حوارات في الترجمة: حوار مع أنتوني پم

حوارات في الترجمة: حوار مع أنتوني پم
ترجمة ا.د. كاظم خلف العلي
استاذ اللسانيات و الترجمة
كلية الآداب – جامعة البصرة
[email protected]
حاوره أدتيا كومار باندا
مجلة الترجمة اليوم ، الهند
الأستاذ أنتوني پم باحث في ميدان دراسات الترجمة . و هو حاليا أستاذ متميز في الترجمة و الدراسات الثقافية البينية في جامعة روفيرا فرغيلي في تاراغونا بإسبانيا و أستاذ لدراسات الترجمة في جامعة ملبورن بأستراليا. و من كتبه و ابحاثه “الترجمة و نقل النص: مقالة في مبادئ التواصل الثقافي البيني Translation and Text Transfer. An Essay on the Principles of Intercultural Communication ” و “المشاكل المعرفية في الترجمة و تدريسها Epistemological Problems in Translation and its Teaching” و “الطريقة في تاريخ الترجمة “Method in Translation History و “مفاوضة الحدود: المترجمون و الثقافات البينية في التاريخ الاسباني Negotiating the Frontier: Translators and Intercultures in Hispanic History ” و “النص المتنقل: التوطين و الترجمة و التوزيع The Moving Text: Localization, Translation and Distribution ” و “استكشاف نظريات الترجمة Exploring Translation Theories ” و “مكانة مهنة الترجمة في الاتحاد الاوربي The status of the translation profession in the European Union” مع آخرين و “عن أخلاقيات الترجمة: مبادئ للتواصل الثقافي البيني On Translator Ethics. Principles for Cross-cultural communication” و “الترجمة و تعلم اللغة Translation and Language Learning ” بالمشاركة مع كرستن مالماكار و “حلول الترجمة للغات عديدة: تواريخ حلم معطوب Translation Solutions for Many Languages. Histories of a Flawed Dream ”
باندا: لقد ذكرت الكلمة anuvaad على أنها كلمة يستعملها الهنود للترجمة لها معنى الإعادة أو القول فيما بعد . إن المفهوم الغربي عن الترجمة لم يتم احتواؤه في هذه الكلمة. و يوعز الهنود الخلق الترجمي transcreation و التكييف adaptation إلى الترجمة. هل تعتبر الخلق الترجمي و التكييف على أنهما ترجمة؟ و إن كانا كذلك، كيف تعرف الترجمة؟
پم :هناك الكثير من مفاهيم الترجمة المختلفة عبر التاريخ و الثقافات و معظمها لا يبدو أنه يقوم بتمييز نظامي بين الترجمة و إعادة القص أو التكييف. و يخبرني هاريش ترايفيدي Harish Trivedi أنه سابق للتأثير البريطاني لم تكن هناك ،فعليا، مفاهيم الترجمة الغربية في ثقافات شبه القارة و الذي يوحي لي بأنه كانت هناك صيغة ترجمة غربية تنشر مع الحداثة. و كشيء متعارف عليه فإنه عندما اشتغلت خطوط السكك الحديدية تشكلت آثار هذه الصيغة الغربية للترجمة.
و بالنسبة لي، ليس من الصعب أن أعرف الصيغة الغربية للترجمة. أولا، أنها تستعمل ضمير الفاعل الغريب أنا: و عندما يقول المترجم الذي يقوم بالترجمة “أنا متعب”، فليس المترجم هو المتعب. و هذا شيق لأنه يعني أن المترجمين الذين يترجمون مثل الممثلين الذين يمثلون ليس لهم صوت الشخص الأول، إنهم يعملون ببنية خطابية مكبوتة يمكن الصراع معها. و ثانيا، تدمج الصيغة الغربية مبدأ الاعتماد الكمي: لكل زيادة في طول النص يفترض أن يكون هناك طول متزايد في النص الداخلي. و هذا لا يعني أن للنصوص الطول ذاته، بالطبع، بل أن هناك علاقة من الاعتماد. و ثالثا، يفترض أن كان هناك نقلة للغات. هذه المزايا الثلاث يمكن أن تعرف الصيغة الغربية للترجمة (يصيغ جدعون توري Gideon Toury المزايا بطريقة مختلفة ، لكنها تؤدي العمل ذاته). إن ضمير الفاعل الغريب أنا هو متغير غير ثابت بينما الآخران ثابتان و يسمحان لمقترب الأنموذج الأولي prototype approach. و الثلاثة جميعا تقوم بوظيفة المبادئ بمعنى غرايس Grice: حيث أن تجاوزاتها يمكن أن تنتج تأثيرات معنوية.
