ديانة اليهود من خلال رواياتهم ! (اقتباس) ح 1

ديانة اليهود من خلال رواياتهم ! (اقتباس) ح 1 د. رضا العطار

يقول المفكر المسلم – مالك بن نبي – ( ان الدين ظاهرة كونية تحكم فكر الانسان وحضارته كما تحكم الجاذبية في المادة، وكلما اوغل المرء في الماضي التاريخي للانسان، سواء في احقابه الحضارية الزاهرة او في مراحل تطوره البدائية، فإنه سيجد سطورا من الفكرة الدينية ) . وهو يكشف هنا عن حقيقتين:
الاولى: هي فطرة الدين وملازمته للانسان في جميع مراحل تطوره
والثانية: ان الظاهرة الدينية تتطور مع تطور الانسان بحيث يمكن القول: ان هذا الدين هو اكثر تطورا وتقدما من الديانات السابقة.

وليس ثمة شك في ان الدين لازم الانسان في جميع مراحل تطوره وتغلغل في الوان الحضارات المختلفة، المزدهرة منها والمتخلفة معا . ولهذا تعددت صوره واشكاله بتعدد المجتمعات البشرية وتغير وضعه في سلم التقدم بمقدار تغير وضع المجتمع نفسه وربما كان ذلك من الاسباب التي من اجلها استطاع الدين ان يلبي حاجات الانسان ومطالبه دوما. ولعل ذلك ايضا هو السبب الذي من اجله تعددت رسالات السماء ولم تقتصر على رسالة واحدة او تكتفي بدين واحد. ومن ثم كانت الديانات الثلاث الكبرى : اليهودية والمسيحية والاسلام. ثلاث خطوات كبرى على طريق الحضارة البشرية، مشكّلة في نفس الوقت مراحل صاعدة تصل الى قمتها في الاسلام.

لسنا نهدف في هذا المقال دراسة الديانة اليهودية (كما ينبغي ان تكون) بحيث نكشف عما فيها من عناصر سماوية سامية وما شابها من عناصر بشرية واوجه تحريف… الخ لكنا نريد ان نلقي الضوء على الديانة اليهودية كما هي بالفعل، نريد ان نفهمها كما يفهمها اليهود لا كما نتمى لها ان تكون، ومن ثم فلن نقحم انفسنا في مشكلات لا سبيل الى حلها، لأننا لا نستطيع ان نقول على وجه الدقة ما الذي كانت عليه التوراة السماوية الاولى التي لم يرها احد ولم يعرف مضمونها احد. وحتى لو انناعرفناها، فلن يكون في استطاعتنا ان نغير مما دأب عليه اليهود وما اشتمل عليه تراثهم طوال سنين تعد بالآلاف ! فليس من مهمتنا اذن ان نقول كيف كانت التوراة او ما الذي ينبغي ان تشمل عليه.

صحيح ان الديانة اليهودية على نحو ما هي عليه عند اصحابها تحتوي على:
( آيات من البلاء شنيعة نعوذ بالله من قليل الضلال وكثيره … ) لكن ذلك لا يعنينا ما دمنا لا نقف منها موقف المؤمن او المصدّق بل موقف المتأمل الذي يفكر ليستخلص المضمون والمغزى ثم يمضي …

لو انك تأملت الديانات الثلاث الكبرى: اليهودية والمسيحية والاسلام لوجدت انها تمثل بناء يكتمل في الاسلام كما لو ان الديانتين السابقتين كانتا خطوتين ممهدتين في سبيل الوصول الى الديانة الثالثة. وهكذا تبدو كل ديانة منهما (احادية الجانب).

تركز اليهودية على المادة في حين تركز المسيحية على الروح، لكن الاسلام يجمع بينهما … الديانتين، تأخذ كل منهما بنظرة جزئية عن الانسان بينما ينظر الاسلام الى الانسان نظرة كلية شاملة، هذا ما نلمسه في سورة التوبة:
( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) وكذلك في سورة آل عمران ( ومن يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه … )
فكيف يمكن ان نفهم من هاتين الايتين التي تكاد تنكر الديانتين السابقتين ؟

فلو انك تأملت جوهر هذه الديانات الثلاث لوجدت ان اليهودية تلتصق بالجسد والحس والمادة في حين ان المسيحية تقترب اكثر من الروح والقلب، في حين ان الاسلام يخاطب الانسان جسدا وروحا … اليهودية هي ديانة الموضوع والمسيحية هي ديانة الذات، والاسلام هو ديانة الموضوع والذات في آن معا. اليهودية تعمل من اجل الدنيا وما فيها من ذهب ومال، ام المسيحية تستهدف ملكوت السماوات حيث:
( لا يفسد سوس ولا صدأ ولا ينقب سارقون ولا يسرقون ) حسبما جاء في انجيل متي
اما الاسلام فهو يعمل للدنيا والدين في وقت واحد: ( اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا )

فاليهودية تركز على الخارج بينما تهتم المسيحية بالداخل في الوقت الذي يجمع الاسلام بين الخارج والداخل في مركب واحد.
تلك هي صورة عابرة وموجزة جدا للألوهية في اسفار اليهود. وللمادية المتغلغلة في هذه الديانة، وهي ديانة تقترب من الديانات البدائية، تعبد العجل تارة وتعبد الانبياء تارة اخرى، وهي في جميع الحالات لم ترتفع الى مرتبة التوحيد.
يقول المؤرخ الشهير ول ديورانت في قصة الحضارات ( لم يكن يهوى الاله الوحيد الذي يعترف اليهود بوجوده. وكما جاء في الوصايا العشر هو ان يكون مقامه فوق مقام سائر الارباب وهو يقر بانه اله – غيور – . ويقول موسى في اغنيته – من مثلك بين الالهة يارب – ويقول سليمان – الهنا اعظم الالهة – ويصيح ارميا – على عدد مدنك صارت الهتك يا يهودا.
فاينما ذهبت سوف تجد التركيب الحسي لليهود هو المنظار الذي ينظرون منه الى كل شئ: الى الله، الى الانبياء والرسل، الى المبادئ والاخلاق … الخ لا تجد في تراثهم كله سوى الارتباط بالارض وبالتراب.

مقتبس من كتاب : افكار ومواقف، لمؤلفه امام عبد الفتاح امام

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here