الطب والشعر/ من الذاكرة، حكاية الدبّـوس

الطب والشعر/ من الذاكرة، حكاية الدبّـوس
د حسن كاظم محمد
قصتنا تعود إلى ستينيّات القرن الماضي خلال خدمتي في إحدى المناطق النائية بحسب الترتيب المعمول به بما يُعرف بالقرى والأرياف. كنت الطبيب الوحيد في مستوصف متواضع وبسيط من حيث البناء والتجهيز بالإضافة إلى كادر طبي مساعد من أهل المنطقة.
جاءتنا أحد الأيام سيدة من إحدى القرى البعيدة حاملةً طفلها البالغ من العمر حوالي الثلاث سنوات على كتفها طلباً للعلاج. وبعد أن استراحت من مشيها الطويل رحبت بها وبالطفل الذي يبدو عليه الهدوء، وطلبت منها أن تشرح مشكلتها. أجابت بكل بساطة وتعجب (دكتور هذا الوكيح بالع زنبور وهو في بطنه حالياً).
أصدقاً ما تقولين أجبتها مندهشاً.
صدّقني شاهدته بعيني عدة مرات، الذنَب أحمر يظهر ويختفي على الجهة اليمنى من الصرّة وخصوصاً عندما يضحك أو يبكي؛ (شوف الدشداشة الجديدة هم انزرفت).
طلبت منها أن تكشف بطنه لكي أفحصه، وبالفعل شاهدت ما قالته بوصفها الدقيق حسب تصورها. وبعد تنظيف المنطقة وتدقيق الملاحظة أحسست بأنه صلب حاد ومدبّب وبلون فضي، فاستنتجت بأنه دبّوس من النوع الذي يستخدم في الخياطة عادةً. عند بروزه على سطح الجلد أمسكت جزءه البارز بملقط طبي لكي تشاهده الأم وهي مندهشة. غطّـيته بقطعة شاش، وأرسلتها إلى مركز المدينة مع ورقة تحويل لكي يقوموا باللازم، لأن إخراجه في عيادتنا البسيطة قد يؤدي إلى تلوث أو مضاعفات.
استنتجت أن ما جرى هو نزول الدبوس عبر جوف الفم واجتياز المرئ والمعدة والأمعاء الدقيقة بإتجاه الجهة غير المدببة (الحادّة) ثم انقلب في الأمعاء الغليظة واخترق جدار الأمعاء وطبقات الجلد ظاهراً على السطح.
عادت المرأة بعد يومين مع الدبوس وكان بطول ثلاثة سنتيمترات (من النوع الذي يُسمّى أبو راس) مع رسالة شكر من الجراح. شكرتني وطلبتْ أن أعطيها الدبوس للذكرى. وافقت وسألتها كيف حصل هذا الحادث للطفل. أجابت (والله تريد الصدگ ما عندي أي علم، مجرد إني خياطة القرية وأستعمل الدبابيس في العمل وأذكر لربما فقدت دبوساً في أحد الأيام). وضعتُ الدبوس في قنينة صغيرة مغلقة بإحكام سلّـمتُها للطفل ليريها لأطفال القرية، وقلت لها أن الطفل لا يُؤتمن فكوني على حذر وأبعدي الأشياء الخطرة عن متناوله وخصوصاً أنك خياطة وقد تنشغلين عنه. ودّعتها وهي تدعو الله لي بطول العمر وأن يبعد عني شر الحاسدين ويبقيني في المستوصف لخدمة الجميع، والطفل فوق كتفها فرحا وبيده قنينة الدبوس.

الشعر/ قصيدة شعبية:
ما مَـرْ عَـليّه وما شِـفِـت، يِـبلع طِفـل فَـد دَنبوس
ابَّـطـنه بُـقه طـول الوكت ما مِش ألَم لا مَحسوس
الأم شافـته يَـم صُرّته، مِـن كَشِّـفت هَـل محروس
زنبـور چَـنّه من الذَنَـب ثـوب انزرف ما ملبـوس
لون الذَنَـب أحمر طوخ بدم الجِـلد چَـنْ مغْـمـوس
يِـختفي مَـرّه من النَـظـر بَـيَّـن وِضَح عَـلْ فانوس
∞ ∞ ∞ ∞
جِـدِّيّـه خَـلْ نِـبـذل صبـر ونـتـمعَّـن بْأخـذ دروس
مِـن نَـظُّـفـيتـه عن كَـثب بَـيَّـن شنـو بـلا قاموس
شلون انبلع ؟ عوف الأمر گالت وكح هلمنحوس
تعجِّـبَـت من شافـته جَـرحه كَـلِـف مِـثـل الـموس
وطّـمِّـنت مِـن لِـمحَته مْـغَـطّـه وعـدل ما مديوس
أرجع أطگ حَـرمَـل إلـك تسـتـاهـله يا مَـنـفـوس
وإلى اللقاء

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here