هل تلك هي الكيفية التي أعرف بها الترجمة شخصيا؟ عندما أترجم تحريريا أو شفاها لزبائني، نعم بالتأكيد في معظم الأحوال، طالما أنني أريد أن يدفع لي و تلك هي المبادئ غير المحكية التي تنظم صفقاتنا. أما بالنسبة للبحث، حسنا، فإني أخبر طلابي في الدكتوراه أنهم يستطيعون استعمال أي مصطلحات يحبونها طالما أنهم يجعلون المعنى واضحا. و لذلك فإن تحدثت عن النوع الغربي من الترجمة فإن الوصف أعلاه يتناسب مع الطريقة التي استعمل بها المصطلح. لكني سعيد بالحديث عن أي صيغة أخرى أيضا.
و بقول ذلك ، فإني لا أؤمن أن الصيغة الغربية هي على وجه الخصوص حل تواصلي جيد هذه الأيام. و الشكر يعود إلى التقانات و التعقيد الاجتماعي و التنقل في كل مكان حيث أن مشاكل التواصل تحل بصورة متزايدة باستعمال اللغات المشتركة lingua francas و تغيير الشفرة code-switiching و الاستيعاب البيني intercomprehension (المحادثات اللغوية الثنائية) و تقانات الترجمة على الشبكة العنكبوتية المفهومة بصورة سيئة و التي توجب علينا أن ندرس التنقيح اللاحق postediting بدلا من الترجمة. لقد أصبح الوسطاء المحترفون شيئا من الترف الذي عفا عليه الزمن، والذي لابد من الإبقاء عليه للتواصل العالي الخطورة فقط. لم تعد دراسة الترجمة لذاتها كافية.
و أعتقد أن هذا يصح عندما نعود إلى فترات سابقة للصيغة الغربية للترجمة. فإن نظرنا فقط إلى نصوص تلاقي معنانا الحالي للترجمة فإننا نضيع معظم فعاليات النقل و إعادة الكتابة الفعلية، و خصوصا الفعاليات المنطوقة التي لا يوجد منها سوى الآثار في النصوص المكتوبة. و في ذلك الإطار التاريخي، أعتقد أن العمل في التواصل الثقافي البيني عموما، و تبنى أسما منهجيا مثل “الدراسات الثقافية البينية” يصبحان ذا معنى. و أشك أن مثل هذا التغير المصطلحي صادق معرفيا أكثر من الادعاء بأن الترجمة كانت و لا تزال موجودة في كل مكان.
و هنالك متسابق أضافي فيها. فالناس الذين يستعملون حاليا مصطلح “الترجمة” بمعاني أوسع و أقل دقة بصورة متزايدة يخاطرون بالتنظير لأنفسهم من دون صلة. و عندما يعلن أدون غنتزلرEdwin Gentzler ، على سبيل المثال، عن قدوم “الدراسات ما بعد ترجمية post- translation studies” فإن ما تجده تقريبا هو أدب مقارن جيد مع أسم جديد. و بطريقة مشابهة فإن “الترجمة الثقافية cultural translation” غالبا ما تكون مجرد أسم لدراسات ثقافية أصبحت واعية بأن هناك أكثر من ثقافة واحدة و أن الأشياء تنتقل. هناك خاتمة طويلة من الفجوة الفكرية الزائفة التي تصر على إيجاد الترجمة في كل مكان و في كل النصوص و في جميع العمليات الفكرية و في جميع الانماط المحتملة من التحرير. و أشك بأن دراسات الترجمة ، كمنهج أكاديمي، يدين بالكثير في نجاحه إلى تسجيل الطلبة الذين يريدون أن يتعلموا كيفية الترجمة التحريرية و الشفاهية و أن يدفع لهم مقابلها. و الجزء المحزن للاستعمالات الأوسع للترجمة في سياقات تعليمية هو اننا الآن نسيئ استعمال تطلعات الطلبة كدعم مؤسساتي لذرائعنا المعرفية الخاصة.
