انتشار وباء كورونا والتحدي المزدوج أمام المهاجرين

انتشار وباء كورونا والتحدي المزدوج أمام المهاجرين

جاكلين سكالسكي فوتس
فرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية

مع اقتراب موجة الركود الاقتصادي، تزداد تحديات المهاجرين الأكثر عرضة للفقر في مواجهتهم المستمرة مع عدم الاستقرار السياسي، والتهجير، واضطراب ظروف العمل والمعيشة، وتزداد معها حاجتهم إلى دعم اقتصادي أكبر يقيهم وطأة ارتفاع البطالة، ويمكنهم من الحصول على معدات الوقاية الشخصية، وعلى الرعاية القانونية.

عاش العمال المهاجرون في جبهة الاقتصاد العالمي خلال جائحة كوفيد 19 في مقدمة العمال الأساسيين، غير أن هذه التضحية لا تخلو من المخاطر.

يعمل عدد من المهاجرين في الولايات المتحدة بحقول سنترال فالي بولاية كاليفورنيا، وهي منطقة معروفة بإنتاج النبيذ. تنتشر عمليات الحرق على طول الساحل الغربي محررة مواد حمراء وخطرة في الهواء.

سُجلت بمزارع الميريا الإسبانية شكايات لمزارعين مغاربة مهاجرون بدعوى النقص “الشديد” في معدات الحماية الشخصية، مثل أقنعة الوجه ومعقمات اليد والتي من شأنها أن تقي من انتشار كوفيد 19.

تجدر الإشارة إلى أن إسبانيا، من بين دول الاتحاد الأوروبي، هي البلد الذي يستقبل أعلى نسب من العمال المهاجرين. يشرف هؤلاء المهاجرون على ما لا يقل عن 25٪ الأنشطة الفلاحية في البلاد. وبنفس الصورة، فإن نسبة العمال المهاجرين غير المسجلين تبلغ 30٪ في الولايات المتحدة وحوالي 3,9-4,1 مليون عامل في الاتحاد الأوروبي. ومع أن هؤلاء العمال يلعبون دورًا مهمًا في الاقتصاد الوطني والعالمي، فإنهم الآن أمام خطر آخر، انتشار الوباء.

يمثل المهاجرون أكثر الفئات عرضة لتبعات الانتكاسة الاقتصادية

بالنظر إلى معاناة العمال المهاجرين، فإن اللاجئين والنازحين يعانون بشكل خاص من آثار القيود المفروضة والمخاطر الصحية المرتبطة بالوباء. فالمهاجرون يواجهون نوعًا من الأزمات التي تصفها لجنة الإنقاذ الدولية بـ “حالة طوارئ مزدوجة غير مسبوقة”. وموازاة مع عدم الاستقرار السياسي والتهجير، فإن على المهاجرين أيضًا مواجهة كل من الوباء العالمي وتبعات الركود الاقتصادي.

فرضت عمليات الإغلاق والقيود الجديدة على عدد ممن يكافحون من أجل إعالة أنفسهم وعائلاتهم واقعا حرجًا وتعرضوا لخطر فقدان وظائفهم، وزاد من معاناتهم كونهم غير مؤهلين للاستفادة من الدعم المالي الذي تمنحه الحكومة.

كثيرة هي الشركات الصغيرة التي حطمتها قيود وعمليات الإغلاق التي فرضتها أزمة كورونا في مختلف أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يتسبب ذلك في تباطؤ “حاد” للاقتصاد العالمي. ونتيجة لذلك، يحتمل أن يتحول 1.06 مليون شخص للعيش تحت عتبة الفقر بحلول نهاية العام. تشمل هذه الفئة مجموعة كبيرة من المهاجرين واللاجئين “المعرضين بشكل خاص” لتأثيرات الأزمة كونهم يشكلون نسبة الغالبية بين العاملين في القطاع غير المنظم.
تقدر الدراسات الحديثة عدد عمال القطاع غير المنظَّم في المغرب بحوالي 2.4 مليون (أكثر من ثلث العمال الرسميين)، ومن المتوقع أن يستمر عدادهم في الارتفاع بسبب فقدان المستهلكين وظائفهم مما يدفعهم للبحث عن سلع وخدمات أرخص. عجز عدد من العمال غير الرسميين، خلال فترة الإغلاق، عن استقبال زبناء أو الوصول إلى مناطق العمل بسبب نقص وسائل النقل.

وبينما تأثر سوق العمل والقطاع الخاص بشدة في المغرب من جراء فرض الحجر الكامل، فإن أكثر الفئات تضررًا كانت عمال القطاع غير المنظم حيث كان 66٪ منهم قد فقدو وظائفهم. وجهت الحكومة المغربية جهودها في محاولة للتخفيف من آثار التوقف المفاجئ للدخل، لا سيما بالنسبة للعمال غير الرسميين، ولكن نسبة الأسر التي استفادت من الدعم الحكومي لم تتجاوز 19٪ اعتبارًا من منتصف يوليو. وتم استثناء معظم المهاجرين من هذا الدعم، وخاصة غير الشرعيين أو غير المسجلين منهم.

