صفقة لإسقاط التهم عن 100 سياسي فاسد مقابل التكفل بالرواتب لـ5 أشهر

بغداد/ تميم الحسن

يأمل العراق بتسديد رواتب 5 أشهر على الاقل في حال نجح في “عقد صفقة” مع شخصيات سياسية ومسؤولين متهمين بسرقة اموال تقدر بـ 250 مليار دولار.

واعتقلت الحكومة حتى الآن أكثر من 10 مسؤولين على خلفية قضايا الفساد، فيما يوجد نحو 90 آخرين حولهم شبهات “تضخم أموال”.

ويمر العراق في واحدة من أسوأ الازمات المالية في تاريخه، حيث عجز منذ النصف الثاني لعام 2020 عن تسديد نحو 36 مليار دولار كرواتب موظفين لـ 6 أشهر، من دون الاعتماد على الاقتراض.

وتأتي تلك الازمة بفعل هبوط أسعار النفط وتفشي فايروس “كورونا”، فضلًا عن نسب الفساد العالية التي تسببت في إهدار مليارات الدولارات من قبل مسؤولين وجهات سياسية.

ويقول مصدر سياسي مطلع لـ(المدى) ان “هناك اقتراحات بالحصول على أموال من شخصيات سياسية وأحزاب سرقت أموال طائلة” على طريقة فندق “ريتز كارلتون” السعودية.

وبحسب وزير المالية علي علاوي فأن “250 مليار دولار سرقت من العراق منذ عام 2003″، بحسب تصريحات سابقة.

وأضاف المصدر ان “هذا المبلغ يبني العديد من الدول”. وتابع “هذه الأموال المنهوبة أدت الى تراجع قدرات العراق الاقتصادية”.

ويكشف المصدر انه “يمكن عقد صفقة مع الفاسدين بالحصول على نصف الاموال المنهوبة مقابل إسقاط التهم عنهم”. وفي العادة لا يعرف الشخص المتهم بالفساد “المعتقل”، حجم الادلة والاثباتات المتوفرة لدى الحكومة ضده والتي قد تضعه لوقت طويل في السجن. وتابع المصدر: “لن نحصل على فلس واحد اذا وضعنا الفاسد في السجن، وهم بالعادة (الفاسدون) محترفون في عملية اخفاء الاموال المنهوبة”.

داخل مبنى المخابرات

واعتقلت الحكومة حتى الآن 11 مسؤولا، ضمن أعمال لجنة مكافحة الفساد التي شكلها رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، نهاية آب الماضي.

وبحسب تسريبات، فان المعتقلين، وبينهم مسؤولون في هيئات اقتصادية ومطارات، يُحتجزون في مبنى المخابرات وسط بغداد، وتُمنع عنهم الزيارة حتى وقت قريب.

وفي الاسبوع الماضي فقط، أعلن مجلس القضاء الاعلى السماح بلقاء الموقوفين على ذمة تحقيقات لجنة مكافحة الفساد.

ويرأس اللجنة الفريق احمد ابو رغيف، الذي تتهمه جهات معارضة للحكومة بانه متورط في قضايا فساد منذ عهد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي.

وأوضح القضاء الأعلى في بيان حول معتقلي لجنة مكافحة الفساد، أن كافة المتهمين “تم اللقاء بهم أما من قبل ذويهم أو محاميهم بإشراف الهيئة القضائية المختصة بالنظر في قضاياهم، ويعد ذلك سياق عمل ثابت يشمل جميع الموقوفين”.

وابرز الذين تم اعتقالهم مؤخرا بحسب بعض التسريبات، هم:

1 – سالار محمد امين النائب السابق لرئيس هيئة الاستثمار، اثناء محاولة هروبه من مطار بغداد.

2 – احمد الساعدي، رئيس صندوق التقاعد، بعد ساعات فقط من قرار الحكومة اقالته من منصبه.