باندا: يناقش الباحثون دوما نظريات متعددة من الترجمة في تطبيق الترجمة. في الترجمة تمضي النظرية يدا بيد مع التطبيق . و هما شاملان بصورة متبادلة و يتممان بعضهما الآخر . كيف تستجيب إلى التبادلية بين تطبيق الترجمة و نظريتها؟
پم: لا ارغب بتدريس نظرية الترجمة بهذا الشكل في مستوى البكلوريوس أو الماجستير. و بالنسبة لطلبة البكلوريوس ، فإن الصف المثالي هو عندما يأتي الطلبة بترجمات مختلفة ، و عليك أن تجعلهم يتناقشون مع بعضهم الآخر فتجد من بعد أنهم يحتاجون إلى كلمات لوصف الأشياء التي يتناقشون فيها. و ذلك هو عندما تستطيع أن تقدم مصطلحات و مفاهيم قليلة ، أو بعض المناقشات الراسخة ، لكي تطور نوع التنظير الناشئ عن الممارسة.
و أصر في مرحلة الماجستير على وجود مصطلح ثالث يتقاطع مع هذا التقسيم الزائف للنظرية و التطبيق. و أنا أشير للبحث. أحاول أن أجعل الطلبة يقومون ببعض البحث التجريبي على عملياتهم الترجمية الخاصة ، أو أن يجربوا طرقا مختلفة من الترجمة و يقارنوا النتائج ، أو أن ينظروا فيما حولهم و يروا كيف تستخدم الترجمة فعليا في الأعمال التجارية أو في مواقع الأنترنت، على سبيل المثال. و بعدها أريهم ما وجده باحثو الترجمة و هم يقومون بالبحث على المتغيرات ذاتها، و في معظم الأحوال بدمج القليل من النماذج و المفاهيم. تلك طريقة للقيام بصف التدريب الترجمي بطريقة ليست سلطوية: لا أعرف ما هي أفضل ترجمة، أو الطريق ألأفضل للترجمة، أو الدور الاجتماعي المحدد للترجمة، إذن دعونا نكتشف سوية و أن ننظر ما وجده البحث التجريبي. أنا أدرس النظرية هكذا عند مستوى الدكتوراه عندما يتوجب فعليا على المرشحين أن يتعلموا كيف يفكرون بوضوح و كيف يبحرون خلال المناقشات القياسية.
باندا: هل توجد نظريات ترجمة شمولية؟ و هل يمكن تطبيق التكافؤ الداينمي و الشكلي عبر الثقافات؟ يحاول المترجمون هذه الأيام أن يطبقوا نظريات الترجمة الأدبية على الترجمة غير الأدبية. هل يمكن أن توجد نظرية ترجمة عبر أنواع الترجمة؟
پم: لست مهتما فعليا بتطلعات نحو العالمية. أعتقد أن من الأهم كثيرا أن نحدد المشاكل و أن نعمل على حلول لتلك المشاكل. إن امتدت المشاكل عبر الزمن و عبر الثقافات ، فإن بعض الحلول قد تسافر من ثم عبر المسارات ذاتها، و ذلك كله حسن و جيد. لكن من النبل أيضا أن نسعى لحلول محلية للمشاكل المحلية.
لا أعتقد أن أيا من المفاهيم الثنائية ، مثل التكافؤ الشكلي بالضد من التكافؤ الداينمي ، تحوز على أكثر من شمولية فائضة. من السهل نسبيا أن نصوغ مفهوما ترجميا و أن ننمذج بديلين و أن نغش أنفسنا بالاعتقاد أن النتيجة شمولية. و بالنسبة ليوجين نايدا، فإن النموذج الشكلي / الداينمي قام بالعمل التاريخي بتحويل ترجمة الكتاب المقدس باتجاه مشاغل المجتمعات المستقبلة و الانفصال عن تحديد نص البداية، غير أن ذلك العمل الديالكتيكي ليس مطلوبا في مواقف ثقافية أخرى، خصوصا فيما يتعلق بالترجمات إلى ثقافات رئيسة. و في تلك الحالات ، من المنتج أكثر في العادة أن نقطع الكيك بطرق أخرى، و يندر أن تكون هناك مشاكل ترجمة لها حلان ممكنان فقط.
