الخطاب العابر للأدلجة لرواية السماء المقَسَمة للروائية الالمانية كريستا فولف

ترجمة الدكتور رياض احمد طه

-خليل مزهر الغالبي –

الكاتبة الألمانية ” كريستا فولف (1929-2011)كاتبة حرة من جمهورية “المانيا الديمقراطية” انذاك، حصلت على عدة جوائز وطنية واخرى عالمية مثل جائزة “هنريش مان” وجائزة “بريمر للاداب” وغيرها ” وكذلك كاتبة سيناريوهات لعدد من الافلام ولها مقالات عديدة. وقد مثلت المؤسسة الثقافية والادبية في دولة المانيا الديمقراطية- انذاك وقد توجهت وبجهد كثير في دعم بناء الدولة الاشتراكية مع كل التعثرات والصعوبات المتعددة التي رافقت العملية هذهِ، وقد حرصت ان تلم بمنهجها النقدي في كتاباتها كما في هذه الرواية، واتسم السرد للكاتبة في روايتها هذهِ في التداخل والتعالق والعبور والتوقف والرجوع بمثل مفهوم “الفلاش باك” لما للاحداث من اختلاف ومن تعدد زمكاني محكي الرواية على امتداد السرد والمتنوع بماهية الاشخاص وطبيعة الاحداث وبما يمكنها من تغطية الافق الروائي للوقائع والاحداث التي حملتها الرواية لقبول ايصال خطابها الادبي لابعد وعي مختلف ولابعد نقطة ممكنه وفق مفهوم الجغرافية الثقافية المختلفة الرؤى والمرجعيات ،وهذا لايمكن للكاتبة “كريستا فولف” خلقه بدون حوار وجدل عابر للعقل الروائي المؤدلج والمحصور في واحدية المتكلم والمتلقي.

ولقد استطاع المترجم الدكتور – رياض احمد طه – بعد جهده القرائي للرواية في مسك دقة الانساق المتعاقبة المتناقله المتقلبة والقافزة خارج التتابع من هنا وهناك والذاهبة في محكيها لترابط اخر وفق رؤى الكاتبة “كريستا فولف” وبما تراه منضج لخطاب السرد ومرويه، وهذا ما يضفي لطبيعة الترجمة البعيدة عن النقل الحرفي بل الترجمة التي يبصم فيها المترجم روح قرائته للنص وأمانته فيها، خاصة وهناك اختلاف بطبيعة دلالات وايحائات اللفظ بين اللغة الالمانية وهي لغة الرواية ولغة المترجم دكتور “رياض احمد طه” للغة العربية و بما يبعد المترجم عن السقوط في جمود النص المترجم ومن الالتزام اللغوي المميت لروح السرد وبمعناه قتل السطوع فيه.ومنه يقوم المترجم للنص الادبي بمثل كتابة نص اخر موازي للنص الاصلي يوصل فيه قرائته ورؤاه بأكثر امانة للنص لا للمؤلف كقراءات اخرى خارجه عن ترجمته.

وتخضع أمانة الترجمة بقناعة المترجم بأنه يقوم بمحاولة التفسير،والتفسير هنا محاولة مفتوحه بحساسيتها على قصدية النص والقريبة من روح النص و هو مكتوب بلغة اخرى عبر عن نفسه فيها،والمتطلبة لمعايشة المترجم لدلالة ملفوظ اللغة وتداولها كما لدى الدكتور المترجم “رياض احمد طه” الذي عاش لفترة دراسية امتدت لأثنى عشر سنة في مجتمع ناطق باللغة الالمانية.

فمن صعوبة التلقي الذي يدعونا لدقة القراءة والمتابعة لمحكي هذه الرواية ومسك الذاكرة للمقروءة لما سبق وانقطع،وهذا لطبيعة سردية الكاتبة الروائية – كريستينا فولف – في سرد مروياتها للاحداث.