3 – بهاء عبد الحسين، رئيس شركة الدفع الالكتروني (كي كارد)، فيما تسربت معلومات ان الاخير اعترف بوجود” 200 بطاقة” بأسماء وهمية، يتم فيها دفع رواتب.

4 – رئيس المصرف الزراعي المقال عادل خضير مع نجله.

5 ــ مدير عام دائرة الماء في امانة بغداد، عمار موسى.

6 ـ فايد الشمري، وجواد الكرعاوي (ابو اكثم)، وهما مسؤولان سابقان في إدارة مطار النجف، الذي تحوم حوله شبهات فساد كبيرة.

7 – رئيس هيئة استثمار بغداد شاكر الزاملي.

8 ــ بالإضافة الى موظفين اثنين في وزارة المالية، وقرارات منع سفر امينة بغداد السابقة ذكرى علوش، ومديرة العقود في وزارة التخطيط ازهار الربيعي.

صفقة الوزير السابق !

ويرجح المصدر السياسي المطلع، ان “هناك أسماء أخرى قد لا يتم الكشف عنها من ضمن المعتقلين”، فيما اكد ان “مقترح إبرام صفقة مع المسؤول الفاسد لأخذ جزء من الأموال تم العمل به في الحكومات السابقة”.

وبين المصدر ان اغلب الصفقات “لم تنجح باستثناء صفقة واحدة عقدت مع وزير سابق تابع لاحد الاحزاب الشيعية” تحفظ على ذكر اسمه.

وأعلنت هيئة النزاهة في وقت سابق من العام الحالي، عن صدور أوامر قبض بحق 86 مسؤولًا رفيعًا بينهم وزراء ونواب بتهم تتعلق بالفساد من بينها (9) أوامر قبض و(81) أمر استقدام”.

وأضافت في بيانات أن “من بين المشمولين بأوامر الاستقدام (3) وزراء سابقين ومن هم بدرجتهم و(3) من أعضاء مجلس النواب السابقين، و(6) وكلاء وزارة حاليِّين وسابقين، إضافة إلى (5) محافظين سابقين و(20) مديرًا عامًا حاليًا وسابقًا، و(40) من أعضاء مجالس المحافظات المنحلة”.

ويقول المصدر السياسي، ان “هناك 100 مسؤول تضخمت اموالهم منذ عام 2019، ولم يتخذ ضد أكثرهم حتى الآن أي اجراء”. ويتوقع المصدر، أن تكون بعض الاعتقالات الاخيرة “قد شملت جزءا من المتضخم اموالهم”، الذين قال ان “مسؤولين رفيعين ووزراء من بين المعتقلين”. واعلنت هيئة الــنــزاهــة ايــقــاف صـــرف رواتـــــب الــنــواب والمسؤولين الحكوميين الممتنعين عن كشف ذممهم المالية. والزم قانون النزاهة بتقديم إقرار الذمم المالية لرؤساء الجمهورية والبرلمان والوزراء ونوابهم، وشمل اعضاء مجلس النواب والوزراء ومن بدرجتهم، كما شمل الإلزام رئيس مجلس القضاء الأعلى والقضاة وأعضاء الادعاء العام ورئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا.

وقال مدير دائرة الوقاية في الهيئة معتز العباسي، في تصريح صحفي يوم السبت الماضي، ان “الرئاسات الثلاث وجميع الوزراء قدموا ذممهم المالية، باستثناء وزيري المالية والاتصالات”.

وأضاف العباسي أرسلنا قوائم الممتنعين من أعضاء مجلس النواب والمسؤولين الآخرين بما في ذلك الوزراء وطلبنا من الجهات المعنية بـ”إيقاف صرف راتبهم لحين تزويد الهيئة بالكشف”، مشيرا إلى انه حال استمرار الامتناع، ستتخذ هيئة النزاهة “اجراءات اشد، في مقدمتها فتح دعوى جنائية ضدهم”.