و من ناحية أخرى، ليس هناك من خطأ حول التقاط مفاهيم أو نماذج مطورة لمشكلة واحدة و محاولة تطبيقها على مشاكل أخرى. عندما تحاول أن تحل مشكلة فإنك تقبل الأفكار و العون من كل مكان يوجدان به. و ليس هناك من سبب في عدم تطبيق زوج ثنائي مصاغ لترجمة الكتاب المقدس على النصوص الأدبية أو التقنية ، على سبيل المثال، مثلما لا يوجد سبب في أن الأفكار التي تتحدث عن الأدب لا ينبغي أن تبرهن على فائدتها في ميادين كتابية أخرى. لن تكون الانتقالات و التطبيقات دقيقة أو مباشرة أبدا، غير أن اللقاءات بين الميادين الكتابية غالبا ما تكون ملهمة. إن فكرة أن كل ميدان كتابي له نظريته الترجمية الخاصة تبدو لي تافهة بشكل فظيع و مسببة للانقسام و تفضي إلى تعددية مناهج صعبة في أفضل الأحوال. لقد كان ذلك منتشرا في التنظير الروسي في خمسينيات القرن العشرين ، على سبيل المثال، مع نتائج كانت بالكاد مبهمة.
باندا: لا يتفق باحثو دراسات الترجمة أن لكل ترجمة غرض. و معظم منظري نظرية الغرض skopos theory لا يجدون أي غرض من وراء أي ترجمة أدبية. هل تتفق معهم؟
پم: لست واعيا بالمنظرين الذين تشير إليهم ، لكن يبدو أنني أتذكر فيرمير كون شيئا مشابها لمناقشة رجل القش. و في كل الأحوال فإن المرء يستطيع أن يستعمل فكرة اللا جدوى Zwecklosigkeit الخاصة بكانت، و هي فكرة أن النص الجمالي ليس له هدف غير المتعة الجمالية ، و أن تناقش عدم وجود غرض لأي ترجمة ادبية. أفضل أن أقول أن النص الجمالي يمنح نفسه على وجه الخصوص لقراءات عديدة ممكنة، و هكذا لأغراض ممكنة عديدة، لأنني أشك أن ذلك يبلغ النقد ذاته في نهاية المطاف كثيرا.
بالنسبة لي، فإن المكان الذي تقع فيه مناقشة الهدف هو الافتراض بأن هناك غرض واحد فقط لأي فعل، سواء كان أدبيا أم شيئا آخر. أعتقد أن هذه فقرة إيمانية جوهرية غير معقولة. معظم أفعالنا تدفعها عدة أغراض في الوقت عينه (فكر بالأسباب الثانوية الكثيرة وراء انتاجنا هذا الحوار ، على سبيل المثال): نحن نغطي رهاناتنا باستمرار و نبحث عن مقايضات و نستكشف المجهول، بطرق أكثر تعقيدا من أي غرض بسيط يمكن أن يوجد.
باندا: لا توجد الترجمة كشيء مدرك في العالم. أنها موجودة هناك بصيغة كتابة أو بشكل كتاب. الشخص العامي يعرفها كشعر و رواية و قصة و وثيقة. كيف تجعلها مرئية عندما يدرك شخص ما ترجمة على الفور؟
پم: لست متأكدا من أنني أفهم السؤال. هناك ثقافات تعتبر فيها جميع النصوص ترجمية إلى درجة ما، و لذلك ليس هناك صنف منفصل للترجمات، و هناك ثقافات أخرى تؤشر الترجمات فيها بوضوح على أنها ترجمات، على الأغلفة، و من خلال أسم المترجم، و غالبا من خلال الأسلوبيات الأجنبية. و لا يبدو من الصعب بصورة مفرطة أن تكون هناك ترجمات مؤشرة هكذا، لكنك تحتاج أولا إلى مفهوم ترجمي اجتماعي يفصل بوضوح ما بين ما هو ترجمات و ما هو ليس بترجمات. ذلك النوع من المفهوم قد لا يكون موجودا أو قد لا يكون مرغوبا.