يبقى أحد أبرز الحلول في ظل هذه الظروف هو تعزيز سبل الحصول على المساعدة القانونية

من الواضح أن معظم المهاجرين لن يتمكنوا من العودة لديارهم، وهو الأمر الذي كشفت عنه الأزمات المالية السابقة. لذا بدلاً من ذلك، قد يقرر الكثيرون التوجه شمالاً إلى أوروبا خصوصا أن مستقبل الاقتصاد الداخلي لا يبشر بخير. وفي الأشهر الأخيرة مثلا، شهدت تونس ارتفاعا ملحوظًا في عدد المهاجرين المتجهين إلى إيطاليا، بلغت نسبتهم ستة أضعاف مهاجري العام الماضي.

ساهم إغلاق طرق الهجرة البرية التقليدية بشكل كبير في اعتماد المزيد من المهاجرين الطرق البحرية واللجوء إلى المهربين، وأدت هذه العوامل حتى الآن إلى وفاة أكثر من 675 شخصًا هذا العام.

وحذرت المنظمة العالمية لرصد حقوق الإنسان من مضاعفات وباء فيروس كورونا على المجتمع. ويواجه العمال المهاجرون غالبًا ظروف عمل ومعيشة صعبة وغير آمنة مما قد يجعلهم أكثر عرضة لتأثير الفيروس.

تقول خبيرة الجغرافيا الأستاذة كافيتا داتا، والتي أجرت دراسات حول المهاجرين البلغاريين عقب ركود لندن في 2009، أن أمامنا حلين لا ثالث لهما: إما الحد من الهجرة. أو تعزيز سبل الحصول على المساعدة القانونية والتركيز على فهم أعمق لحقوق المهاجرين داخل البلد من أجل تقليل فرص استغلالهم.

وفي ندوة استضافها مركز السياسات المتعلقة بالهجرة عبر الإنترنت، دعا المتحدث أندرو جيديس إلى عقد نقاش جديد حول قضية الهجرة، وأشار إلى أن الحكومات يجب أن تعيد فتح تحقيق جديد يمس سياسات حالية مثل مشاركة المسؤولية والسبل القانونية.

يمكن إلقاء الجزء الكبير من اللوم على دول شمال إفريقيا المصدرة للهجرة، مثل ليبيا والمغرب، وذلك لأن غالبية المهاجرين غير الشرعيين يختارون هذه المناطق للعبور نحو أوروبا. ويشمل برنامج الحد من الهجرة الذي وضعته الحكومة البريطانية حديثًا بناء مراكز احتجاز خارج البلاد في دول مثل المغرب، وهي خطوة مماثلة اعتمدتها الحكومة الأسترالية في بابوا نيو غينيا، ولقي هذا الأمر انتقادًا من قبل الأمم المتحدة وجماعات أخرى لحماية حقوق الإنسان.

إلا أن هناك بديلا عن الاحتجاز كحل للحد من زحف المهاجرين، ويتجلى في تركيز منظمات المساعدة القانونية وبرامج مساعدة المهاجرين على نهج أكثر إنسانية، نهج يمكن من خلاله التقليل من موجات الهجرة غير الشرعية بفاعلية أكثر.

تطبق بعض الجهات هذا النهج تطبقا حرفيا، ونجد منها منظمات مغربية مثل جمعية حقوق وعدالة والعيادة القانونية لكلية الحقوق التي يديرها الطلاب والتابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس. وتستفيد العيادة القانونية لكلية الحقوق من دعم مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط ومن مساندة الوقف الوطني للديمقراطية، كما تربطها شراكة مع مؤسسة الأطلس الكبير. يقدم طلاب هذه الجمعية استشارات ومساعدات قانونية مجانية للمهاجرين في إطار نهج متعدد الأبعاد يهدف للحد من الهجرة نحو الدول الأوروبية في وسط يحفظ حقوق الإنسان والتكامل الاجتماعي وبناء القدرات. بهذه الطريقة، تصبح مراكز الهجرة التقليدية أماكن دعم تشجع القادمين على الاستقرار بشكل دائم.

كرد فعل طبيعي تجاه أزمة كوفيد 19، ازدادت وتيرة العمل التطوعي والتضامن المجتمعي في جميع أنحاء العالم. وهكذا تتشكل القاعدة الأساس لتقديم مزيد من الدعم لحماية المهاجرين عبر برامج الإدماج. ويجب على الدول المصدرة للمهاجرين أن تلتزم بعقد مزيد من الشراكات مع الحكومات والمنظمات الاجتماعية التي يشرف عليها سكان محليون من أجل خفض نسبة المهاجرين الذين يضعون حياتهم على المحك بسبب الطرق الخطرة، أو الاستغلال، أو الفقر.

جاكلين سكالسكي فوتس، طالبة في جامعة فيرجينيا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here