الحكام والمذاهب

الحكام والمذاهب، الدكتور صالح الورداني

———
يعد المأمون العباسي من الحكام الذين مالوا لجانب العقل ورفضوا الغلو وتصدوا للخرافة، وهو ما أدى به للصدام بالحنابلة أو أهل الرواية الذين يرفضون الاجتهاد وينبذون العقل ويرجحون الروايات والآثار من أقوال السلف والحجر عليهم ثم حبس إمامهم احمد بن حنبل..
وسار على هذا النهج المعتصم والواثق من بعده فكان التيار العقلي في حالة انتعاش والتيار الروائي في حالة أفول..
من هنا أصبح المأمون والمعتصم والواثق من الحكام المغضوب عليهم في نظر الحنابلة والسلفيين حنابلة العصر..
ولما جاء المتوكل للحكم ضرب أهل العقل والاجتهاد من الشيعة والمعتزلة والمتكلمين ونصر الحنابلة فدعو له على المنابر، وتغاضوا عن جرائمه ، حتّى قال قائلهم، الخلفاء ثلاثة: أبو بكر يوم الردة، وعمر بن عبد العزيز في ردّ المظالِم، والمتوكّل في إحياء السنة..
وسعى الحنابلة في البطش بالمخالفين محتمين بالسلطة..
وقام العديد من الخلفاء من بعده بنصرة مذهب أهل السنة على حساب المذاهب الأخرى وعلى رأسهم الخليفة القادر الذي وضع رسالة في الاعتقاد وفرضها على المسلمين في عام 460ه..
روى ابن كثير في البداية والنهاية : وفيها – أي عام 460ه- قرئ الاعتقاد القادري الذي جمعه الخليفة القادر، وأخذت خطوط العلماء والزهاد عليه بأنه اعتقاد المسلمين، ومن خالفه فسق وكفر، وفيه جملة جيدة من اعتقاد السلف..
وقال الذهبي في تأريخه عن الخليفة القادر: صنَّف كتابًا في الأُصُول ذكر فيه فضل الصّحابة وإكفار المعتزلة والقائلين. بخلْق القرآن،وكان ذلك الكتاب يُقرأ كلّ جُمُعةٍ في حلْقة أصحاب الحديث بجامع المهديّ، ويحضره النّاسُ مدّة خلافته، وهي إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر..
وعمل حكام المشرق على دعم المذهب الحنفي..
وعمل حكام المغرب على دعم المذهب المالكي..
وعمل صلاح الدين على فرض المذهب الشافعي على مصر والشام..
وقام المماليك من بعد الأيوبيين بدعم التصوف والمتصوفة بالإضافة لدعم المذاهب الأربعة..
روى السيوطي في حسن المحاضرة في حوادث عام 663ه: فيها استجد الظاهر بيبرس بمصر القضاة الثلاثة- مالكي وحنفي وشافعي- ، من كل مذهب قاض..
وعمل العثمانيون من بعد المماليك على فرض المذهب الحنفي على مصر والشام..
وهو ما يكشف لنا سر التركيز على المذاهب الأربعة وشهرتها دون بقية المذاهب الأخرى وعلى رأسها مذهب الأوزاعي بالشام ومذهب الليث بن سعد بمصر ومذهب داود الظاهري ببغداد وهى مذاهب لم تحظ بدعم حكومي..
وفي عصرنا قام آل سعود بدعم مذهب الحنابلة وابن تيمية وتسويقه بين المسلمين على أنه مذهب أهل السنة والسلف وذلك ببركات النفط..
وعندما برز مرسي ووصل الإخوان للحكم في مصر انتعش السلفيون وقاموا بالبطش بمخالفيهم تماماً كما حدث أيام المتوكل..
والحكام عموماً يستثمرون المذاهب لخدمة مصالحهم مثلما يستثمرون الدين..
والمذاهب تنتعش بدعم الحكام لا بدعم المسلمين الذين حرموا منذ أمد بعيد من حرية التلقي وحق الاختيار..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here