باندا: هل تستطيع تدريب مترجم لا تتمكن من لغته أبدا؟
پم: تستطيع مساعدة شخص أن يدرب نفسه. و إن كان لديك طالبان في الأقل يشتركان بالزوج ذاته من اللغات فإنك تستطيع مساعدتهما بمراقبة تطورهما.
باندا: تنظم بعثة الترجمة القومية برنامجا تدريبيا للمترجمين حيث تشارك فيه مجموعة متجانسة من المتكلمين المتعددي اللغات. و في هذا المشهد من المستحيل أن يكون لك مدرب يعرف عن جميع اللغات التي يتحدث بها المشاركون. ماذا تقترح لتدريبهم و تقييمهم؟
پم: هذا شيء أعمل عليه منذ السنوات الثمانية الماضية أو نحو ذلك، و خصوصا في صف تدريبي متعدد اللغات بمونتيري بكاليفورنيا. و هناك تقرير عن هذا (تدريس الترجمة في تدريب متعدد اللغات) موجود على موقعي بالأنترنت لكنني أستطيع أن الخص النقاط الرئيسة هنا.
أولا، عندما لا يعرف المدربون الزوج اللغوي للطلبة فعليهم أن يركزوا على العمليات الترجمية و ليس النتاجات. عليك أن تجعل الطلبة واعين بكيفية قيامهم بالترجمة و كيفية استطاعتهم تنظيم عملهم بصورة مختلفة و على هذا الأساس كيف يستطيعون أن يتطوروا. و هذا يتعلق بجوانب مثل استعمال ذاكرات الترجمة و ناتج إعادة تحرير الترجمة الآلية و التوثيق و بحوث الشبكة و عمليات التنقيح الموحدة و قلب الاتجاه و الترجمة الفرقية. و تدرس هذه الجوانب بأفضل صورة من خلال طلبة يقومون بتسجيلات على الشاشة لإدائهم ، و يعيدونها من ثم أربع مرات ضعف السرعة الأصلية لكي يستطيعوا أن يروا أين يخطؤون و خصوصا كيف يخسرون الكثير من الوقت.
و ثانيا، إن نوعية نتاجات الترجمة يمكن أن يسيطر عليها إلى حد ما من خلال مراجعة الأقران، إذا و عندما يكون لديك في الأقل طالبان لهما الزوج اللغوي ذاته. و بدلا من أن يكون هناك ترجمة نموذجية محددة يتطلع لها الطلبة – هناك على الدوام بضعة حلول جيدة لأي مشكلة ترجمية – من الأفضل أن تجعل الطلبة ينقحون ترجمات بعضهم البعض مباشرة بعد أن يقوم الكل بترجمته إما للنص ذاته أو لنص مواز مترجم بالاتجاه اللغوي المعاكس. و هذا يعني أن كل طالب يدقق عمل الآخر ، بصيغة تمرين في التنقيح ، يفضي إلى حوار.
و الجانب الثاني قيم جدا بذاته. و الشكر موصول للاستعمال المتزايد لتقانات الترجمة حيث أصبح التنقيح الآن احد الأشياء الرئيسة التي علينا أن ندرسها، مثلها مثل التحرير اللاحق لناتج الترجمة الآلية . و تلك مهارات يمكن أن تطور بصورة جيدة تماما في صف التدريب المتعدد اللغات ، إذا و عندما يستطيع جميع الطلبة في الأقل أن يعملوا باتجاه لغة مشتركة.
