائد التاريخي الملا مصطفى البارزاني، وعند عودته من المؤتمر عقدنا ندوة لعمي كاميران بدرخان في بيروت وركز فيها على اللغة الكردية وضرورة تعليمها. يبدو أن هناك التباس في تاريخ وصول الامير بدرخان الى بيروت، فمؤتمر البارتي عقد في اليوم الاول من الشهر السابع من عام1970م، ويبدو أن الامير بعد مغادرته الاراضي العراقية عن طريق ايران، وصل الى بيروت، حيث شارك في الندوة المارة الذكر في بيروت. ينظر: سيف الدين بدرخان: العلاقات الكوردية – العربية مبنية على موازين القوى وليس على الديمقراطية والأخوة التاريخية، 12/9/2019م، موقع روداو العربي.
وفي عام 1971م زار الامير بدرخان لبنان والتقى بالكُرد في بيروت، وفي هذه الزيارة اجتمع بوزير الداخلية اللبناني كمال جنبلاط (وهو الحقيقة من أصولٍ كردية)، وبعون ودعم من الوزير جنبلاط حصل على رخصة لإنشاء حزب سياسي رسمي في البلاد. ومنح الكُرد في لبنان الحق في ممارسة السياسة. ينظر: موقع العائلة البدرخانية في الشرق الاوسط .
لقد كانت ثورة ايلول في كردستان العراق(1961-1975م) بقيادة الزعيم الملا مصطفى البارزاني، أثر كبير في زيادة معنويات الامير كاميران بدرخان الذي كان تواقاً للحصول على الحقوق السياسية للشعب الكردي، لاسيما جولاته المكوكية بين العواصم الغربية والاقليمية : نيويورك، واشنطن، باريس، طهران، بغداد، وكان يعدها الطلقة الاخيرة في جعبته قبل مغادرته الحياة، وترك انهيارها اثر اتفاقية الجزائر في 6 آذار/مارس 1975م، ووفاة زوجته البولونية ناتاشا اثراً كبيراً في تدهورمعنوياته ونفسيته، حيث توفي في الرابع من كانون الأول/ديسمبر عام 1978م عن عمر ناهز الثالثة والثمانين في باريس، وبناء على وصيته تبرع بجسده للمعهد الطبي للبحوث العلمية الفرنسية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here