ديمقراطيات تتجه نحو العنصرية (مثال أمريكا وفرنسا)

بعد انهيار الأنظمة الشيوعية الدكتاتورية وما تبعها من انظمة حكم عربية ملكية وجمهورية. جاء دور انهيار الأنظمة الديمقراطية وعلى رأسها التجربة الأمريكية والفرنسية. فقد كانت التجربة الأمريكية مثال يحتذى به في الغرب والعالم حيث كانت تمثل العالم الحر الذي يمكن أن يعيش فيه كل شخص بحرية فلا فرق بين مواطن ومواطن. اما التجربة الفرنسية فهي الأخرى تعتبر رمزا آخر مختلفا فقد كانت تمثل لدى الكثيرين واحة لحرية التعبير والفكر والرأي تحت ظل نظام علماني لا يفرق من حيث المبدا بين دين ودين ولا بين عرق وعرق.
لقد كان العالم اجمع بما فيهم بعض العرب المسلمين يتباهون ويمجدون الديمقراطية الأمريكية التي تعتمد بزعمهم على مؤسسات مهنية رصينة محايدة. كان البعض ايضا يبدون اعجابهم بتلك المؤسسات إذ جعلوها مضرب الامثال. فهي التي فضحت اتصالات الرئيس الأمريكي نيكسون اثر فضيحة وتركريت. مما أجبره على تقديم استقالته من منصب الرئيس. كما انهم اعتقدوا بان الحرية الاعلامية والصحفية لا مثيل لها. ولها من قوة التاثير والاستقلالية ما لا يقدر احد أن يقيدها أن يستثمرها لاهدافه الحزبية أو الخاصة.
لقد ظهر ان الديمقراطية في امريكا مقيدة وتسييرها جماعات بعينها من وراء الكواليس. كما ان إشاعة المعلومات بصورة لحظية عبر وسائل الإعلام التي تنقلها وسائل التواصل الاجتماعي كشفت المستور. لكن والحق يقال أن الذي عرى الديمقراطية على حقيقتها الرئيس ترامب نفسه. فقد ظهر جليا اللوبي الفعال المهيمن على القرار الأمريكي المتمثل في مجموعة الضغط اليهودية وشركات الطاقة والسلاح والصناعات الاستراتيجية. لقد كشف ترامب بأن هناك اعلام سلطوي يسير وفق ما تشتهيه الادارة الأمريكية. واعلام حر يمكن كبحه وتحييد تاثيره تحت طائلة التهديد والوعيد. علم الناس كذلك بأن هناك أصوات انتخابية فعالة ولها وزن واخرى لا قيمة لها. بدليل أن هلاري كلنتون فازت على ترامب بعدد الأصوات لكن اصواتها جاءت من مناطق غير ذات شان. كشف ترامب في ولايته حقيقة عنصريته والكثير من الامريكان البيض ضد السود. إن من المقلق يعود نظام الكابوي الذي كان الرجل الابيض يقتل أهل أمريكا الاصلاء الهنود الحمر. بات رئيس امريكا يؤمن بتفوق الجنس الأبيض على الأسود. بات واضحا بأن الشعب الأمريكي يمكن تغفيله بوعود انتخابية. كما يمكن أن يحكم أمريكا رئيس يجهل الف باء السياسة. هذا يعني بان العالم يعود القهقرى اخلاقيا إلى الوراء بعد اثارة النعرات العنصرية. فقد تمكن ترامب من خلق جيوش عنصرية تاتمر بامره في اوربا وامريكا والعالم اجمع. اليوم يبدو ان الرئيس المنتخب ديمقراطيا يشكك بالنظام الذي أتى به للرئاسة. انه لا يريد الاعتراف بالانتخابات القادمة الا في حالة فوزه.
اما الديمقراطية والحرية في فرنسا فكثير من عرب شمال أفريقيا وبعض مستعمراتها يعتبرونها النموذج الامثل الذي ينبغي أن يحتذى به. لان باريس مدينة النور والثقافة والفن وفرنسا بلد المساواة والعلمانية وحرية التعبير والرأي. لكن بمجرد أزمة اقتصادية عابرة أخرجت اضغان المتعصبين وعادوا للتشبت بتاريخهم الاستعماري. لذا تعود النزعة العنصرية ضد الاسلام بسرعة مفرطة. هذا الصنيع عرى ديمقراطية وعلمانية فرنسا واخرج متناقضاتها فهي عنصرية ضد المسلمين لكنها تحمي اليهود وغيرهم. لقد هرب السياسيين الفرنسيين من سوء ادارتهم الدولة واختاروا الاسلام ليصبوا جام غضبهم عليه. رغم ان العلمانية يجب أن لا تعادي دين بعينه.
لقد شاهد العالم ولمس بأن قيادة فرنسا لا تريد استيعاب المتغيرات والمعطيات على الأرض الفرنسية. وتحاول إعادة امجادها لاحياء الحقبة الاستعمارية. لقد كشفت السياسة الحالية بأن هدفها تاسيس اسلام فرنسي ليس له علاقة بالاسلام الحقيقي. لقد بدأت طباشير قوانين مجحفة بحق الجالية وتتنبأ بتضييق شديد لحرياتها وممارسة شعائرها العبادية. ان السلطات الرسمية تعمل على خلق جو شعبوي عنصري مشحون ضد الاسلام ورسوله. لقد تخلت فرنسا عمليا من ممارسة حرية الراي. اذ شددت الخناق على أصحاب السترات الصفراء والمسلمين والفقراء مما عزز الظلم والاقصاء لطبقات عديدة في فرنسا.
في نهاية المطاف ظهرت الحقيقة أمام الكثير من المثقفين العرب والمسلمين. وهي ان نشوة عشق الديمقراطية التي كان مردها استهجان الأنظمة الشيوعية الدكتاتورية والانظمة العربية الملكية والجمهورية قد انتهى. بدلا من العمل على اصلاح مبادىء الديمقراطية وتكون اسم على مسمى. لتشمل كل طبقات الشعب دون تمييز للعرق او اللون او الجنس او الدين. لقد عرف العالم بأن صانعي وممولي الارهاب متواجدين في أمريكا والغرب اما المسلمين فهم أول ضحاياه. لقد استخدمت الديمقراطية اذن كحصان طروادة لاعادة سيطرة المتنفذين والعنصرين على الدول العربية. لنعود من جديد إلى تذكير العرب والمسلمين في أي مكان إلى مبدأ ان الحق والعدل يؤخذ عنوة ولا يوهب من قبل الحكام حتى لو كانوا ديمقراطين. ان نيل الحق بحاجة الى نضال وجهاد دائم. كما ان هذا الحق لا يعطى مجانا للضعفاء. لذلك فمن دون توحيد صفوف العرب والمسلمين لا يمكن بناء دول قوية ديمقراطية عادلة لها شانها بين الامم.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here