باندا: حصلت على فكرة أن الترجمة تشبه “الأنتقالة” من كتابك “الترجمة و نقل النص Translation and Text Transfer”. ما الذي ينتقل في الترجمة؟ و هذا الانتقال يسبب أيضا الكثير من الصفقات لكي تحصل و قد تأتي بأفكار جديدة حيث نكون قادرين على النظر لأنفسنا نقديا. الترجمة تسبب الحركات. أنه ليس نصا أو فكرة ثابتة بل تطور داينمي للسلوك الإنساني. كيف تستجيب لهذا؟
پم: تحصل الترجمة بسبب أن شيء ما (أو شخص ما) قد انتقل أو يعنى بالنقل. و الترجمة على هذا الأساس تتسبب بالحركات المادية ، سابقا لعملها الخاص في الحركة السيميائية. لقد كان ذلك الافتراض البسيط بالنسبة لي في 1980 أو حدودها طريقة للتفكير عن الترجمة بمصطلحات مادية جدا، من دون افتراض أنظمة أو حدودها، لقد كانت الفكرة المحورية في أطروحة عن الاقتصاد السياسي للترجمة. و لا أزال أعتقد أن من المفيد التفكير بالترجمة : إذا رأيت حركة مادية كأساس لأصنافك، ليس عليك أن تفترض حدودا بدهية بين اللغات و الثقافات و هي تتفاعل، عليك اقتفاء الحركات و أن تدع تلك الحركات تكشف الحدود كلحظات مقاومة و تحول.
و على أية حال، فأنا أتردد بالزعم أن الحركة في ذاتها تشتمل على نوع من الفائدة الأخلاقية. يستطيع المسافر أن يعاني من عمى الفوقية المفترض، أو يستطيع فقط كنوع من العمى أن يوعز الهيبة المفترضة للآخر. لا تنطوي الأمور على نقد ذاتي غير ضروري، و لا يشير أي شيء إلى أنه كلما كان لدينا الكثير من الترجمات كلما كنا أقرب إلى الفردوس الأرضي.
و أفضل ما يمكن المرء مناقشته، مثلما أعتقد، هو أن الأنتقالات بين الثقافات جزء ضروري من تجنب الجمود أو موت الثقافات. و هو ما ناقشه جاريد دايموند Jared Diamond و إتمار إيفن – زوهار Itmar Even-Zohar ، و هناك بالتأكيد حالات ماتت فيها الثقافات بسبب العزلة عن ثقافات أخرى. و من وجهة النظر هذه، ستكون الترجمة مفيدة للمساعدة في الحفاظ على التنوع الثقافي . و من أجل القيام بمزاعم شجاعة لابد علينا أن نعرف ما يترجم و كيف.
باندا: اللغة غير محدودة بعدد محدود من القوانين مثلما أفترض لغويونا. و تقاليدنا اللغوية نحن من يصنعها. لا يستطيع أي متكلم أصيل للغة ما أن يتكلم مئة بالمئة عن تلك اللغة . و يمكن تحدي مكافئ ما في أي وقت. أنه ليس المكافئ المثالي فقط الذي يستجوب نفسه بل أيضا أي مكافئ يمكن أن يتم تحديه. كيف تدرك الموقف غير الثابت للمكافئات في لغة أو ترجمة ما؟
پم: المكافئات المحتملة تنتجها الترجمات، فهي لا توجد سابقا للحظات الترجمة. إن الاعتقاد بالتكافؤ، كعلاقة صالحة و طويلة، هي على هذا الأساس خرافة انتجت في استقبال الترجمات، و أساسا كموضوع بنفعية مناسبة. لا أعتقد أن التكافؤ له أي شيء يؤديه عن معرفة كلية اللغة. و لا الترجمة فيما يخص ذلك الموضوع. هناك عدم تحديد جوهري في الاستعمال اللغوي، كما اعتقد، و اعتقادات التكافؤ تمثل طريقة عملية للتواصل بالرغم من ذلك. و هي ليست مختلفة في الاقتصاد. لا أحد يأمر بكلية الصفقات في نظام اقتصادي، و هناك تذبذب منتظم في قيم الصرف لجميع السلع و الخدمات، لكننا لا نزال نقبل قيمة الأوراق النقدية في معاملاتنا اليومية.