وفحوى الرواية تتضمن لمشاهد تحكي الوضع الحاصل لجمهورية المانيا الشرقية،وما حدث لها من تعثرات في بناء الدولة الاشتراكية كتجربة جديدة ، وهي اسباب متعددة منها الخاص والاخر الخارجي ، بما فيه التامر الغربي الرأسمالي ذو القدرة المالية والصناعية والتقنية وتاريخها السياسي المبني على كسب المال اولاً واخيراً،وهو نظام قادر على

زعزعت وتعثر اي برنامج لدول اوربا الشرقية المخالف والمضاد لنظامهم الراسمالي وكما ذكر في رواية “السماء المُقَسَمة”.كما في التضمين ص73 (ذكرى تلك الاسابيع تربط “ريتا” مع بزوغ الشمس الحمراء.ارتفعت امامها دخان معتم مع ايام غير طبيعية وغير مسرة بافكار تحوم متحيرة حتى الى داخل الاحلام. ليس هي وحدها وانما الجميع شعروا ان معملهم الذي لم يكن كبيرا جدا وليس بالمعمل الحديث،لم يراعى إلا قليلاً من قبل الجهات المركزية وقد اصبح كل شيء معلقاً به حالياً.التوترات التي تتعرض لها البلاد منذ ايام وسنين ظهرت انها تتمحور في هذه النقطة…).

ويتضح هنا ومن طبيعة سردية الرواية الجهد الكبير ودقة الترجمة للدكتور المترجم – رياض احمد طه – وهو يتنقل من حوار هنا وهنا لشخوص الرواية من بطلة الرواية – ريتا – الفتاة الحالمة وعشقها للدكتور الكيمائي- منفريد – وبقية الشخوص المعنين بادارة واعمال الشركة التي تعمل بها الفتاة – ريتا- وهي شركة لصناعة عربات النقل الخاصة .

والمتلقي القاريء هنا لترجمان الرواية يراد له جهد ذهني نابه في مروره كثرة المنعطفات وتصادم الحوارات والرؤى التي تشابكت لتنضيج الخطاب الادبي للرواية.

ويمكن ملاحظة السطوع الخطابي للرواية في ختام الرواية (اليوم هو اول يوم للحرية الجديدة والذي قارب على الانتهاء. الشفق يطفوا في الشوارع والناس يرجعون من اعمالهم الى البيت،وعلى الجدران المعتمة تتراقص مربعات ضوئية وتبدء المراسيم الخاصة والعامة للمساء.الاف الايادي تعمل حتى وان لم تحصل على الاجر في الاخير غير على طبق من الشوربة وموقد دافيء و اغنية صغيرة للاطفال….سارت “ريتا” بطريق منعرج وهي تنظر الى الشبابيك وترى مثل اي مساء بشعور لا نهائي من المحبة استهلك خلال النهار وهو يتجدد دائماً..)ص233 ومن قراءة المشهد الذي يعكس حركة العاملين المختلط بنشوة الحياة مع مجانبة التوسف لحالة معملهم وهذا ما تريد به الكاتبة “كريستا فولف” قوله للاخرين ،وباضافة الحس الروحي لبطلة الرواية الفتاة النشطة والمحبة للاشراق “ريتا” كما في التضمين(…انها لاتخشى ان تخرج فارغة الوفاض عند توزيع هذه المحبة.انها تعرف انها متعبة حياناً ومتوترة غاضبة.لكنها ليست لديها خشية من ذلك.يجب ان نزن كل شيء…)ص233، وبما يعكس توجه الرواية في خطابها بالمسك بالارض وبالتغير وعدم الانقلاب السريع كما في حالة الدكتور الكيميائي “منفريد” الذي رمى كلام الحب لفتاته “ريتا” بعيدا جريا خلف الغنى في بلاد غرب المانيا وهذا ما يحدد النهج النقدي في كتابة الرواية الداعي لعدم التخلي عن المباديء بحوار و دعوة غير مؤدلجة بل بنقد لوكاتشي يراد منه البناء والترميم.

الخارجي صورتها العيانية، ومن العالم الداخلي بعدها الإنفعالي المختلط، حيث تختلط فيه عوالم الأحلام والواقع واللاواقع وتسعی إلى تشكيل خلق جديد من علاقات جديدة في طريقة جديدة من التعبير

ومن هنا مثلت ترجمة هذه الرواية مسؤولية المترجم الدكتور ” رياض احمد طه” وهي اكثر مسؤولية من الروائية المؤلفه لها “كريستا فولف “، لأن المترجم كتب النص الروائي، مع الالتزام المحاسب في نقل المضمون الروائي المكتوب والمنقول ثانية للمتلقي، وتذكرنا بقولة الشاعر التركي الكبير “ناظم حكمت” عندما ترجمت قصائده إلى لغة أخرى بأنها (أصبحت قصائد المترجم).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here