الديمقراطية لا تعني صناديق الاقتراع الانتخابية فقط

الديمقراطية لا تعني صناديق الاقتراع الانتخابية فقط

بقلم مهدي قاسم

كثير من الواعين العراقيين ــ غير منحازين عقائديا او قوميا ــ يدركون جيدا أن النظام المحاصصتي المشوّه و الهجين القائم في العراق حاليا ليس له علاقة بالتعددية الحقة ولا النظام الديمقراطي الحقيقي و الصحيح إلا شكليا فقط و ذلك لتبرير وجوده غير الشرعي أصلا و المستمد ـــ زيفا و غشا ـــ من صناديق اقتراع انتخابي ، جرى ترتيبه في كل مرة في ظروف وملابسات مشبوهة ، والتي ــ بسبب خلاف بينهم ــ فضحها فيما بعد بعض منهم بأنها كانت عبارة عن تقسيم الأصوات بين الأحزاب والتنظيمات المشرفة على الانتخابات بغض النظر عن نوايا ورغبات الناخبين ..

إذ وكما هو معروف للكثير من المتابعين ، فأن النظام الديمقراطي يقوم بالدرجة الأولى ـــ في إطار عريض ومتين ـــ يقوم على مؤسسات قانونية راسخة ، تعلو فوق الجميع وتعامل الجميع على قدم مساواة واحدة ، بغض النظر عن مكانة الحاكم والمحكوم ، واللذين إذا ارتكب أحدهما جرما أو تجاوزا قانونيا فإنه سيَحاسب حتما و يُلاحق قضائيا حتى تُثبت برائته أو ذنبه ، أو على الأقل هذا ما هو سائد في بلدان ذات أنظمة ديمقراطية عريقة قائمة على مؤسسات قانونية محترمة وملتزِمة من قبل الجميع اتفاقا و قبولا وخضوعا لسلطة القانون والعدالة في كل الأحوال و جميع الظروف ..

و ضمن هذا السياق كنا شهود عيان على سقوط رؤساء حكومات و دول في بعض من تلك البلدان الديموقراطية الحقة من قمة كراسيهم السلطوية إلى ما وراء قضبان حديدية و زنزانات ضيقة معتمة ، ــ أو في أفضل الأحوال الانسحاب الهادئ من الساحة السياسية و الحياة العامة و العيش في ركن النسيان اعتزالا إجباريا ، و عندنا ثمة أمثلة كثيرة في هذا الخصوص، ولعلها أكثر طراوة هي الحكم على رئيسة جمهورية كوريا الجنوبية بسبب الفساد واستغلال السلطة و كذلك على رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية السابق والذي لا زال يمضي مدة عقوبته أيضا لنفس الأسباب و كذلك جرجرة الرئيس الفرنسي السابق شيراك إلى المحاكم قبلا ، وكذلك إجراء تحقيق مع الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي بشبهة فساد واستغلال السلطة ، وأخيرا وليس آخر انسحاب المستشار الألماني السابق هلموت كول من الحياة السياسية والحزبية نهائيا قبل أن يرحل عن العالم مؤخرا ، و ذلك بتهمة فساد سياسي لقبوله دعما ماليا لحزبه الديمقراطي المسيحي الألماني من إحدى الشركات أو الجهات ، بالرغم من دوره الكبير و إنجازه السياسي التاريخي و المتجسد بتوحيد شطري ألمانيا ..

أما عندنا في العراق فيعترف ساسة ــ وعلى ملأ ــ وزعماء أحزاب ومسؤولون علنية وأمام الملايين من مشاهدي التلفزيون بتورطهم بالفساد المالي وقبولهم الرشاوى أو تقسيم ” الكعكة ” الخ ، فبدلا من محاسبتهم القضائية فأنهم يستلمون فيما بعد مناصب جديدة أو سياسية أكثر نفوذا و تأثيرا !! ..

إذن فإن نظاما هجينا إلى هذه الدرجة وكذلك عصابات الأحزاب الفاسدة التي تقوده ــ مثلما في العراق ـــ لا يملك أية شرعية شعبية أو قانونية على أساس قواعد ديمقراطية وتعددية ، بغض النظر عن مزاعمها بأنها تمثل هذا المكوّن أو ذاك المذهب أم القومية..

وقد خطرت على بالي هذه السطور ونحن نقرأ في هذه الأيام تراشق تهم بالفساد بين وزير الدفاع السابق عبد القادر الدليمي وبين القيادي الإسلامي ” المجاهد ” صولاغ جبر، و كذلك بين السياسي الفاسد المتقاعد بهاء الأعرجي و الأفسد منه محمد صالح العراقي المقتداوي ، حيث نتذكر في هذا المضمار ــ مبتسمين ــ المقولة المعروفة عندما ثمة مومس تقول لأخرى من مثيلاتها معيّرة :

ــ أنتِ ” عاهرة ” !..

ولكن الأدهى من كل ذلك هو سكوت الادعاء العام عن هذه الاعترافات العلنية ــ كأدلة دامغة ــ والذي يُفترض أي الادعاء العام ــ كما هي الحال في بلدان قائمة على مؤسسات القانون الحقة ــ أن يقوم بتحريك قضية جنائية ، انطلاقا من مقولة بليغة والتي تقول :

ــ ” أدينك من فمك ”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here