باندا: لقد كنا نستعمل اجراءات الترجمة التي صاغها فني و داربلنيه Vinay and Darbelnet لعقود في تدريس تقنيات الترجمة في الصف الدراسي. هل هذه التقنيات كافية؟ و هل يمكن أن نطبق هذه التقنيات عبر اللغات؟
پم: هذا سؤال ناقشته في كتابي “حلول الترجمة للغات عديدة Translation Solution for Many Languages” حيث اسأل عموما فيما إذا كانت التصنيفات مثل تصنيفات فني و داربلنيه مختلفة لكل زوج لغوي. و لذلك قارنت الأصناف المتعددة المطورة للروسية و الصينية و الألمانية و السلوفاكية و التشيكية و هكذا بالإضافة إلى الأصناف الإسبانية و الإنكليزية التي ألهمها مباشرة عمل فني و داربلنيه في اللغة الفرنسية. و نتيجتي العامة هو أن الاختلافات بين الأصناف لها علاقة بمفاهيم الترجمة المتنوعة و السياسات اللغوية أكثر منها بالاختلافات بين اللغات نفسها. هناك بعض الاختلافات الواضحة بالطبع بالنسبة للعمل مع الصينية و اليابانية ، على سبيل المثال، حيث يجب إيلاء اهتمام أكثر إلى إعادة التقطيع resegmentation ( تكسير أو ربط الجمل) و لطرق متعددة لإنتاج القروض loans (و خصوصا التقليد الصوتي أو إعادة التكوين الدلالي). و أيضا، يميل العمل بين اللغات الأوربية و الآسيوية إلى أن يتمركز على ما اصطلح عليه فني و داربلنيه بـ “التحويل transposition” و “التعديل modulation”، بينما افترض اللغويون الفرنسيون ما أسموه بــ “الترجمة الحرفية literal translation” على أنها نقطة البداية.
و في النهاية، وعلى الرغم من ذلك، فإن تصنيف الحلول الفعلية لا يتحدد بأي طريقة وثيقة من قبل بنى اللغات نفسها. و للأمر علاقة كبيرة بما يؤدى بفاعلية تربوية لبعض المتعلمين عند مستويات معينة، و كيف أن ثقافة ترجمية خاصة تضع القيم على اللغات الأجنبية.
باندا: في كتابك الأخير “حلول ترجمية للغات عديدة” لم أعطيت عنوانا فرعيا “تواريخ حلم معطوب”؟
پم: إن العيب الرئيس ، كما اعتقد، هو الادعاء بإنتاج تصنيف يعمل لجميع اللغات، و لجميع ثقافات الترجمة، و لجميع الوقت. هناك بضعة اسباب وراء فشل هذا التطلع للشمولية. و لغاتنا ليست غير محددة في علاقتها بالمعنى و القيمة فقط، بل أن مفاهيم الترجمة نفسها تتغير بتغير الثقافات و الأزمان.
قد تكون قادرا على الافتراض بحل خاص يعمل لجميع اللغات و في كل الاتجاهات. إن المصطلحات التقنية الراسخة ، على سبيل المثال، تميل للتقييس عبر جميع اللغات التي تتشارك بالتكنولوجيا، و هي تجعل كذلك ببنى قوة سلطوية (كما في مسارد مايكروسوفت). وعلى أية حال، يستطيع شخص ما على الدوام أن يأتي و يقول أن ما تصفه ليس ترجمة “فعلية” أو “الترجمة كما هي translation proper”، و ربما بسبب أن ليس هنالك خيار حقيقي للمترجم يقوم به في هذه الحالة: فالمصطلحية ليست الشيء ذاته كالترجمة، كما أقترح. و لذلك فإن على الشمولي أن يبحث عن بنية قوة سلطوية تستطيع الفرض على أي شخص المعنى الصحيح الوحيد لكلمة “الترجمة”، لكن شخصيا، لا أستطيع تصور أي مثال كهذا من السلطة. و لذلك فإن ذلك الحلم الخاص معاب و على نحو مهلك.
باندا: كانت الترجمة تعاب في صفوف تعلم اللغة. لكن هل يعاد تقديمها في العديد من البلدان؟ هل فشلت سياسة الترجمة في السنوات الباكرة أم كانت المنهجية هي من فشلت في الإبقاء على الترجمة كمهارة تعلم لغات؟
پم: لست متأكدا من أن فعاليات الترجمة يعاد تقديمها فعليا بأي طريقة شاملة على الرغم من أن هناك بالتأكيد دعوات متزايدة لاعتبارات الطريقة التي استثنت بها الترجمة من قبل ايديولوجيات الانغماس اللغوي linguistic immersion أو تدريس اللغة تواصليا.
