ماكرون ومعالجته غير العملية لأزمة  التطرف الإسلامي 

بقلم مهدي قاسم

استعمر الفرنسيون بلدانا إسلامية عديدة ومكثوا في بعض من تلك البلدان لعقود طويلة ، فضلا عن هجرة ملايين من سكان المغرب العربي إلى فرنسا بصفة ” عمال مهاجرين “مع  ” فصيل ”  من أفراد عائلاتهم الكثيرين ،  و هذا يعني أنه خلال كل هذه العقود الطويلة من الزمن كان المفروض أن يعرف الباحث الاجتماعي  الفرنسي والطبيب أو العالم  النفساني  الفرنسي  و كذلك  المسؤول الحكومي الفرنسي وهم عن قرب شديد و عبر معايشة يومية طويلة مع الجالية الإسلامية أن يعرفوا طبيعة الثقافة الاجتماعية الموروثة وفضلا عن الثقافة الدينية للمسلمين المتعاكسة تماما مع الثقافات الغربية  ، سواء منها  الدينية ، أو  الاجتماعية و ذات انفتاح ليبرالي وفهم  حضاري للحياة العصرية الأوروبية ، حيث لا تسمح هذه الثقافة الاجتماعية والدينية للمسلم الملتزم  القبول للقيم الثقافية الغربية بل  يرفضها بكل قوة ، من هنا تأتي صعوبة الاندماج الاجتماعي في المجتمعات الاوروبية والسعي في الوقت نفسه  إلى خلق وتشكيل مجتمع مواز مغلق على نفسه في أجواء متوترة دوما من كراهية وتنابذ و رفض و ازدراء متبادلين بشكل مباشر حينا و غير مباشر حينا ..

إذن فلم يكن خافيا على  الفرنسيين بشكل خاص ولا على الأوروبيين بشكل عام سلوك ونهج غالبية المسلمين المقاومين بشدة لجهود عملية  الاندماج بالمجتمعات الأوروبية  التي بذلتها و تبذلها الحكومات الأوروبية لتحقيق  هدف الاندماج الذي بات يتضح مدى استحالة تحقيق ذلك  بسبب الاختلافات الثقافية الحادة الآنفة الذكر ، حتى توّجت عملية الرفض هذه بأقدام شباب وفتيان من الجيل الثالث من المهاجرين  الذين  ولدوا في بلدان اوروبية وعاشوا متنعمين ــ  بشكل نسبي ــ و حيث  كان بإمكانهم  حتى الدراسة في جامعات مرموقة ، إلى شحذ سكاكينهم لذبح أبناء وطنهم  ” الصليبيين ” المسالمين  و ذلك إما استجابة لأمر داعشي أو انتقاما بسبب ” الإساءة ” إلى نبي الإسلام !! ..

فيا ترى لماذا هذا الإصرار العجيب  إذن لفتح أبواب الهجرة على وسعها لتدفق ملايين من بشر جلهم من المسلمين ــ الذين لا تسمح لهم  ثقافتهم الاجتماعية والدينية الاندماج الكلي أو القبول بالقيم الاجتماعية الغربية في الوقت الذي يعرف المسؤولون الغربيون إن هؤلاء يأتون بحثا عن عيش رغيد و دون أدنى استعداد للاندماج بالمجتمع الجديد ؟..

بالطبع نحن نعرف بأن المسألة ليست بهذه البساطة ، لكون المسؤولين الغربيين يختلفون فيما بينهم في الرؤية لهذه المسألة و في كيفية معالجتها ، إذ في الوقت الذي ترفض فيه الأحزاب اليمينية استقبال هذا النمط من المهاجرين و غيرهم أيضا ، رفضا مطلقا، فأن  الأحزاب الاشتراكية والليبرالية تقاتل ــ سياسيا ــ لاستقبال مزيد منهم ، بالطبع ليس حبا بهم إنما لاعتقادها بأن هؤلاء المهاجرين سيشكّلون  ـــ فيما بعد ــ  قاعدة تصويتية لها في الانتخابات ولهذا نجدها أنها تتحالف ــ ولو بشكل غير مباشر  ـــ  حتى مع السلفيين والاخونجية المستوطنين في الغرب دفاعا عن المهاجرين و تبريرا أو تفهما ” مرنا” لمسألة عدم اندماجهم الاجتماعي أو رفضهم للعمل في كثير من الأحيان  واعتبار أعمالهم الإرهابية  مسألة محدودة لا ينبغي تعميمها على باقي المسلمين  ..

عموما  ـــ وحسب اعتقادي ــ فأن ماكرون  قد عالج  هذه المسألة بشكل خاطئ  و سيء ،  إذ  لا يجوز  تبرير توجيه إساءة لشخص ميت  سواء كان نبيا أو شخصا عاديا بذريعة حرية التعبير  ـــ  التي حتى ولو  تُعتبر مقدسة عند الأوروبيين ـــ  وإنما معالجة المسألة معالجة عملية وشاملة وجذرية  من منظورآخر تماما ــ نعني هنا  معالجة مسألة عدم الاندماج  بالنسبة لأغلبية المسلمين في الغرب ، حيث أثبتت تجارب السنين السابقة والطويلة استحالة ذلك  مثلما اسلفنا ــ إنما يجب القيام باستفتاء شعبي واسع  للحصول على دعم الأغلبية من المجتمع بخصوص تبديل أو تشريع قوانين جديدة  ذات تخويل قانوني كامل حيث على ضوئها تقرر الحكومة ــ التي تكون ــ افتراضا  ــ مدعومة بأغلبية برلمانية  ـــ  إعادة الرافضين  عن الاندماج ــ إلى بلدانهم الأصلية مع منحهم  تعويضا ماديا ،  وسحب الجنسيات من الآخرين ومنحهم إقامات مؤقتة دائمة تكون عملية سحبها مرتبطة بمدى استجابتهم  لعملية الدمج واحترام القانون و بمدى قبولهم ثقافة المجتمع التي يعيشون بين صفوفه ، بينما تحقيق هذا الهدف  سيكون ضربا من المستحيل بحكم وجود الاشتراكيين والليبراليين في السلطة التشريعية والتنفيذية في الوقت الراهن  سيعرقلون  أي اتجاه برلماني على هذا الصعيد لأنهم يعولون على المسلمين الأوروبيين  كقاعدة تصويتية افتراضية لهم …

  • قبل أسابيع أقدم أحد التوانسة  المسلمين على ذبح قس إيطالي كان يساعد المهاجرين واللاجئين المسلمين  هناك  ماديا ومعنويا ، مع العلم ما من أحد قد  أساء إلى النبي في إيطاليا لا من قبل  مسؤولين ولا من قبل  مواطنين ” عاديين  ” ، بل أن”  البابا ”  قد دعا الأوروبيين إلى فتح أبواب بيوتهم لمساعدة جميع اللاجئين والمهاجرين ، وأن أقدام هذا التونسي على فعل إجرامي كهذا وبدون تبرير أو سبب هو واحد من مئات عملية دعس بشاحنات  و هجمات قتل و ذبح جرت في عواصم أوروبية عديدة ــ لندن باريس  امستردام  هلسنكي والخ ــ منذ السنوات الخمس الماضية وحتى الآن .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here