حق التظاهر في حماية الحق العام

التظاهرات حق مكفول اقره الدستور العراقي مادام لا يتعارض مع حق الآخر، سواء كان الدولة أم الأشخاص. حق التظاهر والتعبير عن الرأي، مكفول ايضاً قانونيا و لا يجوز تقييده أو التصدي له، شريطة الحفاظ على السلم العام ، وفقا للدستور نفسه.

عندما نحلل تاريخ التجارب الديمقراطية بالعالم نجد الديمقراطية في كل تجاربها كانت تولد بشكل صعب وليست بسهولة والأمر هنا بطبيعة الحال ينسحب حتى على الثورة الفرنسية وبمبادئها الأساسية ،الحرية ، الإخاء ، المساواة، من ثمة تطورت إلى حكم الجمعية الوطنية واصبح حكم ديكتاتوري، ناهيك عن التجارب الأخرى ، هناك بلداناً يعتبرها العالم أماً للديمقراطيات، لإتاحتها مساحات واسعة لحرية الرأى والتعبير، لكن عندما يتعلق الأمر بالخروج على القانون نجدها تتعامل بقوة وحزم، حفاظاً على حياة مواطنيها، و هناك بلداناً أخرى تتشدّق بالديمقراطية والحريات وتتدخّل فى شؤون دول كبرى، بحجة مساندة المعارضة أو غيرها، لكنها تضيق ذرعاً بالمعارضين من أبنائها. و مازال لدينا فئة كبيرة من الناس لديها فهم خاطئ ومغلوط عن حق التظاهر السلمي الذي كفله القانون ، و ما تزال تعتقد أن من يتظاهر هو ضد الوطن والنظام وهذا قطعاً غير صحيح ، لأن التظاهر السلمي في إطار القانون يعد وسيلة حضارية للتعبير عن الرأي حول موضوع ما أو مشكلة من المشاكل التي تواجه الناس وان الأمن والمحافظة عليه من أهم الواجبات، وأعظم المكتسبات، وإذا زال الأمن يولد الخوف عند الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم ، وبالتالي لا بد من نشر الوعي والفهم الصحيح لكيفية ممارسة حق التظاهر السلمي بحيث يصبح كل متظاهر حريص على الأموال العامة والخاصة كحرصه على ماله الخاص ويقع على عاتق الدولة من خلال أجهزتها المختلفة منع كل من يندس بين المتظاهرين للتخريب والاعتداء على المنشآت العامة والخاصة بهدف تشويه صورة المظاهرة السلمية والعبث فيها . وأساس حق التظاهر يكمن أيضا فى المواثيق الدولية التي صدقت عليها والتزمت بها جمهورية العراق أمام المجتمع الدولي . فالإعلان العالمي لحقوق الانسان يقرر حق كل شخص فى التمتع بحرية الرأى والتعبير ، وحقه فى حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية (م20). والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية كان أكثر تفصيلا فى هذا الشأن، حيث نصت (م21) منه على أن يكون الحق فى التجمع السلمي معترفا به، ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التى تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطى، لصيانة الأمن القومى أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.

ان التظاهر السلمي مشروع حيوي متطور اذا ما كان يهدف ضمان الحق فى تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب و التظاهر السلمى، بحسبانه من صور التعبير الجماعي عن الرأي، و هو الوسيلة الوحيدة فى يد الشعب لوقف أى قيود على إرادته ولتحقيق مطالبه و يجب ان يحترم فيه المصالح العامة والمال العام في نفس الوقت دون المساس بمصالح الناس وارزاقهم والتظاهر له تعريف قانوني وهو شكل من أشكال التعبير الجماعي عن الرأي، وهو بطبيعته سلمى الطابع، ويلتزم بالقانون فى التعبير واحترام حقوق الآخرين.

أن وجود نصوص قانونية قد تقيد حق التظاهر والتعبير عن الرأي و قد تؤدي بالضرورة إلى تقييد ذلك الحق، ما يؤدي الى التضييق على المتظاهرين، وسلبهم هذا الحق الجوهري بشكل أو بآخر كما في النظم الدكتاتورية ، ذلك لان وضع القانون يتم من قبل السلطات التي تكون هدفا للتظاهر . وهناك قيد واحد هو عدم الإخلال بالنظام والآداب العامة فقط ويجب صيانته .

وإذا ما أردنا أن نناقش مشروعية التظاهر هل هو شرعي أم غير شرعي، فانه ومن خلال القرائن والأدلة القانونية القاطعة نجزم إن التظاهرات شرعية، وإنها إحدى وسائل الحريات الممنوحة للشعب العراقي بموجب الدستور ولا جدال في ذلك، لان التظاهر صحيح لا محال ويختلف عن الاعتصام من حيث مكوث الأفراد في الشوارع وفي الساحات وفي الدوائر العامة ومبيتهم فيها مما يسبب تعطيل أو إغلاق منافذ الدخول والخروج فيها .

الدستور العراقي الصادر في 2005 في بالمادة (38)، أشار إلى إن حرية التعبير عن الرأي بكافة الوسائل وهي مكفولة من الدولة، وأورد بعض الأمثلة منها، حق التظاهرمشروع دستوري ولم يأتي على ذكر كلمة الاعتصام.،والتظاهر هوحق من حقوق الانسان الطبيعية، وهو الاصل الذي تنبثق منه كل الحقوق والحريات، وهو الركن الأساسي في الحقوق الممنوحة للإنسان في المواثيق والعهود الدولية والإقليمية والوطنية. فقد جاء في المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ما يلي: (1- لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. 2- لكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.

ومن هنا نود ان تذكر القراء الكرام ايضاً لما تقدم من أننا لانعارض تنظم الاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات السلمية من حيث المبدأ، لكن التحفظ على توقيتها وغيبة البرلمان المنتخب الذي يمثل الشعب العراقي من تمثيله الحقيقي على ان يقف الى جانب الجماهير بأجراء اصلاحات سياسية ومحاربة الفساد وتنظيم هذا الحق تنظيما عادلا و هو الذى يستطيع دون غيره أن يكون مع المتظاهرين في تحقيق مطالبهم ويقيدهم بالتدابير الضرورية لحمايتهم وحفظ الأمن القومي والنظام العام وحقوقهم وحرياتهم .

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here