هناك بضعة أسباب لهذا النزوع. أعتقد أن الترجمة التحريرية و الشفاهية (أو “الوساطة اللغوية” كمجموعة أوسع من المهارات) هي أشياء يريد الطلبة أن يتعلموها في المستويات المتقدمة كثيرا و لذلك ليس هناك سبب في عدم تدريسها. و هناك أيضا مناقشات بدهية مؤسسة على حقيقة أن المبتدئين الكبار يميلون لاستعمال “الترجمة الذهنية” عندما يبدأون بتعلم لغة أجنبية بأي حال. و افترضت الكثير من المناقشات في صالح الانغماس نوعا ما أن جميع المتعلمين كانوا أطفالا صغارا.
أعتقد أن النقطة المهمة التي يجب وضعها في البال هنا هو أن هناك انواعا و مستويات عديدة من الترجمة. و النوع البسيط من الترجمة المستعمل لبعض اكتساب المفردات الأساسية ليس له من شيء يؤديه حول استعمال الترجمة كفعالية تواصلية تماما في الصف الدراسي، أو حول أنواع الفعاليات الترجمية التي تقدم و تشرح استقرائيا الاختلافات بين الأنظمة القواعدية أو ثانية مع الفعالية المعقدة في ترجمة نصوص عند أعلى المستويات، عندما ينشط المتعلم المتقدم المهارات اللغوية و التواصلية في لغتين و عند الكثير من المستويات على الفور. لقد تأسست معظم المناقشات المضادة للترجمة على الفكرة المضللة على أنها مجرد تمرين في استبدال الكلمات. و أول واجباتنا هو أن نبين أن الترجمة أكثر بكثير من ذلك، و أن الترجمة التواصلية يمكن أن تستعمل في مدى واسع من الفعاليات الصفية.
و على أية حال، لن أزعم أن الطلبة الذين يستعملون الترجمة هم على هذا الأساس يتعلمون أفضل و أسرع، و لن أناقش بالتأكيد أن فعاليات الترجمة تعزز الفصاحة، على سبيل المثال. و أفضل ما يمكننا زعمه، على أساس القليل من الدراسات التجريبية التي تختبر استعمال الترجمة التواصلية بالتضاد مع الفعاليات غير الترجمية، هو أن الترجمة لا تؤذي، و أنها مجموعة إضافية من المهارات التي يتمتع الطلبة عموما بتعلمها.
و جزء من المشكلة هنا تاريخية. فهناك الفكرة الواسعة الانتشار هي أن تعلم اللغة حتى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر كانت مؤسسة حصريا على الترجمة، فيما يسمى بطريقة “القواعد و الترجمة “grammar translation method و التي أتبعها استعمال الانغماس و تقنيات التواصل باتجاه نهاية القرن. و على أية حال، عندما عدت و نظرت فعليا في مناهج القرن التاسع عشر لتدريس اللغات الأوربية اندهشت من اكتشافي أن معظمها تقريبا افترضت مزيجا من الفعاليات المنطوقة و المكتوبة، بمدى من تمرينات الترجمة مشكلة جزءا واحدا من المزيج.
و جاءت المفاجأة النسبية الأخرى عندما قامت كرستن مالمكار Kirsten Malmkjær و أنا بدراسة للهيئة الأوربية في 2012-2013 . لقد وجدنا أن البلدان في أوربا ذات المعدلات الأعلى لتعلم الإنكليزية هي على العموم البلدان التي أكثر ما ينقل عنها استعمالها للترجمة في الصف المدرسي بالرغم من كون المدرسين في ألمانيا يفضلون أن يتحدثوا عن “الوساطة” بدلا من “الترجمة”. و ذلك هو السبب وراء زعمي أن الترجمة لا تؤذي، لكني أريد الإصرار أيضا على انها يجب أن تمزج مع الفعاليات التدريسية الأخرى و أن الاستعمال التربوي يجب أن لا يبدأ من أشكالها المنطوقة.
مصدر الحوار:
https://www.academia.edu/30616940/Interview_with_Anthony_Pym

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here