تفويض النجف

وبدأ الكاظمي بعد اشارات من مرجعية النجف، حملة اعتقالات لمسؤولين تدور حولهم اتهامات بقضايا فساد، فيما يجهل مجلس النواب اغلب تفاصيل عمل لجنة مكافحة الفساد.

وطالب المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، الحكومة العراقية، عقب لقاء مع ممثلة “يونامي” جنين بلاسخارت، في ايلول الماضي، باتخاذ إجراءات لـ”مكافحة الفساد”.

وقال صباح طلوبي، عضو لجنة النزاهة في البرلمان لـ(المدى) ان “تشكيل لجان لمكافحة الفساد، هي لإسكات الشارع”، مشيرا إلى أنه “كان من الأجدر اكمال التحقيقات الموجودة في هيئة النزاهة”.

ويقدر عدد الملفات في تلك الهيئة، بحسب لجنة النزاهة، بنحو “15 الف قضية”. ويضيف طلوبي: “في كل دورة برلمانية ترفع كل لجنة نحو 1000 ملف فساد الى الهيئة على الاقل”.

وحتى الان هناك 5 دورات برلمانية في العراق، ويبلغ عدد اللجان في داخل مجلس النواب اكثر من 20 لجنة.

ويقول عضو لجنة النزاهة :”هناك عدد قليل من المحققين في هيئة النزاهة، ويحتاج العمل على قضايا الفساد وقتا طويلا”. واكد المتحدث باسم رئيس الوزراء، احمد ملا طلال، في ايلول الماضي، ان عمل لجنة مكافحة الفساد “لن يلغي دور بقية المؤسسات المسؤولة عن مكافحة البيروقراطية في المؤسسات الحكومية”. واوضح ملا طلال في مؤتمره الصحفي الاسبوعي، ان ما ينشر من اسماء على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنها مطلوبة للقضاء بقضايا فساد، “غير دقيق”.

حراس الفساد!

ومنذ ايام لم يتم تسريب أسماء معتقلين جدد ضمن اعمال لجنة مكافحة الفساد، فيما تسربت معلومات عن “توقف أعمال اللجنة بسبب ضغوطات سياسية”، ولم يتسن لـ(المدى) التأكد من صحة هذه المعلومات. ويقول جمال كوجر، عضو اللجنة المالية في البرلمان لـ(المدى)، ان لجنته “ليس لديها معلومات عن لجنة مكافحة الفساد”. ورجح النائب، ان “اللجنة قد تعمل الآن بشكل سري، ولذلك لم نعد نسمع عن نشاطات جديدة”. وعشية انطلاق النسخة الجديدة من تظاهرات 25 تشرين، قال الكاظمي بان حكومته فتحت “أكثر من 30 ملف فساد كبير وجلبنا المتورطين بتلك الملفات بالقانون”. الى ذلك قال محمد شياع السوداني، عضو لجنة مراقبة الحكومة في البرلمان في تصريح لـ(المدى) ان “الفساد في العراق محمي من متنفذين وجهات سياسية”.

وشغل السوداني عددا من المناصب الوزارية في الحكومات السابقة منها وزارة الصناعة، ويقول إن “اي حكومة تريد مواجهة الفساد تواجه عقبة اعتراض من قوى سياسية تعتبر ان أي إجراء حول الفساد هو استهداف سياسي لها ويخالف مبادئ الشراكة”.

وكانت حكومة عادل عبد المهدي السابقة، قد حددت العام الماضي، 40 محورا لمكافحة الفساد ضمن لجنة مشابهة للجنة الكاظمي، ابرزها: الأموال المهربة، عقود التسليح، مزاد العملة، والمنافذ الحدودية.

ويقول النائب السوداني :”كنا نتوقع ان لجنة الكاظمي ستكمل عمل اللجنة السابقة، لكننا لا نعرف حتى الآن ما تم انجازه من اللجنتين السابقة والحالية”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here